السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد بن نصر الخزاعي

28 أغسطس 2009 23:38
من العلماء من شهد له الناس بالعلم وأحبوه، ومنهم من حافظ على مبدئه وعلمه فلم ينحن لأحد غير الله، قائلا كلمة الحق التي عاش من أجلها فثبت عليها، عاش حياته عليها وفقد حياته من أجلها ولم يطأطئ رأسه لمخلوق أو سلطان ولم يخف أحدا إلا الله، فعذب لكنه صبر، وقتل فوفاه الله الجزاء الأوفى، وكتب التاريخ اسمه بحروف دمائه الطاهرة التي فاحت بعد ذلك برائحة المسك لأنه مات شهيدا، وهو ممن زكى الله دماءهم وتقبلهم عنده من الشهداء، الإمام أحمد بن نصر الخزاعي. نشأ الإمام على محبة القرآن وهو صغير فعلم أن القرآن هو الجناح الذي سيطير به في أعلى عليين ويحشره الله به في زمرة المتقين، فحفظه وأتقن علومه ثم أمسك بالجناح الثاني حتى يسرع الوصول بهما إلى الله وهي سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وعاش الخزاعي يلتمس العلم أينما وجده ويحفظ الحديث بعد علمه بحال رجاله من جرح وتعديل، فتتلمذ على يد إمام المدينة وعالمها الذي شهد له فقهاء ومحدثو عصره بأنه عالم المدينة الذي تنبأ به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلقد تتلمذ على يد إمام أهل السنة والجماعة الإمام مالك بن أنس الإصبحي، ثم أكمل طلب العلم وتتلمذ على يد الإمام حماد بن زيد بن درهم. هيأ الله للإمام أحمد الخزاعي عقلا وقلبا يعيان كل ما يقع من علم على نفسه وروحه فيحفظه ولا ينساه، حتى صار من أكبر العلماء عصره الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ومن شدة منعته بالحق وعدم كذبه. يقول ابن الجوزي فى كتابه «صفة الصفوة»: «فقد كان في مجلسه يعلم الناس أمور دينهم ويفقههم في سنة نبيهم، وكان أحد الجالسين به مس من الجن فوقع فى المجلس بين الناس، فذهب الإمام أحمد إليه وقرأ في أذنيه القرآن فنطقت الجنية التي كانت تمسه وقالت: يا أبا عبد الله بالله دعني أخنقه فإنه يقول القرآن مخلوق. (أدخل أحمد بن أبي داؤد الإيادي، قاضي المعتصم، هذه الفتنة على البلاد والعباد وقال بأن القرآن مخلوق فتبعه المعتصم ومن وراءه من تولوا الخلافة فساندوه في قوله وظلموا العلماء وعذبوهم وأهانوهم وسجنوهم، ومن لم يقر منهم بعد كل هذه الوسائل قتلوه وصلبوه). لقد كان الإمام أحمد من كبار العلماء في عصره فعرض لهذه المحنة فقال إن القرآن كلام الله غير مخلوق فدبر له أحمد بن أبي داؤد المكائد عند الخليفة الواثق فأحضره الخليفة وامتحنه فى القرآن؛ فدافع عن السنة وأهلها ولم ينته أمر التهديد والوعيد أو يغريه المنصب والجاه الذي وعده به الخليفة وقاضيه بأن قال إن القرآن مخلوق فأصر على قوله ضاربا بذلك أروع الأمثلة في الدفاع عن الحق وعن كلمته، فسجن وعذب بجميع الوسائل فما تنازل عن علمه ولا عن أمانته وإنما زاده السجن قوة وزاده التعذيب صلابة، فجهر بها بأن القرآن كلام الله غير مخلوق فغضب عليه الخليفة الواثق، وأمر بقتله وصلبه فقتل وصلب. ويتذكر الأمام أحمد بن حنبل رفيق الإمام الخزاعي في العلم فيبكي وينظر إليه وهو مصلوب ويزداد بكاؤه ثم يقول رحم الله أحمد بن نصر الخزاعي ما كان أسخاه، لقد جاد بنفسه وأعطى الله للإمام المصلوب كرامة بعد موته وقتله والتى ذكرت في كتب عديدة، ومنها (تهذيب الكمال وسير أعلام النبلاء والبداية والنهاية وتاريخ بغداد). وقد سمعه بعض الناس وهو مصلوب على الجذع ورأسه يقرأ «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» سورة العنكبوت: الآيتان 1- 2 ، قال: فاقشعر جلدي. ونقلوا عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف وهو أحد العلماء والأتقياء في عصره قال: كان الخزاعي صديقي فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه وكان عنده رجال وفرسان يحفظونه فلما هدأت العيون سمعت الرأس تقرأ «الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» فاقشعر جلدي ثم رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج فقلت ما فعل الله بك يا أخي؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة إلا أني كنت مغموما ثلاثة أيام. قلت ولم؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني فقلت له بعد ذلك يا رسول الله قتلت على الحق أو على الباطل فقال أنت على الحق ولكن قتلك رجل من أهل بيتي فإذا بلغت إليك أستحي منك». وفي حديث للإمام البيهقي والحاكم والطبراني بإسناد صحيح أن زيدا بن خارجة الأنصاري تكلم بعد موته بعدة كلمات سجلت في كتب الحديث، وقبل الإسلام يروى الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية نقلا عن الحافظ ابن عساكر من كتابه «المستقصي فى فضائل الأقصى» أن رأس نبي الله يحيي بن زكريا تكلمت بعد أن قطعت بعدة كلمات، ولما أنزل جسد الإمام المصلوب كبر الناس ورجع كثير من العلماء عن قولهم فى القرآن بأنه مخلوق وكان دافعا لهم ما رأوه وسمعوه من الإمام بعد صلبه، فكان موته وقتله في غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين من الهجرة نصرا له ولمن دافع عن السنة فهنيئا للإمام موته شهيدا في رمضان فرضي الله عنه وأرضاه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©