الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذكرى غزو العراق: آمال ضائعة وتجارب مُرة

ذكرى غزو العراق: آمال ضائعة وتجارب مُرة
15 مارس 2013 23:49
ياسمين بحراني كاتبة أميركية من أصول عراقية بحلول الذكرى العاشرة للغزو الأميركي للعراق هذه السنة، ينتابني شعور بأننا نعيد تكرار المشهد ذاته في مناطق أخرى من العالم، فنحن اليوم نسمع كلاماً متواتراً عن امتلاك إيران قنبلةً نوويةً، فيما تنهمك الولايات المتحدة في تقديم مساعدات للثوار في سوريا، منخرطةً بذلك في صراع بعيد عنها بآلاف الأميال. كل ذلك يذكرنا بحرب العراق الطويلة التي كلفت أميركا ما لا يقل عن تريليون دولار، وقد بُنيت منذ البداية على أساس واهٍ لما تبين لاحقاً من زيف المسوغات المتعلقة بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، أو العلاقات المفترضة بين نظام صدام وتنظيم «القاعدة» المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر التي أججت مشاعر الأميركيين وحشدتهم وراء مخططات إدارة بوش دون دليل واقعي. والنتيجة هي الكلفة الباهظة جداً التي دفعها كل من المدنيين والعسكريين في الأرواح وخسارة العراق لجزء كبير من استقراره الذي ما زال مفقوداً حتى اليوم بعد مرور سنوات طويلة على الإطاحة بالنظام وانطلاق عملية سياسية جديدة. ومع أن العدد الحقيقي لضحايا الحرب يظل غير دقيق، إلا أن عدد المدنيين العراقيين الذين أزهقت أرواحهم في الحرب يبقى كبيراً في جميع الأحوال، ولا أعتقد أن الرقم الذي تضعه الولايات المتحدة في 121 ألف قتيل هو فعلا العدد الحقيقي الذي لا بد أنه يفوق ذلك بكثير، هذا ناهيك عن الخسائر البشرية التي منيت بها الولايات المتحدة نفسها والتي جعلت شعبية الحرب لدى الأميركيين تتراجع على مر السنين لتصل إلى أدنى مستوياتها في سنوات الصراع الطائفي. واليوم ينظر إلى حرب العراق على أنها خطأ استراتيجي قاتل بالنظر أولا إلى الأهداف الأميركية غير المتحققة، وثانياً إلى الوضع العراقي الحالي البعيد كلياً عن الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي الذي بشر به الأميركيون ومعهم السياسيون العراقيون الجدد، ثم التمدد الإيراني الذي جاء نتيجة تنحية العراق من الساحة الإقليمية وإخراجه من معادلة توازن القوى. وفي تبريرهم للخطأ، يقول أغلب المسؤولين الأميركيين إن ما حدث كان بسبب المعلومات الاستخباراتية السيئة وغير الدقيقة التي ورطت أميركا في المستنقع العراقي وضربت مصداقيتها في العالم بعد تسرب صور أبوغريب ودخول الفلوجة وغيرها من الحوادث. وفي برنامج وثائقي بثته قناة أميركية مؤخراً بعنوان «الغطرسة: بيع الحرب ضد العراق»، يظهر «لورنس ويلكرسون»، وهو أحد المخططين الرئيسيين للحرب، وكبير موظفي وزير الخارجية وقتها، كولين باول، ليقول إن ما حدث بشأن أسلحة صدام التي ثبت عدم وجودها أصلا، كان خدعة انطلت على الأميركيين، مضيفاً أن «مثل تلك الأمور تحدث»! فهل هذا كل ما يمكن أن يقال عن حرب كلفت الكثير وما زالت تداعيتها مستمرة؟ شخصياً كنت معارضاً للحرب، ليس لأني أملك معلومات من الداخل حول موضوع الأسلحة، لكن فقط لأنه رغم إقامتي في الولايات المتحدة وحصولي على جنسيتها، فإني خشيت على أقربائي الذين يعيشون في العراق، لكن هؤلاء الذين كانت أحوالهم تحت الديكتاتورية مستقرة وآمنة، انحازوا مع ذلك للتغيير ظناً منهم أن العراق مقبل على مرحلة جديدة تسودها الديمقراطية والفرص الاقتصادية. والحال أنه بعد عشر سنوات على هذا الأمل ما زالوا يعانون من انقطاع الكهرباء وانعدام الأمن، الأمر الذي لم يكن موجوداً في عهد صدام، فالسيارات المفخخة تنفجر في الشوارع العراقية بانتظام لتقتل الأبرياء في الأسواق، كما أن منظمات حقوق الإنسان لا تكف عن الإشارة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تقترفها حكومة نوري المالكي. ومع أن الحياة تحت حكم صدام كانت صعبة وخطيرة، إلا أنها باتت أكثر خطورة وصعوبة في عهد المالكي. وكمواطن أميركي، عملت مع الحكومة الأميركية في المنطقة الخضراء، حيث كنت أقوم بأعمال الترجمة ومرافقة الدبلوماسيين الأجانب، وخلال عملي أتيحت لي فرصة التعامل مع الجنود الأميركيين الذين كانوا في معظمهم جاهلين لطبيعة العراق وخصائصه الثقافية، الأمر الذي سهل وقوعهم في أخطاء فاقمت العداء العراقي للتدخل الأميركي، وحتى بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة ظلت ذكريات رهيبة تطاردهم لما اقترفته أيديهم بحق العراقيين، والكثير منهم يعاني من اضطرابات نفسية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الانتحار في صفوفهم، دون أن ننسى أوضاعهم الاقتصادية المتردية، حيث فشل كثيرون منهم في الحصول على عمل بعد تسريحه من الخدمة. هذا الواقع يوضحه الرائد «فرانك فاسار» الذي ما زال يخدم مع الجيش الأميركي في سلاح الجو بعد فترة قضاها في العراق، إذ يحكي عن الصعوبات النفسية والاقتصادية التي يلاقيها الجنود بعد عودتهم إلى أرض الوطن، فبعد أن يسرحوا من الخدمة يصعب عليهم الاندماج مجدداً في المجتمع، رغم أنهم مدربون «من أجل المثابرة والانضباط وإنجاز العمل مهما كلف الأمر». وخلافاً للحروب ذات الشعبية الكبيرة، مثل الحرب العالمية الثانية التي تعامل فيها الأميركيون مع جنودهم على أنهم أبطال ومحررون لأوروبا، تبقى حروب أخرى أقل شعبية مثل فيتنام والعراق، بل وصمة أكثر منها فخراً. هذه السلبيات كلها تدعو أميركا اليوم للتفكير ملياً قبل بدء مغامرة أخرى أو التورط في صراع دموي جديد في منطقة مثل الشرق الأوسط لديها من الحروب ما يكفي. فما يجري الحديث عنه من استعدادات لمواجهة محتملة مع إيران وتدخل في سوريا يخيف الأميركي الذي يعاني أصلا من اقتصاد صعب وبطالة مزمنة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©