الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترددات التراث والحداثة

ترددات التراث والحداثة
15 مارس 2012
ما هي سمات القصة الحديثة في سوريا؟ وهل تملك هوية متميزة تتطور في خط متنام عبر المراحل الزمنية المتتالية؟. وما الخصائص التي تنفرد بها عن القصة العربية عموماً؟. هذه الأسئلة كانت موضوع الباحث والناقد الدكتور رياض عصمت في كتابه “الصوت والصدى” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهو يعترف مسبقاً بصعوبة الإجابة عنها، فالبيئة العربية متشابهة الملامح الاجتماعية، كما هي متقاربة التطورات الفنية، بحيث لا تتميز المدارس الأدبية بين قطر وآخر، إلا بمدى تطوره الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك فهو يمضي في دراسته على مدى مئتين وأربع وأربعين صفحة، مؤكداً أن الهدف من بحثه ليس تاريخ القصة القصيرة في سوريا، ولا الإحاطة بجميع مراحل تطورها الجزئية، وإنما التحليل والنقد، ودراسة اتجاهاتها وتطورها. تيارات متجاورة يفسر عصمت في بداية دراسته أسباب تجاور التيارات الأدبية في القصة العربية، فيرى أن السبب الرئيسي هو انتقائية الفن في النصف الثاني من القرن العشرين، إضافة إلى أن العرب ورثوا فن القصة عن أوروبا التي ورثته بدورها عنهم في العهود القديمة. ولذلك، فإن القصة العربية تنحدر من مصدرين: التراث الأدبي القديم بملامحه السردية الشائقة، والأدب العالمي الحديث بدراميته وتجريبيته المتأثرتين بالأجناس الإبداعية الأخرى. ويضيف: لعل أنجح وألمع القصص العربية الحديثة هي التي نهلت من الينبوعين بشكل متوازن، فلا هي عاشت على وهم القديم الآفل، ولا هي حلمت بسراب الجديد المستورد. ولكن هذا التنوع في المصادر بقدر ما أغنى القصة العربية، بقدر ما أدى إلى اضطراب في تطورها، فهي تحافظ اليوم على مختلف الاتجاهات دون أن تبلور هوية خاصة مهيمنة. ويرى الكاتب أن القصة السورية عاشت تنوعاً هائلاً في الاتجاهات الفنية، من واقعية إلى رمزية إلى تعبيرية، وسواها، وفي الاتجاهات الفكرية من وجودية إلى ماركسية وفرويدية وسواها، فالتطور لم يكن يتم بالانتقال من اتجاه سائد إلى اتجاه آخر، وإنما كان مجرد تطور كل كاتب ضمن حدود مدرسته واتجاهه. وبالتالي، فالقصة في سوريا، لم تمر بمراحل متتالية فنياً. أصول القصة السورية رغم أن القصة القصيرة العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص تستمد أصولها وملامحها من القصة الأجنبية، والتي نشأت في القرن التاسع عشر، فإن أول ميلاد للأدب القصصي في العالم ـ كما يقول الكاتب ـ كان من أرض العرب، ثم انحدر إلى إسبانيا (الأندلس)، حيث ترك آثاراً لم يملك النقاد الإسبان أمامها إلا أن يشيروا إلى التشابه بين بطل مقامات الحريري وأبطال (الكدية) في أدبهم الإسباني، وكان أن امتدت التأثيرات الإسبانية متداخلة مع آداب بلدان أوروبية أخرى. ويعتبر الكاتب أن (نوادر حجا) التي تعود إلى القرن الثاني للهجرة هي البدايات الحقيقية لفن القصة القصيرة، وإن كان بعض النقاد يختلفون على ذلك. لكن الكاتب يرى أن الأسباب ذاتها التي تدعو بعضهم للاعتقاد بأن تلك المقامات والنوادر ليست قصصاً هي ما يؤكد العكس، لأن البحث عن الشيء الناقص في التراث هو بحث بمنظور محدث عن بدايات ما كان لها أن تملك الملامح المتطورة التي تبلورت بعد قرون عدة، ففي ذلك العصر لم يكن هناك شيء اسمه قصة قصيرة، ودراسة هذا التراث تترك بين أيدينا ملامح أساسية لفن القصة القصيرة، منها وجود المضمون الاجتماعي، وانسجامه مع الشكل. مواضيع ومضامين عالج كتاب القصة القصيرة السورية منذ نشأتها ما رأوه، لهذا كانت القصة دائماً تلامس الوجود الاجتماعي بكل مقوماته الأربعة: السياسة، والاقتصاد، والروح، والفكر. ومع أنها لم تكن في بداياتها على كثير من النضج، لكنها حققت خطوات رائدة، وهي: الصبوة إلى الواقعية، الجرأة في اختيار المواضيع والتطرق للموضوعات الاجتماعية المحرمة، والنقد الاجتماعي المباشر والصريح، وبساطة اللغة وسلاسة التعبير. وكان من أبرز المواضيع الاجتماعية والسياسية التي عالجها كتاب القصة السورية القصيرة، تتصل بالواقع والبيئة، ومنها: الظلم الاجتماعي، والنضال التحرري وقضية فلسطين، وذكريات من نشوة الماضي، وقصص الخرافة، بالإضافة إلى قصص الرحلات. ويؤكد عصمت على البعد الاجتماعي الواضح في القصة السورية، حيث انتقلت من الفن الجمالي الخالص بسرعة إلى الالتزام القومي والإنساني عبر مختلف المدارس الفنية، وفي مقدمتها (الواقعية الاشتراكية) من خلال فهم ناضج لها، كتجارب سعيد حورانية وعبد الله عبد، وسرعان ما تخلت شيئاً فشيئاً عنها كمدرسة أدبية، وتحولت إلى الرمزية، فظهرت محاولات تعبيرية وانطباعية في أعمال غادة السمان وهاني الراهب وناديا خوست. كما حققت تطوراً سريعاً في التقنية وتجديد الشكل، اقتداء وتمازجاً مع الأجناس الأدبية والفنون الأخرى، وتخلصت من الترهل النثري الوصفي، واقتربت من التعبير الشعري المكثف، كما في أعمال زكريا تامر وحيدر حيدر وأديب النحوي. وقد ازدهرت التعبيرية بوجه خاص، وتفرعت عنها القصة الفلسفية، وانتقل بعض الكتاب الواقعيين الفوتوغرافيين إلى محاولات التجديد، وظهر عدد كبير من الكتاب الشباب الذين ورثوا مغامرات من سبقهم، وسجلوا فتوحات جديدة، مثل أحمد داوود ونذير وكيل وحسن م يوسف وإبراهيم الخليل. عوائق ومشكلات وإلى جانب هذه الملاحظات النقدية الإيجابية، يسوق الكاتب عدداً من المشكلات التي عانت منها القصة في سوريا، ومن أهمها: عدم تبلور هوية واضحة للقصة السورية، فهي حائرة بين روح الحكاية التراثية والوصف الواقعي، وبين التأثر بالاتجاهات الأجنبية المجددة، ويبرز ذلك في أعمال عبد السلام العجيلي وحسيب كيالي وصميم الشريف وعبد العزيز هلال. وكذلك امتزاج الغث بالسمين في النتاج القصصي، بسبب ندرة الجهد النقدي الموضوعي، وشدة التعصب السياسي، وعدم التقدير الشائع في سوريا منذ القديم لكتّابها وفنانيها. ويشير إلى تأخر مستوى القصة القصيرة خلال مرحلة عشر سنوات، واقتصار تألقها على بضعة أسماء لم تنل فرصتها من الشهرة والانتشار، حتى أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وهذه النزعة السكونية تعكس من جانب آخر هموداً في روح التغيير الاجتماعي، واضمحلال الصراعات الفكرية والفنية من خلال سيطرة مفاهيم ثابتة وموجهة للثقافة والإبداع. وبالرغم من إيجابية الطروحات الجديدة والتزامها وتجديدها، إلا أن هذه القسرية والمراقبة عبر دور النشر والمؤسسات الإعلامية ساهمت في قتل مسيرة القصة. كما لعبت الحاجة المادية عند كتاب القصة وعدم تفرغهم الأدبي، عاملاً سلبياً، ولذلك تراجع اهتمام القصاصين بالقارئ، وبدؤوا بمعاملة القصة على أنها فن انتقائي موجه للنخبة. فيما اتجه آخرون لكتابة التمثيلية الإذاعية والتلفزيونية، فهي سهلة ومربحة مادياً، وتعيد التواصل مع الجمهور العادي، وإن كان ذلك على حساب القيمة الفنية والأدبية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©