الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا الصاعدة: من التشاؤم للتفاؤل

1 يناير 2012
بمشكلاتها المتعددة التي تتوزع بين المجاعات والأوبئة والحروب والفساد السياسي الذي ينخر الدول ويضر بالاقتصادات، ظهر مستقبل القارة الأفريقية، في التقييم الذي أعدته ونشرته مجلة "ذي إيكونمست" البريطانية حول مستقبل القارة السمراء في عام 2000... باعثاً على التشاؤم. فقد اعتبر التقييم أفريقيا حالةً ميؤوساً منها. لكن اليوم تشهد القارة نهضة يصعب إنكارها، حيث تصاعد الطلب العالمي على الموارد الأولية التي تزخر بها أفريقيا، فضلاً عن التقدم السياسي الحاصل في عدد من بلدانها، وظهور قيادات أقل فساداً من قبل، ثم تنامي روح المبادرة الحرة وظهور شركات جديدة تستند إلى مناخ أفضل للقيام بالأعمال... كل تلك العوامل تتضافر لرسم صورة إيجابية عن القارة وتعطيها مكانتها اللائقة على الساحة العالمية بعد عقود من التهميش والإقصاء كان ينظر فيها إلى إفريقيا باعتبارها بؤرة ساخنة للمشاكل والنزاعات. ولا يعني ذلك أن جميع الصعوبات قد اختفت من القارة التي تضم 54 دولة، لاسيما دولها غير المطلة على واجهات بحرية وتعاني من الفقر، بالإضافة إلى استمرار الأنظمة الشمولية في السيطرة على مقاليد الحكم في عدد من البلدان الإفريقية واحتكار خيرات البلاد. والأخطر من ذلك، هي المشاكل الاقتصادية التي تعوق النمو؛ مثل الديون الضخمة التي ترزح تحتها مجموعة من الدول في ظل معدلات بطالة مرتفعة وتراجع النظم التعليمية، فيما تواجه بلدان أخرى مثل زيمبابوي وساحل العاج وكينيا موجات من العنف تتجدد بين الحين والآخر مهددة الاستقرار، حيث تعيد مشاهد الصراع الدامي في القارة إلى الأذهان. لكن السنة المنقضية حملت معها مؤشرات جديدة عن بعض إرهاصات التغير في القارة الأفريقية، ومجابهة مشاكلها الخاصة. فقد رأينا كيف بدأ الاتحاد الأفريقي يتحمل مسؤولياته دون تدخل خارجي، ويتبنى مواقف مستقلة في معالجة المشاكل الاقتصادية والعسكرية. ويبدو أن الأفارقة اليوم صاروا أقرب إلى المبادئ التي وردت في عقيدة "مونرو" التي تحيل إلى عدم السماح بتدخل القوى الغربية في الشؤون الأفريقية والاعتماد على الإمكانات الذاتية في فض النزاعات وتسوية المشاكل. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدول التي حاولت لعب دور إقليمي مهم، مثل جنوب أفريقيا التي طالما تبنت سياسة خارجية مستقلة، وقد تبدى ذلك بصفة خاصة في تصويتها ضد التدخل العسكري في ليبيا، وقيادتها لجهود الوساطة الأفريقية لفض ذلك الصراع. كما حرصت جنوب أفريقيا على النأي بنفسها عن بلدان الشمال، سواء الولايات المتحدة أو أوروبا، وعلى نسج علاقات أوثق مع بلدان الاقتصادات الناهضة مثل البرازيل والصين وروسيا والهند، وذلك في إطار ما يعرف بمجموعة "بريكس". ورغم فشل محاولات جنوب إفريقيا في التوسط لحل مشكلة ساحل العاج بعد رفض جباجبو التنحي إثر هزيمته في الانتخابات، وتدخل فرنسا العسكري لحسم الإشكال، واعتقال جباجبو، إلا أن جوهانسبيرج لم تتخل عن دورها في التوسط وحل النزاعات. وحتى كينيا التي تعاني من مشاكلها الخاصة، لاسيما أعمال العنف التي تتفجر فيها بين حين وآخر على أساس قبلي، قررت لعب دور في إقليمها وأرسلت مؤخراً جنودها إلى الصومال بعد سلسلة من عمليات الخطف تعرض لها غربيون على أراضيها. ورغم التجربة غير الناجحة لقوات الاتحاد الأفريقي في الصومال، شأنها شأن التدخل العسكري الإثيوبي هناك، فقد قررت كينيا الدخول إلى الصومال لمنع تسلل عناصر حركة "شباب" إلى حدودها. وقد أصبح التحرك الكيني جزءاً من عملية ثلاثية تهدف إلى محاصرة حركة "الشباب" في الصومال، العلمية التي يشترك فيها جنود كينيون إلى جانب القوات الإثيوبية في الغرب، وقوات حفظ السلام الأوغندية والبوروندية في مقديشو. وربما الأهم من ذلك والأكثر مدعاة للتفاؤل، هو التحولات الاقتصادية التي تمور بها القارة السمراء، فقد عملت البلدان الأفريقية طيلة السنوات الماضية على تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن مجرد تصدير المواد الأولية إلى البلدان الصناعية في الشمال، فراحت تستثمر في قطاعات متنوعة، مثل قطاع الخدمات الذي يخلق فرص عمل إضافية، والسماح بتدفق الاستثمارات الأجنبية مع الاعتماد هذه المرة على الأموال الصينية. إذ من المعلوم أن جمهورية الصين الشعبية عززت تواجدها الاقتصادي في إفريقيا من خلال ضخ أموال هائلة في قطاع البنية التحتية ودفع شركاتها للاستثمار في الطاقة واستخراج المعادن. وقد استفادت بلدان أفريقية عديدة من الاستثمارات الصينية في توفير الوظائف والزيادة في معدل النمو دون حاجة إلى تقديم تنازلات سياسية. وبفضل الجهود التي بذلتها بعض الدول الأفريقية في المجال التشريعي والإصلاح السياسي، صار من الأسهل على رجال الأعمال المحليين الاستثمار وإنشاء الشركات، لاسيما في قطاع الاتصالات المتنامي، وذلك ما يتضح من الانتشار السريع للهاتف النقال بين الأفارقة، وتحسن خدمة الإنترنت. هذه الثورة في مجال الاتصالات أعطت بدورها صوتاً لجماعات النشطاء السياسيين في أفريقيا، والتي بدأت تمارس ضغطاً على القيادة السياسية في بلدان مثل مالاوي وساحل العاج وسوازيلاند. وليس غريباً في ظل هذه التحولات التي تشهدها القارة السمراء أن تتبدل التوقعات من التشاؤم في مطلع الألفية الثالثة إلى التفاؤل بمستقبل القارة خلال السنوات الأخيرة. كما أن النهوض الإفريقي لم يعد اقتصادياً فحسب، بل صار سياسياً واجتماعياً أيضاً. سكوت بالدفولد كاتب مختص بالقضايا الأفريقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©