السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نجاة مكي: لوحاتي ترنيمات لونية

نجاة مكي: لوحاتي ترنيمات لونية
25 يونيو 2008 21:26
في التراث تجد الدكتورة مكي تراثية حتى العظم، وفي البيئة ترى أن أعمالها تنهل من مفردات الصحراء والبحر وحياة البدو وفق رؤيتها الخاصة، وفي المعاصرة تمنح مكي للوحتها تأويلات لا تحدها مفردات المكان أو معطيات الوقت· بهذا المعنى تحتل الدكتورة نجاة مكي مكانة متميزة في المشهد الثقافي الإماراتي بما قدمته ولا تزال تقدمه من إبداعات تشكيلية لاقت الإستحسان والتقدير الكبير سواء على المستوى المحلي أو في المهرجانات والمعارض الدولية، ومن هذا المنطلق فهي تمتلك رؤية خاصة فيما يتعلق بالحركة التشكيلية الإماراتية، كما أن لها تجربتها الإبداعية الخاصة· شاركت الدكتورة مكي مؤخراً في الملتقى الدولي الأول للفنون الذي أُقيم بسوريا تحت عنوان ''سوريا في عيون الفنانين التشكيليين''، وعن هذه المشاركة ومشاهداتها هناك تقول: الملتقى الدولي الأول للفنون أعتبره لغة تواصل مع عدد من الفنانين من مختلف دول العالم، وهو في حد ذاته يُعد تجربة لها أهميتها لأي فنان، نظراً لإقامته في بلد عربي له تاريخ حضاري عريق، وهذا التجمع يشعرنا بالفخر كعرب وفنانين نلتقي في تجمع فني يحمل رسالة إنسانية واحدة هي لغة الفن، أما عن مشاهداتي، فأعتقد أن مدينة دمشق ذات طبيعة خلابة ولها تنوعاتها الرائعة التي تجعل العين تقرأ الجمال بمجرد أن تنظر الى الطبيعة من حولك، وهذا التنوع الشامل في بنية الطبيعة يجعل العين ترى العناصر برؤية مختلفة وينقل الفكر الى تنوع آخر يمنح الفنان أيضاً حافزاً لتشكيل رؤيته البصرية برؤية متناغمة من الألوان والأشكال· وعما تحققه مشاركة فناني الإمارات في المعارض الدولية وانعكاسها على الحركة التشكيلية الإماراتية، تقول مكي: لا شك أن مشاركة فناني الإمارات في المحافل الدولية له مميزات كثيرة، من أهمها التعريف بالفن والفنان في دولة الإمارات، وكذا التعريف بالثقافة الإماراتية باعتبار أن ما يقدمة الفنان هو جزء من تلك الثقافة، ناهيك عن أن وجود الفنان الإماراتي في ملتقيات وندوات ومعارض دولية يصقل ابداعه ويشجعه على الإنتاج والتزود من الثقافات الأخرى والاطلاع على التراث العالمي، وأخيراً التجربة الجماعية هي في حد ذاتها مكسب للفنان سواء في بلده أم في أي مكان آخر· وإذا ما كانت تعتبر أن على الفنان التشكيلي أن يلتزم بقضايا إنسانية معينة، وأن يحاول التعبير عنها، تقول مكي: الفنان أولاً كإنسان أو فرد يعيش في مجتمع له عادات وتقاليد وموروثات، ولا بد له أن يتأثر ويؤثر في هذا المجتمع، وأعتقد أن رسالة الفنان رسالة سامية فإذا كانت لاتشغلة قضايا أمته ومجتمعه فأين موقعة كفنان؟ لذلك أرى أن الفن يجب أن يجسد روح الإنسان ويستلهم تراث البيئة ومعالمها· الشكل والصوت وترى الدكتورة نجاة مكي أن أعمالها هي جزء من شخصيتها وهي في نفس الوقت تمثل البيئة والطبيعة والتراث برؤية تتماشى مع واقع المجتمع الذي تعيش فيه، وتضيف: إنني أمثل تراثي في شكل مبسط قمت من خلاله في أعمالي الفنية بتجسيد التراث أو بالأصح الموروث الشعبي برؤية أخرى تتجاوز التعبيرالتلقائي إلى أبعاد أعمق، بحيث جعلت من عناصر تكوين العمل الفني رموزاً ودلالات يراها المتلقي في اللون وما يشكله من تناغم بصري يثري العمل، أو في الخط وما به من ايقاع، وفي الكتلة وما بها من أثر، إلى جانب ترابط عناصر التكوين بعضها مع البعض الآخر، كما ظهرت في بعض الأعمال بجانب الخطوط، المثلثات والمنحنيات والدوائر، وهذه ما هي إلا ترانيم لها صوت، ولكن العين تدركها كشكل، وفي نفس الوقت هي ليست أشكالا مجردة من الطبيعة ولكن هي صيغ رمزية إعلامية اجتماعية تدون المناسبات والحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية بترانيم لونية ايقاعية تتمازج بخطوطها المتعامدة والمنحنية والمنكسرة لتتكامل معها كل العناصر الفنية في العمل من خلال تحريك السطوح لخلق الايقاع من كتلة وفراغ وحركة وضوء، وكل هذه العناصر تحوي دلالات تتفاعل مع المشاهد بما تحملة من سمات إنسانية· هي والآخرون وهل هناك أسماء معينة من الفنانين التشكيليين المحليين أو العالميين تأثرت بهم؟ تجيب الدكتورة مكي: الفنانون المحليون من جيلي يعدون على الأصابع، ولكل منهم نمط وأسلوب فني متميز عن غيره، ودائماً ما أتبادل الحوار معهم في ما يجري على ساحة الفن التشكيلي، اما تأثري الآخر، فقد كنت منذ صغري معجبة بأعمال الفنان القدير عبد الله المحرقي وأحرص على اقتناء رسوماته، وكذلك من الفنانين العرب الفنان الكبير محمود مختار، السجيني، تحية حليم، أنجي أفلاطون، صلاح عبد الكريم، والفنان محمد اللحام من الأردن، ومن الفنانيين العالميين الفنان بيكاسو، فان جوخ، مونيه إلى جانب مجموعة كبيرة من الفنانين العرب يعجبني أسلوبهم الفني وتربطني بهم زمالة قوية· أما المدارس الفنية التي تتمثلها الفنانة نجاة مكي في أعمالها، فتقول: لا أستطيع القول إنني أنتمي الى مدرسة معينة، حيث تطرقت في مشواري الفني البسيط الى عدة أساليب فنية وخرجت بأسلوب خاص وجدته الأقرب لي، وأعتقد أن جميع المدارس عبرت عن الفن بلغتها البصرية· اللوحة والأدب وترى الدكتورة نجاة مكي أن هناك علاقة بين الفن التشكيلي والأدب، وتحدد أبعاد هذه العلاقة، بقولها: طبعاً هناك علاقة وثيقة بين الفن التشكيلي والأدب حيث إن الفنان يعتمد على الرؤية البصرية، وكذلك الشاعر أو الأديب، حيث إن الرؤية البصرية تشكل لهم أهمية في رسم الصورة، ولكن كلا منهم له أداته التي تختلف عن الآخر، حيث إن أداة الفنان الفرشاة والشكل واللون أو تكامل الفكرة مع اللون، وأداة الأديب البلاغة، والشاعر نظم الكلمات، بالإضافة إلى وجود عناصر مشتركة في إخراج العمل الفني ومن أهمها الإيقاع، وأخيراً نجد أن الكل له هدف واحد، وهو التأثير على مشاعر الناس وحواسهم، وهنا أذكر أنه كانت لي تجربة مع الشاعر المغربي حكيم عنكر في مزج الفن بالشعر· وعن حضور المرأة أو الأنثى في أعمالها الفنية، تقول: حضور المرأة أعتبره شيئاً أساسياً في أي عمل أقوم بتنفيذه، فهي عنصر دائم في أعمالي، ووظفتها كرمز للبيئة والأم، وأحياناً أخرى أستخدمها في صور رمزية متنوعة ومتعددة، وقد استخدمت عنصر النقطة ووظفتها بشكل زخرفي رمزاً لشيلة المرأة المزينة بالسيم، أما الخط فقد جعلته في ايقاع متردد تارة، وايقاع هادئ تارةً أُخرى في هيئة زخرفية تتماشى مع التكوين العام للعمل الفني، وهذه الخطوط اختزلتها لأرمز بها لزخارف التلي التي تزين الملابس النسائية، وفيما يخص ليلة الحنة، هناك من أعمالي الذي جاء بعضه في تباين لوني واضح وصريح، والبعض الآخر في شكل كتلة لها دلالة لبعض الأشكال التي تستخدم في جهاز العروس مثل (المندوس)؛ وقد قدمت هذه الموضوعات منذ أول معرض لي في نادي الوصل بدبي في منظومة متنوعة، حيث جئت بهذه الموروثات الشعبية مع خاماتها مثل الزعفران والورس والحنة ووظفتها بأسس جمالية تشكيلية واعية المضمون، وما زلت أوظف تلك المفردات بشكل مختلف يتماشى مع الموضوع المطروح· ابنة البيئة وتتحدث الدكتورة نجاة مكي عن تأثرها بمفردات البيئة، فتوضح: في مجموعة من الأعمال قمت بتجسيد البيئة البدوية من خلال اللون والخط والنقطة، وأحد هذه الأعمال سميته ''نغم''، وفيه شعرت أو تخيلت البدوي وهو راكب على الناقة في صحراء شاسعة وهو يردد بعض الأبيات لتسلية نفس وصدى صوته يملأ المكان وأرجل الناقة عندما تنغرس في الرمال ثم تعود لترتفع وتصدر لحنا موسيقيا يكمل ذلك الغناء، فضلاً عن أن الزخارف التراثية لها مكانة في بعض الأعمال، وأذكر أنه في مناسبة ذكرى الشاعر الكبير المرحوم ''العويس'' جاءني طلب من مؤسسة العويس بتجسيد شخصية ذاك الرجل الفاضل، حيث قدمت ثلاثة لوحات، في إحداها تخيلت العويس بطلا من أبطال الميثولوجيا (بوسيدون) يرتدي عباءة ويقابل البحر وأمامه تتراقص لآلئ البحر وكأنها تخرج لاستقباله· هكذا حاولت أن أوظف التراث في العمل الفني بصورة تتطابق مع رؤية العصر· أما البحر فقد كنت أراه بمنظور مختلف، أرى معاناة الغواص التي جسدتها من خلال اللون والانتقال به من الفاتح الى الغامق بتدرجات متناغمة تعطي في نفس الوقت الأحساس بتموجات المياه، واللون الأبيض رمزت به الى نوارس البحر، كما كان استخدامي للألوان الذهبية والفضية بطريقة تزيينية مقصودة لترمز عن قطع النقود الذهبية والفضية التي تنثر في المناسبات· وعن مشروعاتها المستقبلية، تقول: الفنان إذا لم يكن لديه جديدا لا يستحق أن يكون فناناً من حيث إنه يعيش حالة في كل وقت، ومن هنا يجب أن يترجم هذة الحالة الى عمل فني، كما أن الفنان إذا توقفت يده عن العمل لفترة يصبح إنتاجه ضعيفاً والعكس كلما استمر في الإنتاج ازدادت خبرتة وقويت أدواته وتحرك عقله، وهناك مشروع متكامل سيتم عرضه خلال معرض سوف يقام قريباً إن شاء الله· حديث المدن وتتحدث مكي عن علاقتها كفنانة بالمدن فتقول: علاقة الفنان بالمدن في نظري علاقة لها خصوصية وعمق في الذاكرة والقلب معا، لأن فضاء بعض المدن يعطي الإنسان راحة واسترخاء، ويحمل الى الفنان تخيلات ورؤى بصرية متباينة وهنا يقوم بتحويل الأشكال والصور المرئية الى لغة الفن، وأعتقد أن الأماكن والمدن تمدنا بصور كثيرة بعضها جميل وبعضها يمر دون أن يترك أثرا، والبعض الآخر يبقى في الذاكرة ويتجدد حيث يكون بين الإنسان والمكان علاقة تبادلية يحتاج الى صياغتها في عمل يجسد تلك العلاقة، وهذا يولّد لدى الفنان رغبة حادة لتجسيد تلك العلاقة· وهل تشعرين بالغربة مع المدينة المعاصرة ذات الأبنية الزجاجية، والعمارات الشاهقة؟ تجيب: المدن المعاصرة لها جمالياتها مثلما للمدن القديمة من جماليات، ولكن مع الاختلاف في أن المدن القديمة لها معان سامية في الذاكرة البصرية لأنها بيئة تواجدنا بها منذ الصغر، وفيها ذاكرة الزمان والمكان، وقد صورت في إحدى لوحاتي ذاكرة المكان والزمان من خلال البيوت القديمة، التي تركت في ذاكرتي لحظات وأحاسيس تلك الجدران التي كنا نسكن بها ولهذا أطلقت عليها ''حديث الجدار''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©