الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

احتراف وانحراف

6 مايو 2010 23:43
الفارق لم يعد واضحاً بين الاحتراف والانحراف.. وطبقاً لمخططات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، لا تصبح الأندية محترفة إلا إذا انحرفت عن مسارها باتجاه نوع من الرأسمالية المفرطة، وتحولت فيها الكرة إلى كيان منفصل على هيئة شركة خاصة أو مساهمة تسعى كالنحلة إلى عسل الربح، غير عابئة بما تفرزه من لدغات قاتلة تضخ السم في منظومة القيم التي ربما صارت في عرف العالم الحديث مجرد اختراعات قديمة بالية أكل الدهر عليها وشرب! نعم.. هذه آثار مؤكدة لا ندركها إلا بعد تراكم السنوات ولا نملك ساعتها آلية للعودة، ولا يسعنا إلا أن نترحم “كالعادة” على ما فات.. والقضية أكبر من مقال، ولكن دعوني أسأل عن مكان الانتماء في المستقبل طالما تحول الجميع إلى “سلعة” تباع وتشترى وتذهب تلقائياً لمن يدفع أكثر وتنتمي لنفسها وللمال لا لمبدأ أو فكرة أو قضية.. ودعوني أسأل عن مكان الأهداف التربوية تحت لافتة مكتوب عليها: “العبْ.. بمن تكسب”.. ودعوني أسأل عن بناء الإنسان تحت سقف شركة تبني مخططاتها على الاستهلاك لا الإنتاج وتستورد الجميع لاعبين ومدربين وإداريين لا تنتجهم، ولماذا تجهد نفسها وهي قادرة على شرائهم مكتملي الصنع والتعبئة والتغليف بلا تربية ولا “وجع راس” خاصة إذا كانت التربية بديلاً خاسراً من الناحية الاقتصادية. كل هذا من أجل ما يدّعونه من نقلة نوعية في مستوى الكرة.. أي نقلة نوعية هذه التي يضحكون علينا بها وما الدليل عليها وما تكاليفها الإنسانية قبل المادية؟.. وهل هناك دليل مؤكد على أن الانحراف.. عفواً أقصد ما يطلقون عليه الاحتراف ظلماً وعدواناً سوف يضمن لنا دون شك إنتاج أجيال من النجوم أعلى من الطلياني وزهير ومصبح وفهد خميس وهذه النخبة التي ترعرعت في ظل المنظومة القديمة.! إنهم يخدعون أنفسهم قبل أن يحاولوا خداعنا بشعار براق اسمه “الاحتراف” وهو برئ مما يدّعون.. فالاحتراف الحقيقي انتماء للآخر وللذات ليس لأحدهما فقط، والاحتراف الحقيقي هو منظومة مخططة للبناء والتطوير انطلاقاً من قاعدة سليمة صلبة لها أعمدتها العلمية وإطارها الأخلاقي والقيمي وليس بيعاً وشراءً واستهلاكاً جاهزاً وخضوعاً عشوائياً لقواعد العرض والطلب واستحلاباً للربح في مراعي كرة القدم. وتقول الإحصاءات إن الحضارة الإنسانية الحديثة بكل مآثرها كانت نتاج نحو 500 شخص فقط نقلوا عن الحضارات اليونانية والفرعونية والعربية القديمة وانطلقوا بالعالم للأمام من أمثال نوبل وجاليليو ونيوتن واينشتاين وأرشميدس وبكتير وطومسون وغيرهم ممن أسسوا نهضة علمية سواء على صعيد العلوم المعملية أو الإنسانية وكلهم بالطبع محترفون، لكن بغير عقود انحراف ولا شركات مساهمة! وتقول الأنثربولوجيا وهي علم الحضارات إن كل حضارة تحمل في طياتها عوامل فنائها.. وقد كشفت حضارتنا الحديثة أنها بما تفعل الآن ذاهبة إلى الفناء لأنها لم تعد حضارة محترفة ولكن منحرفة فلوثت الفضاء وعبثت في الأرض والسماء والزرع والماء وتكاثر في أحشائها الهواة الذين أساؤوا استغلال ما أنجزه محترفون حقيقيون مات أغلبهم فقراء.. ولكن أغنياء! ممدوح البرعي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©