الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مساجد «كولون»... هل تقلق الألمان؟

مساجد «كولون»... هل تقلق الألمان؟
12 أغسطس 2009 01:22
في العصور الوسطى، شرع سكان «كولون» معقل الكاثوليكية الألمانية في ذلك الحين، في بناء أكبر كاتدرائية في العالم. وفي عام 2010، سوف يكون لأبراج هذه التحفة الفنية الرائعة منافس ينازعها السيادة على خط أفق المدينة يتمثل في المنارات الصاعدة إلى السماء لأكبر مسجد يتم بناؤه في ألمانيا. وقد اتخذ موضوع بناء هذا المسجد طابعاً خلافياً منذ أن بدأت مناقشته لأول مرة عام 2001 لدرجة أن القائمين على أمره لم يحصلوا على رخصة بنائه إلا هذا العام فقط. بالإضافة لذلك، مثل بناء هذا المسجد الذي اكتنفته العديد من الشكاوى حول مسائل الضوضاء، وأماكن وقوف السيارات، وتأثيره المتوقع على قيمة العقارات القريبة منه، مصدراً مستمراً للقلق بالنسبة لألمانيا، التي تصطرع في الوقت الراهن مع تحدٍ ديمغرافي أساسي، يتمثل في زيادة عدد الأقلية الإسلامية فيها، وما يمكن أن تمثله من تهديد لثقافة أوروبا المسيحية برمتها. يعيش في «كولون» 120 ألف مسلم، وهو أكبر عدد من المسلمين يعيش في مدينة واحدة في ألمانيا. وهذا العدد آخذٌ في التصاعد، حيث تشير التقديرات إلى أن ثلثي عدد سكان «كولون» بحلول العام 2020 سوف يكونون من الأجانب الذين ينتمي معظمهم إلى أصول تركية. وإكمال بناء هذا المسجد المصمم لاستيعاب 2000 مصلٍ، سوف يكون بمثابة حفل تدشين واعتماد لهذه الأقلية المزدهرة التي عاشت لفترة طويلة على هامش المجتمع. والزيادة في عدد المساجد لا تقتصر على «كولون» وحدها. فعدد هذه المساجد الذي لم يكن يتجاوز أصابع اليدين، ارتفع الآن حتى وصل إلى 164 مسجداً، بالإضافة إلى 200 مسجد آخر قيد الإنشاء عبر ألمانيا، حسب تقدير «كلاوس ليجوي» المؤلف المشارك للكتاب الموسوم «المساجد في ألمانيا: بيوت عبادة وتحدٍ». تقول «نالان سينار» من حي «إثرينفيلد» المتعدد الجنسيات والذي سيقام المسجد الجديد فيه: «إن الأمر ليبدو كما لو كان حلماً وتحقق»، وعلى الرغم من أن السيدة «سينار» مثلها في ذلك مثل معظم المسلمات الألمانيات لا ترتدي غطاء رأس، كما لا تعتبر نفسها من المسلمات المتزمتات. إلا أنها تقول: «إن ذلك الإحساس بأن شيئاً جميلًا ينتمي لك هو إحساس لا يقدر بثمن». معظم المسلمين في ألمانيا من الأتراك الذين جاءوا إلى البلاد كـ «عمال ضيوف» في أوائل الستينات عندما ازدهرت أعمال إعادة إعمار ما تهدم من المدن الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية. والعدد الأكبر من هؤلاء العمال ظل مقيماً في البلاد، ولم يعد إلى بلاده، وأنشأوا منظمات اجتماعية، وصعد الكثيرون منهم درجات السلم الاقتصادي، حتى وصلوا في النهاية إلى المرحلة التي قرروا فيها أن الغرف المتواضعة التي كانوا يقيمون بها مشاعر الصلاة، والواقعة في الشوارع الخلفية لم تعد كافية، وأن الخطوة التالية يجب أن تكون إقامة المساجد ذات القباب، التي ترتفع منها المآذن. في البداية، كان المسلمون يميلون إلى إقامة هذه المساجد في المراكز الصناعية الهامشية، أما الآن فإنهم يقيمونها في قلب المجتمعات السكنية لشعورهم أنهم «عندما يقيمون شعائرهم بشكل سري، فإن ذلك يجعل باقي الناس يتخوفون منهم»، على حد تعبير «دينيز ديميريسي» المترجمة الألمانية من أصل تركي. يؤكد «ليجوي» أستاذ علم الاجتماع في جامعة «جيسين» هذه الفكرة بقوله: «المساجد تظهر مدى وجود المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وثقتهم بأنفسهم... وموقفنا الآن هو المزيد بناء المساجد، فنحن نبني لأننا نريد أن نبقى هنا». والأشياء موضع الرهان الآن، هي مكانة المسلمين في المجتمع الألماني، والمكان الذي ترغب الأغلبية الألمانية في وضعهم فيه». في العام الماضي، وافقت معظم الأحزاب الألمانية على بناء المسجد الذي سيتكلف 40 مليون دولار، بيد أن الحصول على تلك الموافقة لم يكن بالأمر الهين. فوجود المسجد في وسط منطقة سكنية مكتظة أغضب السكان، وهو غضب لم يقتصر على الموقع فقط وإنما على حجم المسجد، ومناراته التي يبلغ ارتفاعها ارتفاع برج مكاتب يتكون من 18 طابقاً. وقد تركزت المعارضة في جماعة يمينية متطرفة مؤيدة لـ«كولون» ومعارضة لـ«أسلمة معقل الكاتدرائيات في ألمانيا»، وهذه الجماعة حصلت على خمسة مقاعد في المجلس المحلي في الانتخابات التي أُجريت مؤخراً، فضلاً عن ذلك شهدت مدن برلين، ولوينجن، وهانوفر حوادث عنف واحتجاج مناوئة لبناء المساجد. مع ذلك، يمكن القول إن هناك دلائل نضج سياسي آخذة في الظهور. فعندما حاول 100 عضو من مؤيدي «كولون» عقد تجمع حاشد مناوئ لبناء المساجد في خريف العام الفائت تجمع عدة آلاف من السكان وتصدوا لهم. وقد قاد الحوار في «كولون» وغيرها من المدن الألمانية إلى الاتفاق على عدة نقاط منها تخفيض عدد المساجد المخطط بناؤها، والحصول على وعود من الجالية الإسلامية بعدم إذاعة الأذان من مكبرات الصوت. «المجتمع المتعدد الثقافات عادة ما يكون مجتمع مشحون بالصراعات»، هذا ما يقوله «نافيد قرماني» الكاتب المسرحي ذي الأصل الإيراني، ويضيف قرماني: «في هذه الحالة يكون السؤال: هل تتم تلك الصراعات بشكل عنيف أم تتم مناقشتها في العلن». البروفيسور «دايتر أوبيرندورفر» الخبير في الشؤون الإسلامية بجامعة «فرايبورج» الألمانية يتبنى رأياً قريباً من هذا، حيث يقول: «بشكل عام، يمكن القول إن بناء المساجد قد بات أمراً مقبولاً في ألمانيا، وهو ما يرجع لأننا لا نستطيع أن نقول للمسلمين من ناحية إننا نمنحكم حرية العقيدة، ثم نأتي بعد ذلك ونقول لهم ولكننا لا نوافق على منحكم أماكن للعبادة مع ذلك». إيزابيل دو بوميرو - كولون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©