الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بغداد··· صفقة سيئة أخرى

22 يونيو 2008 02:47
إثر نقاش متسرع وغير مدروس، شرعت إدارة ''بوش'' في ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية المنقسمة على نفسها، بغية حملها على إجازة اتفاقية أمنية يمكن لها أن تعكر علاقات واشنطن ببغداد لعدد من السنين المقبلة، ذلك أن خطة ''التحالف الاستراتيجي'' التي اقترحها ''بوش'' لهذه الاتفاقية الأمنية، تشبه إلى حد كبير -من حيث شكلها ومضمونها- معاهدة 1930 الفاشلة التي أبرمتها بريطانيا مع العراق، وسرعان ما أعقبتها القلاقل والاضطرابات في العاصمة بغداد، بما فيها وقوع انقلاب عسكري موال للنازية، وتبني برنامج أفضى إلى استئصال الجالية اليهودية العراقية· وكان قد تناول الخطوط العريضة والعامة لصفقة ''التحالف الاستراتيجي'' المقترحة هذه -والتي لم يتم الإعلان عنها رسمياً بعد- السيد ''علي علاوي'' -سبق له أن تولى مهام وزير المالية في عراق ما بعد الغزو- في مقال له في صحيفة ''ذي إندبندنت'' البريطانية، وأجرى فيه ''علاوي'' مقارنة بين التحالف المقترح حالياً بين واشنطن وبغداد، ومعاهدة عام 1930 التي وضعت حداً رسمياً لوضع الانتداب الذي كان مفروضاً على عراق ما بعد الحرب العالمية الأولى، وجاء في مقال ''علاوي'' في هذا الصدد: ''لقد أعطت المعاهدة بريطانيا حزمة من الامتيازات العسكرية والاقتصادية، مقابل الوعد البريطاني بإنهاء حالة الانتداب المفروضة على العراق، وعلى الرغم من أن البرلمان العراقي المهزوز القائم حينئذ قد أجاز تلك المعاهدة، إلا أنها واجهت رفضاً عنيفاً من قبل الوطنيين، والذي نتج عن المعاهدة أنها سممت العلاقات العراقية-البريطانية طوال ربع القرن التالي لإبرامها، ومن أبرز سمات الأجواء السياسية التي خلفتها في العراق، تتالي سلسلة من أعمال الشغب والهياج المدني والانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية، وفي وسط كل هذه الأجواء السياسية العكرة، لم يتوقف النزاع المرير حول المعاهدة وبنودها مع الجانب البريطاني''· فبموجب بنود المعاهدة المذكورة، تعيّن على العراق استشارة بريطانيا في كل شأن من شؤونه الأمنية، إضافة إلى السماح لبريطانيا باستخدام مطاراته وسككه الحديدية وأنهاره لأغراضها الحربية، وبموجبها كذلك تم تأجير قاعدتين حربيتين رئيسيتين لبريطانيا، فوق تمتع الأخيرة بمطلق الحق في نشر قواتها على امتداد العراق كله، وفوق ذلك فقد منح البريطانيون العاملون في العراق حصانة قانونية ضد اعتقالهم وتوجيه الاتهامات القانونية لهم· والغريب في الأمر أن تسعى إدارة ''بوش ''لإبرام صفقة مشابهة لتلك المعاهدة، بعد مضي ما يقارب الثمانين عاماً عليها، وعلى الرغم من أن صيغة ''التحالف الاستراتيجي'' المقترحة لا تحمل رسمياً صفة المعاهدة -لكونها قد وضعت بما يكفي من الحذر لتفادي ضرورة مصادقة مجلس الشيوخ عليها- إلا أنها تشبه معاهدة 1930 إلى حد كبير، فوفقاً للتقارير الصحفية القائمة عن تسرب معلومات عن بنود ''التحالف'' المقترح من قبل البرلمان العراقي، ينص الاتفاق على منح الولايات المتحدة الحق في إقامة ما يصل إلى 59 قاعدة عسكرية، إضافة إلى سيطرة أميركا على المجال الجوي العراقي كله، وبموجبه سيمنح الجنود الأميركيون العاملون في العراق حصانة قانونية، وإلى ذلك كله تشير المعلومات المتسربة إلى تمكين المسؤولين الأميركيين من اعتقال كل من يشتبه بتورطه في جرائم الإرهاب، دون الحاجة للحصول على موافقة الأجهزة الأمنية العراقية· يجدر بالذكر أن هذا الاتفاق -الذي تواصل واشنطن ضغوطها على بغداد، من أجل حملها على التوقيع عليه بحلول الحادي والثلاثين من شهر يوليو المقبل- يقصد منه أن يحل محل تفويض الأمم المتحدة الساري حالياً، الذي يخول الاحتلال الأميركي للعراق، وفي المقابل سيتم رفع العقوبات المفروضة على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي، إلى جانب استمرار تمتع العراق بالمساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها له أميركا، وإلى جانب ذلك سوف يسترد العراق ما تصل قيمته إلى 50 مليار دولار من أصوله المالية المجمدة في البنوك الأميركية منذ حرب الخليج الأولى· ولكن أين حساب القلاقل السياسية والأمنية الجديدة التي يخلقها هذا الاتفاق في حال التوقيع عليه، وأين هي حسابات تسميمه للعلاقات الأميركية-العراقية على المديين القريب والبعيد معاً؟ كارل إي· ماير محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©