الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البر والإثم

البر والإثم
26 أغسطس 2009 00:17
أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «جئت تسأل عن البر؟» قلت: نعم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «استفت قلبك.. البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن «أفتاك الناس وأفتوك». ويفسر زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين ابن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي، هذا الحديث، في كتابه «جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم»، فيقول: المراد بالبر معاملة الخلق بالإحسان، وبالتقوى معاملة الحق بفعل طاعته واجتناب محرماته، وقد يكون أريد بالبر فعل الواجبات، وبالتقوى اجتناب المحرمات، وقوله تعالى :«ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» سورة المائدة- الآية2. قد يراد بالإثم المعاصى، وبالعدوان ظلم الخلق، وقد يراد بالإثم ما هو محرم في نفسه كالزنا والسرقة وشرب الخمر، وبالعدوان تجاوز ما أذن فيه إلى ما نهى عنه مما جنسه مأذون فيه كقتل ما أبيح قتله بقصاص ومن لا يباح فيه، وأخذ زيادة على الواجب من الناس فى الزكاة ونحوها، ومجاوزة الحد في الذي وصى به في الحدود ونحو ذلك. وأضاف أن المعنى الثاني للبر، يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة كقوله تعالى: «ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» سورة البقرة: الآية177. وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الإيمان فتلا هذه الآية، فالبر بهذا المعنى يدخل فيه جميع الطاعات الباطنة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله. والطاعات الظاهرة كإنفاق الأموال فيما يحبه الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر على الأقدار كالمرض والفقر، وعلى الطاعات كالصبر على لقاء العدو. و المقصود بالبر في هذا الحديث، حسن الخلق والتخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله التي أدب بها عباده. وهذا يدل على أن الله فطر عباده على معرفة الحق والسكون إليه وقبوله. ويبين الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه «أحسن الكلام في الفتوى والأحكام» أن الإثم ما أثر في الصدر حرجًا وضيقًا وقلقا واضطرابا فلم ينشرح له الصدر، ومع هذا فهو عند الناس مستنكر بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه، وهو ما استنكر الناس فاعله وغير فاعله. ومن هذا المعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح. وقوله في حديث وابصة وأبى ثعلبة «وإن أفتاك المفتون» يعني أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم، فهذه مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره وقد جعله أيضا إثمًا، وهذا أن يكون إذا كان صاحبه ممن شرح صدره للإيمان، وكان المفتى يفتى له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي. فأما ما كان مع المفتى به دليل شرعي فالواجب على المفتى الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال فهذا لا عبرة به. وشدد على أن ما ورد في النص به فليس للمؤمن إلا طاعة الله ورسوله كما قال تعالى «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم» سورة الأحزاب-الآية36. وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا، فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم له كما قال تعالى «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا» سورة النساء الآية65. وأما ما ليس فيه نص من الله ولا رسوله ولا عمن يقتضى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين منه شيء وحاك في صدره بشبهة موجودة، ولم يجد من يفتي فيه بالرخصة إلا من يخبر عن رأيه وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه بل ومعروف باتباع الهوى فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره وإن أفتاه هؤلاء المفتون، وقد نص الإمام أحمد على مثل هذا أيضا. وأوضح الشيخ طه عبد الله العفيفي في كتابه «من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم» أنه إذا انتهى البر وعم الفجور كان ذلك إيذانًا من الله سبحانه بفساد الأرض، وذلك لقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توشك القرى أن تخرب وهى عامرة قيل وكيف تخرب وهى عامرة؟ قال: إذا علا فجارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها، فعلينا بالبر فهو سبيل بلوغ الجنة ويبارك الله به في المال والعمر وهو من أسباب سعادة المرء في الدنيا والآخرة وهو دليل على حسن الخاتمة ويشيع المحبة والألفة بين الناس. والأبرار في منزلة عالية يوم القيامة عند الله تعالى ولذلك جعل الله سبحانه منزلة الماهرين في قراءة القرآن في الدنيا في منازل البررة يوم القيامة، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم-«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة».
المصدر: الاتحاد-خاص
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©