السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الحقائق البديلة.. نحن أيضاً ضحاياها!

الحقائق البديلة.. نحن أيضاً ضحاياها!
7 مايو 2017 14:44
أحمد مصطفى العملة هاجمت الصحافة الغربية بشدة الإدارة الأميركية الجديدة بسبب ترويجها لـ «الحقائق البديلة». أي تقديم معلومات مضللة وأكاذيب، باعتبارها «وقائع» من نوع آخر. لكنها هي أيضاً (الصحافة الغربية) تفعل الشيء نفسه تقريبا معنا في الشرق الأوسط، عندما تتبنى أحيانا نظرية «الحقائق البديلة» في تغطيتها للقصص المتعلقة بالمسلمين والإسلام. وإلا كيف يمكن تفسير إصرارها على استخدام، مصطلح «جهاديين» بدلاً من «إرهابيين»، وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، بدلاً من« داعش» الإرهابي، و«مثلي» بدلا من «شاذ»، وأن تسمي الخليج العربي بغير اسمه الحقيقي، وأن تتحدث عن «الإرهاب الإسلامي» بدلاً من الإرهاب «الأصولي»، وأن تصف القاتل الإرهابي عندما لا يكون مسلما أو عربياً بأنه إما «ناشط متشدد» أو «ذئب منفرد» أو «مريض نفسي» يعاني من الاكتئاب؟!. وما سبق، يأتي على سبيل المثال لا الحصر، لأن الميديا الغربية، في واقع الأمر، شيدت عالما موازيا على منظومة من الأحكام، باستخدام تعبيرات معينة في قصصها الإخبارية، مستمدة من الـ «STYLE BOOKS»، كتب الأساليب، التي تعكس في مجملها ثقافة مجتمعاتها، مهما حاولت رفع راية الحياد والموضوعية. ونصيب المسلمين من «كتب الأساليب» هذه، توصيفات قد تبدو عادية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة مشحونة بمواقف وتحيزات خطيرة، يرسخ بعضها لصورة معينة عن الإسلام والمسلمين، تحض على الإسلاموفوبيا، وتجعل ظاهرة الإرهاب أكثر تعقيدا، لأنها تؤجج نار سوء الفهم والقصد! وعندما تستخدم الميديا الغربية وصف الجهاديين مثلا في وصف الإرهابيين، يبدو الأمر وكأننا أمام «قافية تاريخية» تنطوي على سخرية مريرة، لأنها هي نفسها التي وجهت انتقادات قاسية للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في عام 2001 عندما توعد الإرهابيين (المسلمين طبعا) بعد هجمات سبتمبر، بحملة «صليبية» طويلة الأمد. وقد كانت حينها على حق تماماً، لأنه لا يمكن لعاقل أن يتجاهل «الحمولة» التاريخية لتعبير CRUSADE الذي يستحضر فترة تاريخية مريرة من الحروب الدينية المروعة التي شنها الصليبيون ضد المسلمين، على الرغم من أنه صارت للكلمة معان جديدة مثل «جهد طويل الأجل لتحقيق شيء يؤمن الإنسان بأنه أخلاقي» بحسب القواميس. لكن الآن بعد نحو 16 عاماً، تنقلب الآية، ليصبح «الجهاديين» توصيفا عاديا تستخدمه الـ «ميديا الغربية» في وصف من هددهم بوش بالـ CRUSADE، من دون أن يثير ذلك حفيظة أحد. في المقابل يطرح المتطرفون والإرهابيون رواية مضادة يتحدثون فيها عن «الكفار» و«المرتدين» و«الصليبيين» ضمن خطاب مليء بالوعيد والتهديد والويل والثبور لكل من خالفهم من المسلمين وغير المسلمين. فلا تبذل وسائل الإعلام الغربية جهدا يذكر لتفنيد دعاواهم. وبالتالي أصبح المسلمون هم فقط الذين يربط الإعلام الغربي بين عقيدتهم والإرهاب عندما يتورط أحدهم في عمل إجرامي. وإلا كنا سنقرأ عن الإرهاب «البوذي» مثلا ضد المسلمين في ميانمار عندما يتعرض المئات منهم لجرائم ضد الإنسانية .. أو الإرهاب «الهندوسي» عندما يقتل «ناشطون هندوس» مسلمين للاشتباه في ذبحهم أبقارا في الهند، أو الإرهاب «الآري» عندما يتعمد طيار ألماني «مريض بالاكتئاب» إسقاط طائرة مدنية لأنه يريد، على طريقته، نيل الحسنيين.. «الشهرة» و«الانتحار»!. وهو أمر لم يحدث على الإطلاق . لأنه لا يصح بداهة الربط بين عقيدة دينية وبين العنف والإرهاب. لكن في كل الأحوال تكشف خبرة السنوات الماضية أن الكلمات كالطائرات أو الحافلات.. هي أيضاً يمكن اختطافها من سياقها الطبيعي واستخدامها بطريقة مدمرة. حتى الصور.. يمكن استخدامها أيضا بالطريقة نفسها.. كأن تقطع صورة «محجبة لندن» الشهيرة من سياقها الطبيعي، لتبدو عند مرورها بجوار أحد ضحايا الحادث الإرهابي الذي استهدف مارة وسط العاصمة البريطانية في مارس الماضي، وكأنها لا تأبه للحادث المروع ، بينما هي في الحقيقة كانت في لحظة صدمة، جعلتها تبدو كما لو أنها تتطلع إلى هاتفها. أو مثل أن يتحدث راكب طائرة إلى جاره بالعربية ، قائلا «السلام عليكم» أو«الله أكبر»، فيصبح بمثابة تهديد خطير لأمن الركاب، على نحو يستلزم منعه من السفر. مثل هذه التغطيات والممارسات تكشف أن الإسلامفوبيا متجذرة في بعض المجتمعات، بما يحمل الميديا الغربية بالأساس مسؤولية أكبر لبذل مزيد من الجهد لزيادة مساحات الفهم والتفاهم بين الشعوب. لكن ليحدث ذلك.. عليها أولا أن تقوم بتنقية النصوص (كتب الأساليب) من كل ما ينطوي على تحيز وتحريض ضد عقيدة بعينها، تماما مثلما تطالب العالم الإسلامي بتنقية النصوص مما قد يفهم منه أنه دعم أو حض على العنف ضد الديانات الأخرى. ahamed.moustafa@alittihad.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©