الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلهام شفيف

إلهام شفيف
12 مايو 2010 22:06
لا يستطيع قارئ الشعر العربي أن ينكر تحول الخمر في العصر العباسى إلى مصدر ثريّ للإلهام الشفيف. وتكاد النماذج التي تترى في كتاب “المشروب” للسريّ الرفاء في أبواب مفصلة أن تستغرق هذه الحالات؛ إذ يتابع تحت عنوان “باب في صفائها وصفاء الكأس عليها” سوق قول ابن لنكك: كأنما الكأس على كفه موصولة بالأنمل الخمسِ ياقوتة حمراء قد صُيرت واسطة للبدر والشمس قد زهقت نفس من حبه وآفة النفس من النفسِ فالصورة اللافتة هنا هي ارتباط الكأس بأنامل الساقي حتى تتحول في خيال الشاعر إلى ياقوتة متوهجة بالحمرة، تعكس شعاع الخمر الشمسية من جانب، وضوء البدر الذي يتراءى في مُحيّا الساقي من جانب آخر، بحيث تصبح مدارا لكون في لجة ضيائه. لكنه لا يلبث أن ينتقل بشكل فجائي إلى التعبير عن ملله وسأم نفسه من الإفراط في هذا الولع، ومع أن هذا الزهق، طبيعي يداخل كل النفوس، حتى يعد من آفاتها اللازمة، فهو يمثل نقلة مدهشة من الحس البصري إلى الشعر الباطني، مما يضفي على النص نبرة حركية واضحة. أما أبو نواس فهو يرسم صورة الرقة والصفاء على طريقته بقوله: فأُرسلتْ من فم الإبريق صافية كأنما أخذها بالعق إغفاءُ رقت على الماء حتى ما يمازجها لطافةً، وجفا عن شكلها الماء والمدهش هنا هو الأخذ بالعقل الذي يشبه الغفوة، وهو يختلف عن سلبها للعقل، فهذا التناول المتخيل الذي يترك صاحبه في حالة من الوسن اللطيف يقف في مقابلة الأوصاف الحسية المحددة، من رقة فائقة تمنع التمازج، ولطافة بالغة تختلف بها عن شكل الماء وهي ترسل صافية من فم الإبريق، مما يجعل هذا التعبير: “أخذها بالعقل” إضافة نواسية مائزة لحالة معنوية تفرد الشاعر بالتقاطها، تضم إلى صورها الأخرى التي يتلذذ فيها الشاعر باسم المحبوبة والمجاهرة بعشقها حتى لتنتابه حالة من الإغفاء بمجرد رؤيتها قبل الاقتراب منها، دون ان يعتريه ملل من هذا الحب مثل أضرابه. ويأتي بعد ذلك قول أبي عبادة “البحتري”: أهدى إليّ خليلي سُليلَ مِسكٍ وندِّ أرق من لفظ صبٍّ يشكو حرارة وجدِ كأنه إن تجئنا بلا انتظارٍ لوعد فاخلع عليّ سرورا بكونك اليوم عندي وهي قطعة من الإخوانيات الرقيقة، لا تتصل بعالم الخمريات إلا بعلاقة يسيرة تتمثل في الرقة الذي يدور حولها هذا الفصل، باعتبارها الصفة المحورية للهدية العاطرة، إذ تنحدر من سلالة المسك وعود الند معا. ثم يخلص الشاعر إلى مبتغاه بالتماس حضور الخليل الذي يضفي على المجلس كل السرور، فهو أهم من الرق الذي أهداه، والذي يبدو أنه كان مدار الأبيات وهذا يختلف بطبيعة الحال عن موقف أبي نواس الذي يجعل الخمر مدارا تسبح فيه رؤيته وشعريته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©