الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما يسكن المؤجر بجانبك

14 يناير 2010 22:35
غابت ضحكته، ولفّت وجهه مسحة حزن عميقة لم يستطع إخفاءها بابتسامة باهتة، وخرج صوته من جوفه مضطرباً يجمع الكلمات ليطلقها احتجاجاً، بل سخطاً على وضع لم يعد هناك مجال لتحمله. جبلت حياته على عدم الاستقرار، غير بيته أكثر من عشر مرات، وغير مدينته أكثر من خمس مرات، جاب كل الأماكن بحثاً عن الأجمل، وسعياً للأحسن، واستقر أخيراً في بيت لا ينوي تغييره، فالاستقرار صار هاجساً بالنسبة له، وتغيير الأماكن والناس في كل حين يفقده الشعور بالأمان الداخلي، حالته هذه لا ينوي تسريبها لأطفاله الصغار الذين تفتحت أعينهم في زوايا هذا البيت الصغير الذي لا يسمح لهم بتبديل خطواتهم بأريحية، فلا شمس تدخله، ولا شرفة تزين واجهاته وتسمح بتحرير الغسيل من الرطوبة والمياه، فهو فقط نوع من الألفة المجبرين عليها في ظل غياب الاختيارات. جاءني يقول: كثيرة هي هفوات ونواقص هذا السكن، لكن خوفي من حزم حقائبي في كل حين خلق عندي فوبيا الرحيل، وهذه المرة قلت سأسكن إلى نفسي وأمنحها وأمنح صغاري الأمان، وقلت سأرضى بنصيبي، وروضت نفسي وعلمتها حب المكان والسعادة بما يمنحنه من أمان مؤقت، وصبرت رغم استفزازات المؤجر، فحكايتي معه بدأت منذ أن حرر عقد بيني وبينه والمفترض أن أضمن بموجبه خصوصياتي واستقرار نفسي، حيث تحدث بكثير من التعالي وقال:”التزم واحترم نفسك ولا تؤجر أي غرفة من الغرف بالباطن، فكثيرون منكم فعلوا ذلك، وقول “كثيرون” جلدني به، مع العلم أن البيت ليس براحا ليؤجر منه، واستمرت معاكساته، خنق قلبي في صدري ولم أعد أقوى على التنفس. كان يسكن نفس البناية، لكن يدخلها من باب آخر، وفجأة غير رأيه وأصبح يدخلها من نفس الباب، هذا ملكه وله الحق الاستقرار أينما يرغب، لكن مشاكلنا تفاقمت أصبح يراقب ضيوفنا، ويسكت صوت أولادنا، ويأمرنا بإغلاق نوافذنا بحجة ألا يصيب بيته بعد عمر طويل هشاشة الحيطان، ولا نشر غسيلنا، وندخلها صامتين، ولا نفتح أبوابنا إلا بقدر ما تنسحب فيه أجسادنا للداخل فهل يحق للمؤجر أن يقلق راحة المستأجرين في كل حين؟ وهل يحق له أن يقدم شكاوى للإخلاء رغم أن سكنه لم يمسسه ضر؟ وهل يحق له طرد الناس وهو يتقاضى كل مستحقاته، بل ينجز العقد بنفسه ويقحم الزيادة التي تناسب طموحه على رأس كل سنة تجديد؟ وكيف يمكن لأي مؤجر أن يتحرر من فكرة أن البيت بيته، ويمنح المؤجرين مساحة واسعة من الراحة النفسية؟
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©