السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية في العراق والثقافة المحلية

الديمقراطية في العراق والثقافة المحلية
2 يوليو 2008 23:17
مؤخراً أوضح المرشح الجمهوري ''جون ماكين'' أنه بحلول عام 2013 يمكن إرساء الاستقرار في العراق وسحب القوات الأميركية، والحال أن جلب الاستقرار إلى العراق ووضع حد للعنف لا يندرجان ضمن تعريف الرئيس ''بوش'' للنجاح، فقد أعاد الرجل قبل فترة قصيرة التأكيد على هدفه المتمثل في تحويل العراق إلى دولة ديمقراطية ورأسمالية حديثة بنفس الطريقة التي تغيرت بها ألمانيا واليابان خلال الاحتلال العسكري الأميركي عقب هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية، لكن العراق بلد عربي، ولا يوجد لحد الآن بلد عربي استطاع أن يؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي، بما في ذلك الأردن ولبنان اللذان يعتبران الأكثر تقدماً في هذا المجال! فعلى سبيل المثال توضح نسبة الأمية صعوبة انتقال العراق إلى الحداثة، حيث تشير الأرقام في العامين 2003/2004 إلى أن نسبة تمدرس النساء في العالم العربي لا تتجاوز 57 بالمائة، وبالطبع تواجه جهود الدمقرطة في العراق مصاعب إضافية بسبب العداء المستحكم بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية وبين العرب والأكراد، لكن في المقابل لا بد من الإشارة إلى أن ألمانيا واليابان كانتا على قدر كبير من التطور الصناعي وبسكان مندمجين تماماً ومتعلمين بالكامل، كما أن حكومتيهما استسلمتا دون شروط، أو مقاومة مسلحة، والواقع أن الشبه إذا كان لا بد من عقد المقارنات فهو بين العراق حالياً والاحتلال الأميركي لثلاث دول أخرى غير متقدمة في حوض الكاريبي مطلع العقد الأول من القرن العشرين، فبسبب التخوف الأميركي المتزايد من تنامي الحضور الألماني في بلدان الكاريبي أثناء افتتاح قناة ''بنما'' أمر الرئيس ''ويليام هوارد تافت'' باحتلال نيكاراجوا من 1912 إلى ،1933 بعدها احتل ''وودرو ويلسون'' هايتي (1915-34)، وأعقبها بجمهورية الدومينيك (1916-1924)· وكما هو الشأن في العراق جمع التدخل الأميركي في الكاريبي بين دوافع تمليها الواقعية السياسية، وبين ما وصفه ''سومنر ويلز'' -مستشار الرئيس ''فرانكلين روزفلت'' لشؤون أميركا اللاتينية- بالرؤية التبشيرية الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية لجمهوريات أميركا اللاتينية، لكن على غرار الهدف المسطر في العراق انتهى المستشار ''سومنر'' إلى خلاصة مفادها أن ''البوصلة قد أضاعت الاتجاه''· والحقيقة أن تهافت عقيدة ''بوش'' التي بشر بها طويلا والقائلة إن ''قيم الحرية تصلح لكل فرد، ولكل مجتمع''، تظهر بشكل واضح عندما ننظر إلى ما آل إليه الوضع بعد التدخل الأميركي في الكاريبي، ففي نيكاراجوا احتلت قوات المشاة الأميركية البلاد في العام 1912 واستمرت حتى ،1933 ومع أن الاحتلال حاول طيلة فترة وجوده إرساء الديمقراطية، إلا أنه أطلق مقاومة مسلحة قادها ''أوجوستو سيزار ساندينو'' الذي أصبح رمز الصمود في وجه الاحتلال الأميركي، لتجبر القوات الأميركية تماشياً مع سياسة ''روزفلت'' لحسن الجوار إلى الانسحـــاب والعودة إلى الوطن· وبحلول العام 1936 كان الجنرال ''أناستازيو سوموزا جارسيا'' قد بدأ حكماً ديكتاتورياً استمر 43 سنة، وعندما قامت ثورة ناجحة قادها اليساريون المعروفون باسم ''ساندينستاس'' وأطاحت بالنظام الحاكم في العام ،1979 تدخلت الولايات المتحدة مرة أخرى وانحازت إلى الميليشيات اليمينية، ومع أن المسلسل الديمقراطي انطلق مجدداً في البلاد خلال انتخابات العام ،1990 إلا أنها مازالت هشة بسبب الانتشار الواسع للفساد· ولم يختلف الوضع كثيراً في هاييتي التي شهدت هي الأخرى احتلالا أميركيا أطلق بدوره مقاومة مسلحة عرفت باسم ''كاكو''، وحتى بعدما تم القضاء على حركة التمرد الأولى في العام 1915 انطلقت حركة تمرد أخرى في العام 1918 بسبب انتهاكات جهاز الدرك المحلي الذي دربه الأميركيون، وبعد أن اضطر الأميركيون إلى مغادرة هايتي في العام 1934 رجعت السياسة المحلية إلى السلطوية والاستبداد، فضلا عن استغلال النفوذ والسلطة· واللافت أن القوات الأميركية تدخلت مرة أخرى في العام 1994 لإعادة الرئيس ''جون-بيرتراند أريستيد'' إلى الحكم، ثم مرة ثالثة في 2004 لإخراجه من البلاد والمساعدة على استتباب النظام، والأمر نفسه تكرر في جمهورية الدومينيك، حيث بدأت المؤسسات الديمقراطية التي أنشأتها الولايات المتحدة في التداعي بعد مغادرة القوات الأميركية للبلاد في العام ،1924 وتحول ''رفائيل ليونيداس تروجيلو'' -الذي كانت تهيئه الولايات المتحدة لتولي قيادة الحرس الوطني في البلاد- إلى رئيس ديكتاتوري، وعندما اغتيل ''تروجيلو'' في العام 1961 عمت الفوضى جمهورية الدومينيك ما دفع أميركا للتدخل مرة أخرى في العام 1965 خوفاً من أن تتحول الثورة إلى كوبا أخرى في الكاريبي· والخلاصة التي نخرج بها من الأمثلة الثلاثة السابقة أن النوايا الحسنة التي يُعبر عنها من خلال القوة العسكرية والمال، تصطدم أحياناً بالثقافات المحلية المختلفة التي لا تتقبل بالضرورة المؤسسات الديمقراطية، والحقيقة أن فكرة الرئيس بوش بشأن ''قيم الحرية التي تصلح لكل فرد ولكل مجتمع'' لم تغفل فقط النماذج في دول الكاريبي الثلاث التي تكذبها، بل أغفلت أيضاً المشاكل الأكبر للانتقال الديمقراطي سواء في العالم الإسلامي، أو في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ولا بد أن مستشاري الرئيس ''بوش'' السابقين والحاليين، مثل ''بول وولفويتز'' و''كونداليزا رايس'' قد قرأوا كتاب ''أليكس دي توكفيل'' التقليدي حول ''الديمقراطية في أميركا''، لكن يبدو أنهم ومعهم المرشح الجمهوري ''جون ماكين'' نسوا الدرس الأهم أنه عندما يتعلق الأمر بديمقراطية حية وراسخة، فإن الثقافة أكثر من أي شيء آخر تلعب دوراً محورياً في تأصيلها وازدهارها· لورينس هاريسون مدير معهد التغيير الثقافي التابع لجامعة تافس الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©