الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة «فيسبوك».. تصميم على تغيير الممارسات

8 ابريل 2018 23:07
أثار القلق على الخصوصيات الشخصية وأخلاقيات التعامل مع المعلومات والبيانات التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، جدلاً غير مسبوق في عواصم أوروبية كبرى، مثل برلين وباريس، وأصبح التساؤل الآن يتعلق بما إذا كانت ثمة طريقة لوضع الأطر التنظيمية الجديدة للتكنولوجيا الرقمية في الولايات المتحدة، بما يكفل الحفاظ على الخصوصيات ويحمي للمستخدمين بياناتهم الخاصة غير المسموح بنشرها أو إنزالها. والآن يشعر المستخدمون الأوروبيون الأكثر إدماناً على الإبحار في تلك المواقع بالارتياح، بعد أن اطلعوا على سلسلة الفضائح المتعلقة بانتهاك الخصوصيات الشخصية في الولايات المتحدة، وكانت آخرها فضيحة شركة «كمبريدج أناليتيكا» التي استغلت البيانات الشخصية لملايين المستخدمين بطريقة غير شرعية ولأغراض سياسية، لأن المساعد السابق للرئيس دونالد ترامب، وهو «ستيفن بانون»، كان في الوقت ذاته أحد أعضاء مجلس إدارتها، وذلك للتأثير على أكثر من 30 مليون ناخب أميركي. وفي محاولة من شركة «فيسبوك» للتنصل من مسؤوليتها عن تلك الفضائح التي تكشفت حيال مستخدميها، قالت في بيان نشر يوم الأربعاء الماضي إن «ناشطين خبثاء» تمكنوا من اختراق قواعد البيانات الشخصية لأكثر من ملياري مستخدم لموقعها في العالم. إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الآليات والتقنيات التي استخدمتها شركة «كمبريدج أناليتيكا» و«الناشطون الخبثاء» الذين أشارت إليهم «فيسبوك» في بيانها المذكور، لا تنتهك القوانين بشكل كامل ومباشر، ولا يمكن تصنيفها في باب قرصنة المعلومات أو القرصنة الإلكترونية، بل إن الأمر يتعلق أساساً بطريقة استغلال المعلومات بسبب نوعية الأدوات والثغرات التي أتاحتها «فيسبوك» أمام المبحرين في موقعها منذ إنشائه. وبعد أن أصابت تلك الممارسات ملايين المستخدمين الأميركيين بالضرر المباشر، جراء التعدي على خصوصياتهم واستغلال بياناتهم لأغراض التأثير والدعاية، وجدت «فيسبوك» نفسها في مشكلة حقيقية، وذلك لأن بلداناً أخرى أصبحت تنظر إلى قضايا الخصوصيات الشخصية بجدية تفوق تلك التي تنظر بها الحكومة الأميركية للموضوع ذاته. ففي الهند على سبيل المثال، وحيث تم انتهاك الخصوصيات الشخصية لأكثر من نصف مليون مستخدم وناشط على صفحات الفيسبوك، طلبت الحكومة من شركتي «فيسبوك» و«كمبريدج أناليتيكا» تزويدها بمعلومات وتفاصيل أكثر ضمن مهلة زمنية انتهت يوم السابع من شهر أبريل الجاري. وبالرغم من أن الهند الآن هي أكبر سوق لموقع «فيسبوك» في العالم كله، فلم تتمكن وسيلة إعلامية هندية واحدة من المشاركة في طرح الأسئلة خلال المؤتمر الذي دعا إليه المدير التنفيذي للشركة «مارك زوكيربيرج» يوم الأربعاء الماضي. وعلى هذه الخلفية، سرعان ما تم توجيه انتقادات عنيفة إلى «فيسبوك» بسبب تركيز اهتمامها حول هذه القضية على الولايات المتحدة وحدها تقريباً. ولا يزال المهتمون بهذه الفضائح في مدينة بومباي الهندية يراجعون تقارير تفيد بأن شركة «كمبريدج أناليتيكا» ربما تكون قد استخدمت بيانات «فيسبوك» للتأثير على السياسة الهندية بطريقة مشابهة لتلك التي حدثت في الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وقد أدت الاعترافات المتكررة من جانب «فيسبوك» بوجود ثغرات تقنية في النظام الذي تستخدمه، إلى ظهور ردود أفعال قوية في أوساط المؤسسات المعنية بالخصوصيات الشخصية في أوروبا خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. وغالباً ما كانت الإجراءات الأوروبية المتعلقة بهذه المشكلة تميل للتشدد مع الشركات التكنولوجية الأميركية أكثر مما يحدث في الولايات المتحدة ذاتها. وتهدف تلك الإجراءات إلى إجبار الشركات على منح مستخدمي مواقعها حيّزاً أوسع لمراقبة أساليب استغلال بياناتهم ومعلوماتهم الخاصة، وفرض الغرامات المالية الجزائية عليها إذا لم تستجب لهذا الشرط، فضلاً عن ضرورة تأمين الوسائل اللازمة للسماح للمستخدمين بحذف ما يشاؤون من تلك البيانات متى أرادوا ذلك، دون أن تظهر مجدداً فيما لو لم يريدوا عودتها للظهور ثانية. وفي هذا السياق قالت وزيرة العدل الألمانية، «كاترينا بيرلي»، إنه من غير المقبول وفق أي منطق أن يتعرض مستخدمو «فيسبوك» للتجسس من أجل تحقيق غايات تخالف إراداتهم، أو سعياً للزج بهم في خلافات سياسية هم في غنى عنها أصلاً، أو لنشر الكراهية ضد المنافسين السياسيين. وقد وصفت «بيرلي» ممارسات شركة «فيسبوك» في هذا الخصوص بأنها تشكل «تهديداً حقيقياً للديمقراطية». ومن جهتها، قالت أيضاً المفوّضة العدلية في الاتحاد الأوروبي «فيرا جوروفا»، إن «فيسبوك» على ما يبدو أصبح «وسيلة للتلاعب». وجاء هذان التعليقان على خلفية اعترافات نشرت يوم الأربعاء الماضي أشارت إلى أن الأوروبيين مهتمون بحملات استهداف الخصوصيات الشخصية أكثر من غيرهم (بما في ذلك الأميركيون). ورحّب «زوكيربيرج» بالجهود الأوروبية لتصحيح ممارسات شركته «فيسبوك»، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الأربعاء الماضي ووصف تلك الجهود بأنها «إيجابية جداً». وهو التقييم الذي لم يكن متوقعاً منه. ويأتي مديحه للإجراءات الأوروبية المتشددة هذه المرة، بعد أن كان يعتبرها فيما سبق مسيئة للنموذج العملي الذي تتبعه شركته، إما تعبيراً عن كون الشركة غيرت استراتيجية عملها بشكل جذري، أو لمجرّد تهدئة خواطر المشرّعين الأوروبيين المستائين، عن طريق الإيحاء لهم بحدوث تغيير وشيك في سياسات واستراتيجيات الشركة. وبدا وكأن «زوكيربيرج» فضل الحديث بنغمة هادئة خلال الأسابيع القليلة الماضية على غير عادته بسبب أسوأ أزمة تمر بها شركته. وبالرغم من كل ذلك، فقد اتهم بعض المنتقدين والمعلقين «فيسبوك» بأنها تعمدت عدم الخوض في العديد من المشاكل الأساسية الأخرى المتعلقة بالموضوع، والإحجام عن إعطاء توضيحات يقتضيها الموقف الحالي وما يحيطه من تطورات حساسة وبالغة الأهمية. وقال «زوكيربيرج» في مؤتمره الصحفي المذكور: «لقد عقدنا العزم على توفير كافة تقنيات المراقبة الشخصية أمام المستخدمين، وفي كل مكان من العالم وليس فقط في أوروبا وحدها». وكان يشير بذلك إلى قانون حماية الخصوصية على الإنترنت الذي سيدخل حيّز التنفيذ في دول الاتحاد الأوروبي بداية من مطلع شهر مايو المقبل، ويعرف باسم «القانون الشامل لحماية البيانات العامة» ويفرض على الشركات التكنولوجية أن تُخبر المستخدمين الأوروبيين لمواقعها بنوعية المعلومات والبيانات التي تقوم بتخزينها وتزويدهم بالتقنيات اللازمة لحذف ما يريدونه منها. *محلل سياسي أميركي متخصص بالشؤون الأوروبية مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©