الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جامعات عربيّة... ولا عِلْمَ!

جامعات عربيّة... ولا عِلْمَ!
27 أغسطس 2009 01:57
ليس القصدُ من الدراسة الجامعيّة مجرّدَ نيْلِ شهادة، ولا تلقّي معلوماتٍ بعضُها مهزوز، وبعضها دقيق، وبعضها بين ذلك حالاً؛ ولكن القصد منها أن يتلقّى الطالب معلوماتٍ في غاية الدّقّة، وأن يُدفَع إلى البحث وحُبّ معاناته ومُكابدة عَنَتِه. وبحكم تطوّر اقتصادات معظم الأقطار العربيّة فقد أصبح لكلّ قطرٍ أكثرُ من جامعة ممّا يجعل من عَدد الجامعات في الأقطار العربيّة أكثر من مائتيْ جامعة وعشرات الآلاف من الأساتذة الجامعيّين الذين تلقّى بعضُهم العلمَ في الجامعات الأمريكيّة أو الأوروبيّة. وكان يفترض في هذا العدد الهائل من المؤسسات الأكاديميّة التي تكتظّ بالأساتذة أن يتخرّج فيها علماء باحثون، أي علماء مخترعون للمعرفة، مبتكرون للنظريّات، مطوِّرون للمسائل العلميّة التي تحتاج إلى تطوير، لكنّ ذلك كلّه لم يحدث... فقد دلّت بعض الإحصاءات على أنّ هذه الجامعات، ومن أقدمها جامعتا القاهرة والجزائر، لم تخرّج أيٌّ منهنّ علماءَ مخترعين سجّلوا براءة اختراعهم في الهيئة الدوليّة المختصّة... وقد مضى على ذلك أكثرُ من مائة عام. فماذا نريد، إذن، من جامعاتنا العربيّة؟ أنؤسسها، ونحشر فيها الطّلاّب حَشراً، لمجرّد المباهاة بأنّ لدينا جامعاتٍ يختلف إليها شبابنا؟ ولِمَ لَمْ يفكّر القائمون عليها، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، في تحفيز الأساتذة إلى البحث، ورصْد جوائز معنويّة ومادّيّة مُغرية من أجل أن يَعْمِد الأساتذة العرب إلى البحث في قضايا المعرفة، وبعضُهم لا ينقصه العلم ولا المعرفة ولا الوسائل المنهجيّة، ولكن ينقُصه التحفيز والتشجيع. إنّ جامعاتنا، والحال ما هي عليه، تشبه المدارس الثانويّة، لأنّ الجامعة تختلف عن الثانويّة بكون الأولى تختصّ في البحث في أصول المعرفة العليا، فتخترع وتبتكر... أمّا أن يظلّ طلاّبنا مجرّدَ مجترِّين لمعلومات رثّةٍ عتيقة، فإنّا نعتقد أنّ الإنفاق عليها لا يُفضي إلى نفْعٍ يُجْدي الأمّة. الجامعة علْمٌ، والعلم بمفهومه الجديد هو الإغراق في البحث والمضيُّ فيه إلى أقصى حدوده الممكنة، والبحث هو الذي يُفْضي إلى التوصّل إلى الابتكارات والاختراعات والتأسيسات النظريّة التي لا تلبث أن تجد سبيلَها إلى التطبيق في المخابر والمعامل فتغتدي الجامعات، فعلاً وحقّاً، مِشعلاً يُشِعّ بعلْمه على المجتمع الذي تنبت فيه وتنتمي إليه... بل نَخال أنّ جامعاتنا لا تكاد ترتبط بمجتمعها، ولا بِبيئتها فهي في وادٍ، ومجتمعُها في وادٍ آخر، وهو الأمر الذي يجعلها منعزلةً عمّا حولها فلا ينشأ عن جهود أساتذتها ثمرةٌ تُجْنى، وذلك لغياب البحث، وعدَم حرص المسؤولين على متابعته، فيُحرَم التتويج والإثْمار. إنّ العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة على ضرورتها لتطوّر الذهنيّة الثقافيّة والحضاريّة والجماليّة للأمم لا تستطيع أن تطوّرَ أمّةً، ولا أن ترقِّيَ شعباً، تكنولوجيّاً؛ فالعلوم الدقيقة والطبيعيّة هي التي تُفضي إلى بعض ذلك. ونحن نعلم أنّ بعض الجامعات لها من وسائل البحث مثل المختبرات التي تتمتّع بآخر التقنيات والوسائل الجديدة، لكنّ ذلك لم يشفع لها في أن تتميّز على ما سواها، لأنّ البيئة العلميّة العربيّة فقيرة وبئيسة، ممّا يجعل الوسائل التقنيّة للبحث كالسلاح المتطوّر الذي لا يجد المتمرّس على استعماله... فأين يكمُن الخلَلُ، إذن؟ وما السبيلُ إلى الإفلات من هذه الحال التي لا تَسُرُّ صديقاً، ولا تنكِّد عدوّاً؟ ربما سنعود إلى ذلك في عمود آخر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©