السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليالي رمضان في رحاب «الحسين».. متعة حتى الصباح

ليالي رمضان في رحاب «الحسين».. متعة حتى الصباح
26 يونيو 2016 16:54
خورشيد حرفوش (القاهرة) تتميز الأجواء الرمضانية في حي الحسين بالقاهرة بطابعها المختلف عن سائر المناطق الأخرى في عاصمة المعز. ويظل سر شغف سكان العاصمة التي لا تعرف النوم، أو من سائر المحافظات والأقاليم، أو من عشاقها من السائحين العرب والأجانب، عصياً على الفهم، فالزوار من كل الأعمار والفئات والطبقات والأجناس، جاؤوا ليستمتعوا بأجواء رمضانية مختلفة في رحاب حفيد رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وحي الحسين من أحياء القاهرة القديمة، ويوجد به عديد من المعالم الأثرية الإسلامية القديمة والفاطمية، ومنها مسجد الحسين، والجامع الأزهر، وخان الخليلي أشهر أسواق الشرق، والذي أنشأه الأمير جهاركس الخليلي، الذي كان كبير التجار في عصر السلطان برقوق عام 1400 م. وتغطي الزينة والأضواء المكان، فيما أنفاس الناس تختلط بعبق العطور والبخور وروائح شي اللحوم والأكلات الشعبية المصرية، وأصوات الباعة من كل صنف ولون، يخترقها ألحان وإيقاعات الأناشيد والتواشيح الدينية لمريدي «آل البيت»، الذين يفدون إلى ساحة الحسين من كل محافظات مصر، ومنهم من يجعلها عادة سنوية لا تنقطع. وفي أيام الشهر الفضيل، يبلغ المشهد اليومي ذروته مع صلاة عصر اليوم، وصاحب الحظ الذي يحظي بموطئ قدم في ساحة المسجد الفسيحة، حيث تتسابق كثير من العائلات والأسر، أو جماعات من الشباب قصدوا المكان في رحلة سياحية ليوم واحد، ليفترشوا مكانا في الساحة لتناول الإفطار، والبقاء فيه للراحة والسهرة وتناول السحور، قبل أن يعودوا من حيث أتوا بعد أداء صلاة فجر اليوم التالي في رحاب الحسين. ومن يحاول رصد تفاصيل المشهد، سرعان ما يستغرق في المظاهر، وتسقط عنه كثير من التفاصيل، ويجد نفسه قد أصبح واحداً من المئات الذين جاؤوا ليستمتعوا بليلة رمضانية هي خليط من السمر والبهجة والمظاهر الاحتفالية الدينية الروحانية، وفوضى المكان، وحمى البيع والشراء والتسوق، وقضاء الوقت والاستمتاع بالسهر في ركن إلى جوار جدار المسجد، أو زاوية صغيرة على الرصيف، أو أسفل عمود إضاءة، أو على مقعد وثير في مقهى أو مطعم يكتظ بزبائنه طيلة ساعات الليل، ويكتشف أنه أصبح جزءا من ثقافة المكان وعادات الناس التي تمتد إلى عام 1154 ميلادية، من زمن الدولة الفاطمية، ليسأل نفسه سؤالا قديما «ما سر حب الناس لهذا المكان؟». وربما يفسر الحديث الشريف المحفور على لوحة رخامية تتصدر زاوية جدار المسجد من جهة الباب الرئيس المقابل للأزهر الشريف، ومفاده «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط». سر حرص الناس على زيارة المسجد الحسيني، وقضاء أمسية رمضانية في رحابه. في السياق ذاته، يقول الشيخ عبد الجواد رمانة، من علماء الأزهر الشريف «لآل بيت رسول الله مكانة خاصة في قلوب المصريين، ولعل ما يفسر ذلك قناعة المصريين بوجود رأس الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب مدفونة بمشهده بأحد جوانب المسجد، فبعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية سنة 680 م، تولى الخلافة ابنه يزيد، وأرسل إلى الإمام الحسين يطلب منه البيعة، فانتقل إلى مكة مع أتباعه، وأرسل إليه أهل الكوفة يبايعونه على الخلافة، فاتجه إليها، لكن جيش عبدالله بن يزيد قطع عليه الطريق، وقتل الحسين في موقعة «الطف» بالقرب من كربلاء في شهر محرم سنة 61ه (680م)، وقطع الأمويون رأس الحسين، ودفنوا جسده ومن قُتل من أتباعه في كربلاء، ودفن الرأس في أماكن عدة، إلى أن استقر في عسقلان بفلسطين، ثم نقل إلى القاهرة أيام الحروب الصليبية، خوفًا عليه حسبما استقر عليه عديد من المؤرخين والرحالة، حيث أنشأ صلاح الدين الأيوبي مدرسة بجوار الضريح عرفت باسم المشهد الحسيني، وهي المدرسة التي هُدمت فيما بعد، وبني في مكانها الجامع الحالي». وبعد صلاة العصر، يزدحم صحن المسجد بكثير من المشاهد الروحانية ما بين حلقات الذكر والإنشاد والندوات والدروس الدينية وقراءة القرآن الكريم، بينما تعج الساحة المحيطة والشوارع والحواري والأزقة بالزائرين، ليقضي الناس وقتهم في التجول في طرقات الحي وبين متاجره التي لا تنقطع عنها الأقدام طوال الشهر الكريم، ما بين متاجر الهدايا والتحف والمشغولات المصرية القديمة والجلود، والرخام، والمشغولات النحاسية التقليدية، والتماثيل والأنتيكات، والصناعات ذات الطابع الفرعوني، والعطور والتوابل والبخور، ومحال بيع الفوانيس والمخللات إلى جانب محال الحلوى و«ياميش» رمضان، كما تكون الأجواء الروحانية مغرية لشراء المصاحف والكتب الدينية وأشرطة وأسطوانات الأدعية والتواشيح والمسابح، إذ ينتعش هذا السوق في شهر رمضان. وفي الوقت الذي تزدحم فيه الشوارع بالباعة الجائلين، ومع اقتراب موعد الإفطار تنشط حركة المطاعم، وتنتشر روائح كل صنوف الأكلات الشعبية، وتعلو أصوات بائعي «الكنافة» التقليدية، وعربات بيع الفول والفلافل والعصائر، والمشروبات الرمضانية، كالعرقسوس، والتمر هندي، وغيرهما، مع افتراش الشوارع والأزقة بموائد الرحمن التي يقيمها القادرون من التجار وأصحاب رؤوس الأموال والفنانون والمشاهير للفقراء وزوار المكان طيلة أيام الشهر الفضيل. ولا تكاد تتسع ساحة المسجد الحسيني والأزقة والشوارع الضيقة والحواري للمصلين في صلاة العشاء والتراويح، وما إن تنتهي الصلاة، حتى تتحول هذه البقعة إلى مكان شديد الازدحام. ومحظوظ من يجد لنفسه مكانا في مقهى لاحتساء الشاي أو القهوة، أو أي مشروب رمضاني. ويتوافد زوار «الحسين» على الأماكن الأثرية، التي تقيم فيها وزارة الثقافة أنشطة فنية وثقافية، مثل «بيت الهراوي» و«بيت السحيمي» و«وكالة الغوري» والتي تقدم فيها فرق الفن الشعبي والتراث والأناشيد الدينية، إلى جانب الفرق الشبابية، وتستمر حفلاتها حتى قرب موعد السحور. وبعد الانتهاء من الجولات بالشوارع، يتسلى الزوار بأكل «الترمس» الذي تبيعه عربات إلى جانب الذرة المشوية، والفول السوداني، والمشروبات الشعبية، ليعود الجميع إلى الميدان مرة أخرى لتناول السحور، على أنغام التواشيح المنطلقة من المآذن المحيطة به. ولا تزال الصورة التقليدية «للمسحراتي» الذي يجوب أزقة وحواري المنطقة، يتجمع حوله الأطفال، بطبلته التقليدية المعروفة، لكنه يستعين في أماكن كثيرة بمكبر للصوت حتى يصل صوته إلى أكبر عدد من السكان. ومن أهم مميزات ليالي الحسين في رمضان، أن المكان ملتقى يومي يجد فيه جميع أطياف الشعب من مختلف طبقاته وشرائحه، وحيث تمتلئ المقاهي والمطاعم بالأسر المصرية والأجنبية والعربية الذين يؤكدون أنهم لا يشعرون بليالي رمضان إلا بزيارة منطقة الحسين والجلوس على مقاهيها، ليبقي حي الحسين التاريخي يحمل عبق النفحات الرمضانية الساحرة على مر العصور والأزمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©