الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تسونامي اليابان... عبء اقتصادي جديد

19 مارس 2011 20:54
في زلزال "كانتو" العظيم الذي ضرب طوكيو في الأول من سبتمبر عام 1923، فقد قرابة 100 ألف من سكان المدينة أرواحهم، بينما تشرد ما يزيد على ثلاثة ملايين من منازلهم. وعلى إثر انتشار شائعات تقول إن الأقلية الكورية المقيمة في المدينة كانت تقوم بتسميم مياه آبار الشرب، قامت عصابات بقتل آلاف الكوريين خلال الأيام القليلة التي أعقبت حدوث الزلزال. وقد اضطرت تلك الظروف الحكومة اليابانية لإعلان قانون الطوارئ، غير أن عجز المسؤولين الحكوميين عن التصدي للكارثة أجبر الجيش على تولي شؤون الحكم. وبعد 71 عاماً من تلك الأحداث، ضرب زلزال مدمر آخر مدينة "كوبي" في 17 يناير 1995، بقوة 6.9 درجة في ميزان ريختر. وبلغ عدد قتلى زلزال "هانشين" هذا 6400 نسمة، بينما قدرت تكلفة الدمار المادي الناجم عنه بما يزيد على 100 مليار دولار، أو حوالي 2.5 في المئة من الدخل القومي الياباني، وهي تقديرات قريبة من حجم الخسائر الناجمة عن الزلزال الأخير الذي ضرب منطقة طوكيو الواقعة شمالي اليابان بقوة 9.0 درجة. وكان النشاط الاقتصادي في "كوبي" قد حقق نسبة نمو بلغت 98 في المئة مما كانت عليه عائداته قبل وقوع الزلزال، في مدة قصيرة لم تتجاوز 18 شهراً. وقد شمل ذلك النشاط إنشاء ميناء جديد في المدينة، فضلاً عن تحديث المباني السكنية. وكان طبيعياً أن ساعد ذلك النمو الاقتصادي السريع في تحول هذه المدينة التي يعتمد نشاطها الاقتصادي على الميناء، إلى مركز تجاري بحري عالمي. وفي تجربة النجاح هذه ما يغري على الأخذ بمختلف استجابات اليابانيين لهذه الكوارث الطبيعية المدمرة على أنها دليل قوي على الاعتقاد بأن في وسع المجتمعات المتقدمة أن تستجيب على نحو بناء وإيجابي للكوارث التي تتعرض لها. وعليه يمكن الوصول إلى الاستنتاج القائل بأن في إمكان الكوارث إحداث تحولات كبيرة في حياة الشعوب، سواء كانت إلى الأسوأ أم الأفضل. ففي أي الطريقين تسير اليابان اليوم؟ لقد نجم زلزال 11 مارس الأخير عن دمار بالغ وأضر بمجتمع تباطأ نموه الاقتصادي أصلاً على رغم ثرائه. فخلال العقدين الماضيين لم يحقق الاقتصاد الياباني سوى نمو لم تتجاوز نسبته السنوية 1 في المئة فقط. وفي الوقت نفسه تعثرت مسيرة اليابان سياسياً أيضاً. وهو ما أدى إلى هزيمة "الحزب الليبرالي الديمقراطي" في الانتخابات العامة التي أجريت، مع العلم أنه ظل ينفرد بالسلطة لوحده طوال الفترة التي أعقبت نهاية الاحتلال الأميركي لليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا يزال "الحزب الديمقراطي الياباني" الجديد الذي تولى زمام السلطة هناك منذ عام 2009 مهتزاً في أدائه القيادي هو الآخر. وخلال العقود الأربعة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت التجربة السياسية اليابانية سهلة وخالية من التعقيدات والصعوبات، ربما لقوة النمو الاقتصادي. كما أنه ليس للسكان الريفيين -مع ملاحظة ضعف الكثافة السكانية في الريف- أثراً يذكر على السياسة الوطنية. ومن ناحيتها مولت الحكومة مشاريع إنشاء جسور عملاقة بلغت تكلفتها مليارات الدولارات، ربما لن يحتاج أحد لاستخدامها أصلاً، بينما أنشأت موانئ بحرية تزيد مرافقها الضخمة عن حاجة قرى الصيد الصغيرة التي أنشئت من أجلها. ليس ذلك فحسب، بل وفرت الدولة خدمات القطارات السريعة لتغطي القرى والمناطق الريفية كلها، بينما لا يخلو قاع نهر واحد يجري في اليابان من قاعدة الخرسانة المسلحة التي أنشأتها الحكومة في جميع الأنهار. ولكن الذي حدث بعد ذلك أن انفجرت الفقاعة الاقتصادية التي اعتمدت عليها قوة النمو الياباني. كما بدأت تتراجع مشاركة مختلف الفئات العمرية في سوق العمل، وبدأت تتقلص الكثافة السكانية نفسها، ما أدى إلى انكماش سوق العمل في عام 1998. وفي نهاية الأمر كانت هذه العوامل الاقتصادية سبباً رئيسياً في الإطاحة بحكومة الحزب "الليبرالي الديمقراطي"، جراء تزايد قلق المواطنين على إهدار المال العام في مشاريع باهظة التكلفة، ليست ثمة حاجة حقيقية إليها. وقبل وقوع كارثة الزلزال و"تسونامي"، التي ضربت اليابان في الحادي عشر من مارس الحالي، كانت اليابان تواجه أصلاً تحديات تباطؤ النمو الاقتصادي، وانكماش أسعار الصرف، والضغوط المالية. في الوقت نفسه عمقت المشاريع المذكورة وغيرها من مصارف هدر المال العام أزمة ديون اليابان، حتى بلغ حجمها ضعف حجم الاقتصاد الوطني، وربما ترتفع هذه الديون إلى أكثر من ذلك فيما لو اتضح أن كارثة انفجار المفاعلات النووية اليابانية الناشئة عن الزلزال والتسونامي بحجم كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل الأوكراني. لكن وعلى رغم هذه التحديات الكبيرة، فإن هناك أملاً ما في أن تتمكن اليابان من تجاوز أزماتها الاقتصادية هذه، فيما لو أحسنت إعادة بناء الدمار الذي خلفته الكارثة. ومما يشجع على هذا الاحتمال أن نسبة تصل إلى 95 في المئة من ديون اليابان يملكها المواطنون وليس صناديق التحوط الأجنبية. وعليه فإنه ليس مرجحاً أن يمزق المواطنون سنداتهم المالية، فيما لو قررت الحكومة تحمل المزيد من الديون من أجل إعادة بناء المدن التي دمرها الزلزال و"تسونامي". ولا تزال الحكومة تتمتع بمساحات للمناورة المالية، تبدو أوسع مما قد يتصور الكثير من المحللين الماليين والاقتصاديين. ماركوس نولاند نائب مدير المعهد الاقتصادي العالمي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©