مانيفستو

يقوم إطلاق البيان الفردي والجماعي، المستقل أو الرسمي، على تحديد هوية المشروع المُعنى به، إذ يمثل ذلك طرحاً لبداية جديدة أو بداية إصلاحية لوضعية سابقة، رغبة في تغيير آليات قديمة أو انتباه لمتغيرات جديدة، وعليه فيكون متضمناً عدة صيغ دلالية بعضها أو كلها، مثل التحذير، الاحتجاج، التوضيح، التخلي، التحريض، التهديد، المحاسبة، التنصل، الاعتراف··· وما إلى ذلك· وكل القطاعات الاجتماعية من ثقافي وسياسي وديني واقتصادي وعلمي··· إلخ، تستخدم ذلك الشكل لكونه يمثل تدشيناً لمبادئ أولية، وإعلاناً عن تصور عملي لمستقبل ذلك الفرد أو تلك الجماعة، تأسيساً لتوجه، وربما مصير· إنه شيء أشبه بصوت وليد يخرج لتوه من الرحم، كما أنه يتماثل كلياً مع الطبيعة القارة للوجود، وسُنة التغيير فيه، فطريقة وجود الكون تقتضي الإعلان عن نفسها عند كل ثانية ويوم بكل الطرق، فالشمس بيان عن طلوع النهار، والقمر بيان عن الليل، وهكذا، ومن هذا المنطلق كل ما يحدث يعد إعلاناً عن نفسه، إلا أن البيانات المُفكَّر فيها تتجاوز تلك الفكرة الغريزية، وتأخذ على عاتقها التصور التاريخي لطرحها، مقابل تصورات أخرى سابقة· وهنا؛ في البيانات لا يكون الكلام كلاماً بالمعنى اللفظي أو حتى الدلالي، بل يأخذ تصوراً آخر، فيه من الخطابة شيء بسيط، وعالق أغلبه بالفكرة المسرحية، أي المَشْهَدية الحية للسان عن طريق توزيعه على كل أجزاء الجسد النصي للمجتمع·· ما يذكرنا بالفلاح وبداية حرثه للأرض وبذر البذور وسقيه، إذ يؤدي كل هذا إلى نظرة مستقبلية مُدرَكة سلفاً في العقل اللغوي للرغبة في التجديد، أو الإعادة المختلفة نسبياً· وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة ''بيان'' أو حتى ''إعلان'' لم تتأسس -فعلياً- بعدُ في اللغة العربية كمصطلح، نظراً لأن جميع البيانات التي خرجت عربية في عصرنا الحديث لم تأخذ أي مسار يعتمد على توسع الإدارة المدنية الحرة لمجتمعاتنا، فكيف يتأسس المصطلح دون استخدام حي له، ولتصوراته، صرف النظر عن تطبيق شيء منه أو وأده· وفي هذا الصدد، فإن ما يقابل كلمة ''بيان'' عندنا في اللغة العربية، كلمة Manifesto التي تعد الأشهر استخداماً ودلالة في العصر الحديث، بدأ استخدامها في القرن السابع عشر الميلادي، وهي مأخوذة عن كلمة إيطالية، مأخوذة من اللاتينية وتعني ''اجعله عاماً''، أو ''أعلن عنه''· ويعد تاريخ المانيوفستات في التاريخ الأوربي فاعلاً ومؤسساً نظراً لما ورد سابقاً، بأن هناك إدارة مدنية حرة، ولو شابهها أي إشكال·