الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموسيقا.. علم وفن ودواء عربي

الموسيقا.. علم وفن ودواء عربي
26 يونيو 2016 16:47
مجدي عثمان (القاهرة) قال الإمام أبو حامد الغزالي «من لم يحرّكه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج»، ما يؤكد إباحة الإسلام الغناء والموسيقى، بعيداً عن مظاهر الفساد والانحلال. وقد درس فلاسفة المسلمين وعلماء الموسيقى هذا الفن، نظرياً من حيث الأنغام وماهيتها وأنواعها ومطابقتها للطبائع البشرية، بعد أن قسموا المواد التي خلقت منها الأشياء إلى أربعة، ولذلك اعتبروا أن آلة العود هي الآلة الموسيقية الكاملة، حيث إنها تتركب من أربعة أوتار تتقابل مع الطبائع والأمزجة الأربعة، كما ربطوا بين الأنغام والأصوات والكون والنجوم، وكان العالم العربي يعقوب بن إسحاق الكندي قد جعل الألحان أقساماً في كتابه «المصوتات الوترية من ذات الوتر الواحد إلى ذات العشرة الأوتار» في المقالة الثانية في تأليف اللحون. وقبل أكثر من ألف سنة توصل العالم العربي أبو بكر محمد بن زكريا الرازي إلى فوائد الموسيقى، والعلاج بها، بعد أن لاحظ أن بعض المرضى المصابين بأمراض تسبب آلاماً مبرحة، ينسون هذه الآلام ويشملهم الهدوء والسكون لدى سماعهم للألحان الشجية والنغمات المطربة، واتفق أبو علي بن سينا معه في أن صاحب الماليخوليا يجب أن يُشغل بالسماع والمطربات، كما أن «إخوان الصفا» في منتصف القرن الـ 4هـ - الـ 10م، في واحدة من رسائلهم قالوا: إن من الموسيقى لحناً كانوا يستعملونه في المارستان وقت الأسحار، يخفف ألم الأسقام والأمراض عن المريض، ويشفي كثيراً من الأمراض والعلل»، والبيمارستانات الإسلامية قد جعلت من فن الموسيقى علاجاً منذ القرن الأول الهجري، في حين أن المجانين في أوروبا كانوا يقيدون بسلاسل الحديد. وكان من الأطباء المسلمين موسيقيون مهرة، منهم أبي نصر الفارابي الذي طغت شهرته بالفلسفة على علمه بالطب، وله كتاب «الموسيقى الكبير» الذي تضمن الأسس والقواعد التي يسير على نهجها الموسيقيون العرب حتى يومنا هذا، ومهذب الدين أبو الحسن علي بن أبي عبد الله عيسى بن هبة الله النقاش، أحد أطباء البيمارستان النوري بدمشق. وفي القرن السابع الهجري، ظهرت طبقة من علماء الموسيقى درسوا علمها ثم عزفوا على آلاتها، وأشهرهم صفي الدين الذي ألف كتاب «طرائق الألحان»، ومن تلاميذه «زرياب»، الذي يعد من أعلام الموسيقى والتجديد فيها، والذي أنشأ في الأندلس مدرسة للموسيقى وابتكر الغناء الجماعي، وأضاف إلى العود وتراً خامساً، فزاد من سعته الموسيقية، وهو الذي اخترع مضراب العود من قوادم النسر بدلاً من مرهف الخشب، وعود زرياب هو القيثارة الإسبانية، كما وصل فن الموسيقى ذروته على يد الفيلسوف الموسيقي «ابن باجة» - أبو بكر محمد بن الصائغ - سنة 1138م. وقد عرف المسلمون من الآلات الموسيقية عدداً لكثرته، قال الباحث هنري جورج: «إننا لا نستطيع أن نُحصيها على كثرتها إلا عُشرها، ففي الوتريات نجد المزهر - وهو العود العربي الجاهلي - والربابة وهي التي تعزف بالقوس لا بريش الطير، وهي أم الآلات عند العرب، ومنها تفرعت الكمنجة والقانون والنزهة والسنطور والجنك أو الهارب، ومن النايات هناك «البم والشبانة والجواق والصفارة»، ومن الدفوف «الطار والدائرة والمثمنة، ومن الطبول «النقارة والطبل والقصعة». وكان الخليفة الواثق بالله من الذين ذُكِرَتْ لهم صنعةٌ في الغناء، إذ لحَّن وغنى مئة صوت وكان حاذقاً في الضرب على العود، وغنى المعتز أصواتاً، أما المعتمد فقد أبدع في معارضة غناء القدماء والمحدثين، كما اشْتُهِرَ بعض أولاد الخلفاء بالغناء، ومنهم إبراهيم المهدي وأخته علية وأخوهما يعقوب الذي كان من أبرع الناس بالزمر. أما في العصر الأموي، فقد وضعت قواعد ونظريات الموسيقى، وألفت الكتب مثل كتابي «النغم والإيقاع» للخليل بن أحمد، و«شرح السماع والموسيقى والإيقاعات» للفارابي، و«مقالة في الموسيقى» لثابت بن قُرَّة، و«الفرق بين إبراهيم المهدي واسحق الموصلي في الغناء» للحسن بن علي هارون، و«طبقات المغنين» لأبي أيوب المديني، غير ما ألفه الكندي وابن سينا، وكان الغناء لدى الفرس أدباً، وعند الروم فلسفة، وعدَّه العرب علماً كما أشار الجاحظ، وأول رموز موسيقية عُرِفَتْ عند العرب وردت في كتاب «رسالة في خبر» للكندي، وفي الفترة نفسها، ظهرت لأول مرة الأغنية الفردية التي كانت تُؤدى بمصاحبة العود، وفي حكم يزيد الأول، وبحسب كتاب «الأغاني»، أنه أول من سمى الملاهي في الإسلام من الخلفاء وآوى المغنين. وفي العصر الأندلسي، فقد رعى الملوك الموسيقى والغناء، وكان في قصر محمد الثاني فرقة موسيقية تضم مئة عود ومئة مزمار، وكان المعتمد مغنياً وضارباً للعود، وكانت حفلات طليطلة الموسيقية يضرب بها المثل في الأندلس، وأشهر من غنى فيها الوزير أبو الحسين بن أبي جعفر الوقشي. وقد اهتم الفاطميون بالموسيقا، كما ازدهرت بعدهم فترة الأيوبيين، إلا أنها تراجعت عند الحروب الصليبية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©