الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابتهال

ابتهال
13 أغسطس 2009 23:15
تلتحف البياض والطهر والنقاء، وجهها لم تلونه أصباغ الحياة، كانت تجلس تصلي أوقاتاً غير قصيرة، تسكن إلى نفسها في زاوية قصية من غرفتها، تلزمها ولا تغيرها، من يعرفها يعهد مكانها، تجلس غير مبالية بمن حولها، تصلي وتبتهل لله سبحانه وتعالى إلى درجة الهيجان، ترفع يديها لله وتبسطها لنيل الرضا، كلما زارها زائر يجدها هناك غائصة في طقوسها، حتى سألها أحد أبنائها مازحاً: ما سبب إكثارك من الصلاة؟ أهو خوفا على أموالك الطائلة؟ وزاد: كلما جئت وجدتك تصلي مما يضطرني للانتظار قبل الحديث معك، كانت تبتسم وتقول ليس خوفاً على المال، ولكن خوفاً على الأولاد، وهم بالنسبة لي أكثر من كنوز الدنيا كلها، بحماقة الشباب وسطوتها وعنفوانها لم يدرك ابنها معنى كلامها، ومرت السنون وقذفت من في طريقها بلهيب الشوق والحنين واللوعة وحرقة الفراق، حيث سافر من سافر وتغرب من تغرب، وتزوج كل أولادها وتوفي بعضهم، وظلت العجوز وحدها تصلي وتطيل في صلاتها تطلب من الله سلامة الباقي منهم، وتمني النفس بلقياهم من جديد، والنظر في وجوههم، وزادت معاناتها وتلونت بكل ألوان العذاب، الوحدة والخوف أصبحا يلازمانها، تضاعفت أشواقها ومتاعب ظنونها من الموت والمرض وتلقي الأخبار السيئة. أيامها لم يدرك أحد سر لوعتها، وسر بكائها خلال الدعاء، لم يصل أحد لدواخلها الدفينة، وسر عذابها إلا حين رزقهم الله بالذرية فترى أغلبهم يحضن أولاده بخوف من عاديات الزمان، كل بطريقته، من يلقنهم دروس الحياة ليسايرها بنجاح، ومنهم من يعلمهم اجتياز نائبات الدهر، ومنهم من يلقنهم أن الحياة كما تمنح الفرح تمنح الحزن، وسافر كل في دربه يهيم على وجهه يحركه الخوف على أبنائه ومستقبلهم، كل بطريقته، ولكن كلها تشبه طرق الأم التي لا تزال تلجأ إلى الله لينصف ذريتها ويحميها. كل من تساءل عن سر إطالتها في الصلاة، أدرك معاني ذلك عندما وجد نفسه يجلس عند رؤوس أولاده وهم نيام يتمنى لهم موفور الصحة ودوام العافية، ومن مرض منهم تجد والديه لا ينامان الليل ولا النهار يصليان ويبتهلان لله سبحانه وتعالى طلبا للشفاء والنجاة، يبكيان بحرقة ولوعة، حينها فقط يرجع المرء لربه طالبا العون على الشفاء، لأن الخلاص لا يكون إلا على يديه، وليس المرض فحسب من يحرك العواطف ويزعزع المشاعر، وكذلك الفرح المغلف بالغموض كالإقبال على حياة أخرى والسفر لبلدان مختلفة، فتتكرر القصة من جديد، فجلس الكل يصلي ويبتهل لله أن ينجي أولاده ويسعدهم ويشفيهم ويرزقهم ويجعلهم في الدرجات العالية من العلم ويجعلهم من أحسن الناس، وينجيهم من عاديات الزمان ويبعدهم عن رفاق السوء..... لكبيرة التونسي lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©