الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

التربية الإعلامية «سلاح الطالب» لمواجهة «المعلومة الخبيثة»

التربية الإعلامية «سلاح الطالب» لمواجهة «المعلومة الخبيثة»
10 مايو 2017 00:11
دينا جوني (دبي) لم يكن الأمر يحتاج في السابق لأكثر من «كبسة زر»، على جهاز التحكّم عن بعد لكي تضع الأم أو الأب حداً لمحتوى إعلامي على التلفزيون غير مرغوب فيه، وسط جلسة عائلية تجمعهما مع الأولاد في غرفة الجلوس. رقابة الأهل حينها على ما يشاهده الأبناء على شاشة التلفاز يومياً من أفلام أو برامج أو مسلسلات، كانت فاعلة في حمايتهم من أي محتوى إعلامي يتعارض مع قيمهم و قناعاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والسياسية. اليوم، أصبح العالم بحجم شاشة، والشاشة في متناول جميع الأولاد والطلبة من مختلف الجنسيات والأعمار. واتخذت قنوات المشاهدة، شكلاً آخر، وتحولت إلى قنوات تواصل، كما أنها لم تتوقف عن التوالد بأشكال متنوعة منذ أن تمّ إطلاق «فيسبوك» في 2007، لتقدّم منصات تلبي مختلف الأذواق. وشرّعت التطورات التكنولوجية المتسارعة، الأبواب على مصراعيها لتشارك الأفكار والصور، التي كانت قبل عشر سنوات محصورة بين أصدقاء فعليين وأقارب وجيران، أخذوا علاقتهم إلى مستوى آخر جديد وشائع هو المستوى الافتراضي، إلا أن النجاح المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي، حوّلها إلى منصات أساسية لبث الأخبار والبيانات والصور، فأصبحت أداة أساسية من أدوات وسائل الإعلام التقليدية للوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور، ومنبراً لما يسمى «الصحفي المواطن» والمدوّنين والمؤثرين، بالإضافة إلى استغلالها كأداة فاعلة لـ«بروباجندا» دعائية أو سياسية أو عقدية وغيرها. يعيش الطلبة اليوم في زمن الانفجار المعرفي، في زمن الإشاعة والأخبار الملفقة المفتوحة على مدار 24 ساعة، تتقاذفهم الأخبار الموثوقة حيناً والأخبار الكاذبة أحياناً أخرى، في منطقة تعيش حالة غليان يومي، يرافقها خطاب إعلامي مكثف طائفي، متشدد، يتغذى على مشاهد الدم المسفوك في عواصم عربية عريقة، على أيدي جماعات متشددة تستخدم مختلف الوسائل التكنولوجية ومنصات التواصل الرقمية والتقليدية، للولوج إلى عقول الشباب وإغرائهم بأحقية شعاراتهم الإسلامية عبر خطاب ديني مزوّر. خارج الكبسولة طلبة الإمارات لا يعيشون في كبسولة مقفلة. هم مثل أقرانهم عرضة للفضاء المفتوح المُشاع أمام «المعلومة الخبيثة» التي تتلطى بالحقيقة والأعراف والمسلمات، لتدسّ فيها الأفكار الهدّامة، أو الشائعة «التربوية» اليومية التي تتكفل لمسة واحدة على الـ«واتس آب» بتناقلها بين المجموعات بسرعة كبيرة. فقبل أيام، تناقل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، صورة لمدرب تربية بدنية حضر إلى إحدى المدارس الحكومية في المناطق البعيدة لتقييم مستوى أداء المعلمات فيها، لإشاعة خبر مغلوط مفاده أن الفتيات سيتدربن في المدرسة من قبل الأستاذ المذكور، وهو ما ينافي تماماً منظومة العادات والتقاليد لمجتمع الإمارات. وقبلها، نشر الطلبة فيديو لأستاذ يضرب أحد الطلاب ليتبيّن لاحقاً أنه حصل في دولة أخرى، وغيرها الكثير من الإشاعات المتعلقة بتعليق الدوام أو تمديد فترة الإجازة. ومثلما يصدّق الطلبة تلك الأخبار ويشاركون بنشرها وتعميمها، يمكن لأخبار أخرى أكثر خطورة وحساسية أن توهمهم بصحّتها، فيتقبلونها وينشروها. وتعلم وزارة التربية والتعليم جيداً حال الطفرة التكنولوجية، وما أفرزته من دوائر معقدة تتعلق بآليات النشر والمشاركة والكتابة بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً الـ«فيسبوك»، الذي يرصد كل حركة للسبابة على الشاشة الذكية، فتُجمع وتُحفظ كبصمة رقمية خاصة بكل فرد في خوادم ضخمة. تتحول تلك الحركات إلى خوارزميات تتحكم بما يراه الطالب أو أي فرد على في عالمه الرقمي أو على شاشته، فتُظهر له معلومات وتحجب أخرى، بما يعوق عملية الاطلاع على الأخبار والمعلومات والتحليلات من مصادر متنوعة، وتخلق ما يسمى اليوم بـ«الأمية الإعلامية». من دون أسوار معالي حسين الحمادي وزير التربية والتعليم كشف لـ «الاتحاد» عن توجّه الوزارة لطرح برنامج التربية الإعلامية الناقدة ضمن المناهج الدراسية قريباً. وقال إن هذا العلم الذي يسمى critical media literacy، ظهر بسبب الطفرة التكنولوجية الحاصلة وبث الأخبار مباشرة من الشخص إلى الهواتف الذكية ليصل إلى شريحة واسعة من الأفراد، لافتاً إلى الأسلوب السهل في النشر أصبح يتطلب تزويد الطلبة بمهارات جديدة تواكب متطلبات العصر الإعلامي. وأكد أنه تمّ تشكيل فريق في وزارة التربية بالتعاون مع المجلس الوطني للإعلام، للبحث في كيفية إثراء الميدان التعليمي بفكر إعلامي ناقد جديد، بحيث يطبق في المناهج الدراسية بطريقة أفقية، أي ليس كمادة مستقلة، من خلال تضمين مواد دراسية مختلفة للمهارات المطلوبة لتنمية هذه القدرات لدى الطالب في الإمارات، وجعله قادراً على التمييز بين الأخبار الموثوقة والأخبار الكاذبة والشائعات، وتعريفهم على كيفية التدقيق فيها ومقارنتها. وشرح معاليه أن المهارة الأساسية هنا هي مهارة التفكير النقدي الذي يدرّس بطرق مختلفة في المدارس منذ أن طرحت الوزارة المناهج الجديدة لمختلف المراحل التعليمية، لافتاً إلى أن هذا المشروع سيشارك فيه المعلم وولي الأمر والمجتمع، وعدد من الجهات الأخرى لإعداده بشكل مهني وسهل. وعن أهمية التطبيقات الرقمية الموجودة حالياً والتي تساعد في فرز مصادر الأخبار وتسهيل الخيارات بالنسبة للطالب - المتلقي، أوضح معاليه أن الوزارة تهدف أن يكون الطالب بنفسه ناقداً ذكياً ومحللاً لكمّ المعلومات الذي يتعرّض له يومياً، من دون أن يعتمد على تطبيق، أو على آراء وأفكار الآخرين. وأكد معاليه أن وزارة التربية أو أي جهة معنية لا يمكنها وضع أسوار أمام تدفق الأخبار بين أيدي الطلبة، فهي تنتشر في ثوانٍ، لذلك فإذا انتشر أي خبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يجب على كل مواطن ومقيم أن يكون لديه القدرة والخلفية على التفكّر ليكون ناقداً لما يصله، فيقرر قبوله ومشاركته، أو رفضه وإلغائه. وأشار معاليه إلى أن الأمر ليس سهلاً، إلا أن من مهام وزارة التربية والتعليم رصد كل جديد، لبناء جيل جديد متمكّن من المهارات الإعلامية المواكبة للتطورات التقنية والتكنولوجية الكبيرة الحاصلة، والتي تعدّ اليوم من متطلبات الحياة. مؤشرات وتحديات وأشاد معالي بيار بوصعب وزير التربية اللبناني السابق ونائب المدير التنفيذي للجامعة الأميركية في دبي، بالتوجّه نحو طرح «التربية الإعلامية الناقدة» ضمن المناهج الدراسية في الإمارات، معتبراً أنها «خطوة في مكانها ووقتها الصحيحين». وقال، إنه من الضروري أن تواكب المناهج أي تغير في أي قطاع، فكيف إذا كان هذا القطاع هو الإعلام الذي يلعب اليوم دوراً أساسياً في تكوين وتحريك الرأي العام. واعتبر أن الجيل الجديد قد يتأثر سلباً أو إيجاباً بالدور المتصاعد لوسائل التواصل الاجتماعي سواء تعلقت تلك الأخبار بالإرهاب أو السلام أو الفن أو الاقتصاد، وشدد على أهمية تعليم الطلبة منذ الصغر في المدارس كيفية التعاطي مع هذه الوسائل، وكيف يقرأ ويحلل ويختار المعلومة الصحيحة، داعياً في الوقت نفسه وزارات التربية في بقية الدول أن تحذو حذو الإمارات في محو الأمية الإعلامية. النقد الإعلامي بدوره، أبدى علي جابر مدير مجموعة «أم. بي. سي» أسفه للجهل الإعلامي الكبير ليس على مستوى الطلبة وإنما على مستوى كل فرد يحمل هاتفاً ذكياً، لافتاً إلى أن التطور التكنولوجي قد غيّر من معنى الأمية، لتصبح بالإضافة إلى القراءة والكتابة، أمية إعلامية. وقال: إن التوجّه الجديد اليوم هو النقد الإعلامي الذكي يجب على الإنسان أن يكون مؤهلاً لتقرير الصواب من الخطأ يبني قراره على هذا الأساس. واعتبر أن تدريس الإعلام لم يعد محصوراً بطلبة كليات الإعلام والاتصال، إذ يفترض بكل طالب أن يتعلم كيف يعمل الإعلام الجديد ومزاياه، لكي يتمكن من بناء فكر ناقد لما يتلقفه من معلومات يومياً. واقترح ضرورة تعزيز البحوث العلمية في هذا المجال في العالم العربي، وبناء الحلول وفقاً لحقائق علمية ومؤشرات يمكن من خلالها وضع الاستراتيجيات المناسبة لتخطي التحديات. وأشار إلى أننا نعيش في زمن الانفجار المعرفي، حيث تتغير المعلومة باستمرار، لذلك ينبغي تدريب الطلبة على طرق البحث عن المعلومة الأصح وليس الصحيحة؛ لأنه في هذا الزمن المعلومات الصحيحة كثيرة، لكن الناجح والمتميز هو من بيده المعلومة الأصح والأحدث. نزاهة المعرفة وقال موسى برهومة أستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية بدبي، إن الهدف من التربية الإعلامية الناقدة تعليم الطالب أوالمتلقي بشكل عام أن لا يطمئن إلى المعلومة الأولى التي يصادفها على التواصل الاجتماعي أو على محركات البحث. فبعض النتائج لفرط تداولها قد تأخذ موقعاً متقدماً، بغض النظر عن مدى صحتها. وأوضح أن الكثير مما يجري تداوله في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية والطبية قد تكون مضللة، لافتاً إلى أن برنامج التربية الإعلامية الناقدة الذي تتجه الوزارة إلى تضمينه في المناهج من شأنه تكريس تقاليد كيفية التمييز بين الخبر الصحيح والخبر الملفق، وهو ما يحتاج إلى مهارات كبيرة من جانب الطلبة والمعلمين، مؤكداً أن التفكير الناقد بشكل عام هو المظلة الأساسية التي يجب أن تبنى تحتها المناهج الدراسية على اختلافها، وخصوصاً مناهج المرحلة التأسيسية. واقترح أن يشارك في إعداد المنهج علماء نفس، وخبراء مناهج، ونخبة من الإعلاميين لبناء جيل لديه تفكير نقدي، لحماية المجتمعات من التطرف. بخيت: تدريب على تحري المعلومة اعتبر الدكتور سيد بخيت أستاذ الإعلام في جامعة زايد أن التربية الإعلامية الناقدة فكرة متميزة، خصوصاً إذا تمّ دمجها في المناهج بشكل جيد بطرق تناسب شريحة الشباب، من خلال الفيديوهات والصور والرسومات والتطبيقات الذكية، من دون الدخول في تعقيدات تنفر المتلقي. وأكد أنه قبل إعداد المنهج لابد من تنظيم ورش عمل وندوات في المدارس ولقاءات بين المختصين والطلاب، وتضمين المحتوى الإلكتروني للمنهج بروابط تدرّب على تحري المعلومة، كما أنه لا بد للوزارة من تخصيص قسم يركز على متابعة الأخبار التي يتم تداولها لنفيها أو تأكيدها، وتزويدهم بطرق التحقق. وأشار إلى أن الموضوع ليس صعباً لكن لا يجب توقع نتائج سريعة، فالكل مستهدف، والأمر يحتاج إلى مراحل من التطبيق والجهود المشتركة؛ لأنها تربية فكرية وذهنية، ويجب أن يرافقها تشرّب مفاهيم التربية الوطنية وتاريخ قادة الدولة. وحدد بخيت دوافع الاهتمام بموضوع التربية الإعلامية الناقدة، بانفجار المعلومات المتدفقة والمتشعبة، فأصبح الفرد يتلقى المعلومات بشكل مضاعف لم يشهده من قبل، وقال، إن مصادر المعلومات ذات أغراض متباينة ومصالح متشابكة بين حكومات وجهات خاصة وجماعات إرهابية متشددة، وشركات عالمية، بعضها يحمل رسائل إنسانية ونوايا صالحة، وبعضها يحمل أهدافاً خبيثة. وقال، إن المنهج مفيد، لكن يجب أن يؤخذ بسياق أكبر، وشرح أنه على الرغم من أن الفئة المستهدفة للوزارة كبيرة، إلا أنها تبقى محدودة، فالشباب يقضون وقتاً أكبر على الشاشات الرقمية خارج الدوام المدرسي، وبالتالي فإن الأهالي والجمعيات تلعب دوراً مهماً توعية الجيل الناشئ على مناقشة الرسائل الإعلامية التي يتلقونها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©