السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بريطانيا.. أزمة سياسية في الأفق

16 مارس 2015 22:11
يبدو أن الحياة السياسة البريطانية تتجه نحو أزمة دستورية بعد انتخابات السابع من مايو المقبل، حيث تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب الوطني الاسكتلندي سينتزع كل مقاعد اسكتلندا تقريباً في البرلمان البريطاني من حزب «العمال». كما أنه بغض النظر عما إن كان حزب «العمال» أو حزب «المحافظين» هو من سيقود الحكومة المقبلة، فإن دعم الحزب الوطني الاسكتلندي سيكون ضرورياً من أجل تمرير التشريعات. والحال أن حزباً ملتزماً بتفكيك بريطانيا سيمثّل بدون شك قوة انقسام في برلمان الاتحاد. ومن الممكن أن يبذل الحزب الوطني الاسكتلندي جهداً محسوساً لمساعدة حكومة يقودها حزب «العمال» على إدارة شؤون بريطانيا، لاسيما أن الحزبين متساوقان إيديولوجياً. ولكن التعاون الواسع بين الاثنين يظل مستبعداً أيضاً، وذلك لأن المصلحة الاستراتيجية للحزب الوطني الاسكتلندي ستقتضي عرقلة النظام البرلماني البريطاني وجعل إنجلترا حليفة له في الجهود الرامية إلى استقلال اسكتلندا، إذ كلما تسبب الحزب الاسكتلندي في احتكاكات وصدامات، تعالت الأصوات في الجنوب مطالبة برحيل اسكتلندا خارج الاتحاد. ولعل هذا هو ما يفسر لماذا سيكون من المستبعد أيضاً أن يقوم الحزب الاسكتلندي بالشيء الصائب والصحيح ويمتنع عن التصويت على النظام القانوني لإنجلترا وويلز. وباختصار، لقد كان من الخطأ الاعتقاد بأن هزيمة الحزب الوطني الاسكتلندي في استفتاء العام الماضي قد حسمت مسألة الاستقلال. فبدلًا من أن تهمّش الحزبَ وقضيته، أدت تلك الخسارة إلى تصاعد لافت في الدعم الشعبي له. وفي الظاهر، تبدو الحجج الداعمة لخيار الاستقلال اليوم أقل جاذبية بكثير مما كانت عليه خلال حملة الاستفتاء. فقد كانت حجج الحزب ترتكز كثيراً على عائدات النفط، والحال أن حساباته كانت خاطئة حتى قبل انخفاض أسعار النفط. ولكن، كيف يمكن تفسير هذا الدعم الشعبي القوي للحزب الوطني الاسكتلندي؟ أظن أن الكثير من الاسكتلنديين يشعرون بالخجل لأنهم استسلموا للحذر العام الماضي حيث يشعرون بأن الحزب الوطني الاسكتلندي خاض الحملة الانتخابية الأفضل والأنبل، وأن الجانب الوحدوي قدم حججاً ضعيفة ولم يستحق الفوز. وعلى أي حال، فإن الكثير من الاسكتلنديين صوتوا بتردد لصالح الاتحاد. وأعتقد أن استطلاعات الرأي اليوم تعبّر عن رغبة في التكفير عن هذا الأمر من خلال إرسال الحزب الوطني الاسكتلندي بقوة إلى لندن. ولعل الاسكتلنديين ليسوا منشغلين كثيراً بتداعيات هذا الاختيار الآن. بيد أن كتلة كبيرة للحزب الوطني الاسكتلندي في البرلمان البريطاني ستكون ضارة للاتحاد، بغض النظر عن أسباب ارتفاع الدعم الشعبي له. ويتعرض «إيد ميليباند»، زعيم حزب «العمال»، لضغط كبير لاستبعاد تحالف مع الحزب الوطني الاسكتلندي بعد الانتخابات. وهذه الفكرة تروق لبعض أعضاء البرلمان من الحزب «العمالي» الاسكتلندي لأنها يمكن أن تحسّن فرص الحزب في وقف صعود الحزب الوطني الاسكتلندي. وقد يتوقع المرء من ميليباند أن يتجاوب معها أيضاً، خاصة أنه يقول للاسكتلنديين إن تصويتاً على الحزب الوطني الاسكتلندي هو في الحقيقة تصويت للمحافظين الممقوتين -وهذه الحجة ستكون أقوى إن هو تعهد بعدم عقد أي اتفاق مع الحزب الوطني الاسكتلندي. ولكن مشكلة ميليباند هي أن هذا التعهد، إن تم الوفاء به، قد يحرمه من القدرة على تشكيل حكومة، وبالتالي يبقيه بعيداً عن مقر الحكومة في «10 داونينج ستريت». وبغض النظر عن تعقيد وصعوبة التنبؤ بمسار المناورات السياسية قصيرة المدى، فإنه يمكن تلخيص خيارات بريطانيا على المدى البعيد بشأن نظام حكمها في التالي: الخيار الأول هو الاستقلال الكامل والصريح لاسكتلندا. والحال أن الاسكتلنديين ربما يرغبون في هذا الأمر اليوم بشكل أقل مما كانوا يفعلون بالأمس، إن هم فكروا فيه أصلاً -غير أنهم من خلال إرسالهم أعضاء الحزب الوطني الاسكتلندي إلى البرلمان البريطاني، سيزعزعون استقرار الدستور البريطاني أكثر وسيزيدون الدعم للاستقلال الاسكتلندي في إنجلترا نفسها. أما الخيار الآخر، فهو تحويل بريطانيا إلى نظام فيدرالي. وقد يبدو هذا الأمر جذاباً مبدئياً، ولكن من الناحية العملية سيكون من الصعب تحقيقه. ذلك أن الأنظمة الفيدرالية لا تستطيع تحمل الكثير من الاختلال وانعدام التوازن بين الدول المؤلفة للاتحاد، والحال أن اقتصاد بريطانيا وسكانها يميلان بشكل كبير جداً نحو إنجلترا. ولذلك فربما سيتعين على الاسكتلنديين، في النهاية، أن يتعودوا على أن يكونوا جزءاً صغيراً من دولة متوسطة الحجم - أو أن يختاروا الانفصال، في النهاية. كلايف كروف *كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©