الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسألة إرادة

مسألة إرادة
18 مارس 2011 18:59
يقول الكاتب الساخر مارك توين: «الإقلاع عن التدخين أسهل شيء في العالم .. أنا شخصيًا أقلعت عن التدخين ثلاثين مرة !» لم أفهم هذه العبارة بدقة إلا عندما قابلت (عادل).. كان (عادل) صديقي يعنى بصحته فعلاً، لكن هذا الاهتمام لم يبلغ درجة أن يتوقف عن التدخين مرة واحدة .. كان يحلم بتلك الأيام الخوالي، حينما كان بوسعك أن تكون قويًا صحيح الجسد رياضيًا وبرغم هذا لا تفارق السيجارة أصبعك. هكذا كان أبطال الأفلام القديمة يظهرون، بل أن هناك فيلمًا من الخمسينيات رأيته يتبادل فيه رجلان ضخما الجثة اللكمات بينما لفافة تبغ في فم كل منهما !. أما في الستينات ومع الوجودية وسارتر، فقد كانت السيجارة جزءًا من معالم وجه المثقف.. يبدو أن السجائر في ذلك الزمن كانت ألعاب أطفال تطلق دخانًا ولم تكن تحوي كل المواد السامة والمسرطنة التي نعرفها اليوم.. فجأة اكتشف الأطباء أن هذه اللفافات لا تحوي إلا السم، ومن يدخنها معتوه أو مريض نفسيًا يعاني رغبة جامحة في الانتحار، ثم ظهرت الكارثة الأخرى: التدخين السلبي. من حق كل واحد أن يطلق الرصاص على رأسه لكن ليس من حقه أن يقتل الآخرين.. التدخين السلبي يفعل ذلك، ومن يدخن قاتل يؤذي الناس والمجتمع. عندما يذهب المرء لأوروبا اليوم يشعر كأنه لص يختلس سيجارة عندما لا يراه أحد ... يبدو أن السجائر عرفت سمعتها السيئة وقررت أن تكون شريرة كما أرادوا لها .. هكذا قرر عادل أن يقلع عن التدخين. خطته كانت بسيطة هي أن يكتفي بشرب الشيشة (النارجيلة). قلت له إن النارجيلة تطلق دخانًا يعادل عدة سجائر معًا فلم يصدقني .. وهكذا صار كلما احتاج إلى دخان يقصد مقهى قريبًا ليدخن حجرًا أو حجرين .. ثم عرفت أنه صار يفعل ذلك سبع مرات يوميًا! دائمًا يتحدث عادل عن أنه أقلع عن السجائر، لكنه لا يرفض أي شخص يقدم له واحدة .. وبما أنه اجتماعي جدًا، فإنك تجد السيجارة في يده دائمًا. لم يحاول العد قط لكنه في ذات يوم أدرك أنه قابل عشرين شخصًا مدخنًا اليوم، وهذا معناه ................ بفرض طبعًا أن الواحد لم يقدم له سوى سيجارة واحدة ! السياسة الأخرى للإقلاع، هي أنه ابتاع عشر علب سجائر، وترك واحدة عند كل صديق أو في كل مكتب يمكن أن يقصده .. هكذا يزورك في دارك وبعد التحيات يطلب لفافة تبغ من علبته، يشربها حتى الثمالة ثم يودعك لأن عنده موعدًا في مكان آخر .. لا تندهش لو جاءك بعد منتصف الليل فهو لم يأت لك أنت. كذلك يقوم عادل بقص السجائر إلى نصفين .. عندما تستبد به الرغبة يشعل نصفًا ويدخنه. النصف الآخر يلصقه بشريط لاصق إلى فلتر سجائر قديم. لهذا تجد عنده في غرفة مكتبه كومة من أنصاف السجائر تنتظر لصق الشريط لها ... لكنه يقنع نفسه بأنه لم يدخن سيجارة كاملة وإنما اكتفى ببضعة أنفاس تهدئ رغبته .. هكذا يوم عادل مشغول جدًا .. بين هذا المقهى وذاك حيث يدخن النارجيلة، ثم يهرع لداره ليدخن نصف سيجارة، ويسرع لبيت صديق له ليأخذ سيجارة من ممتلكاته المبعثرة، وفي هذا الوقت يكون ثلاثة أو أربعة قد عرضوا عليه سيجارة فقبلها في سرور .. عندما زرته في المستشفى وقناع الأكسجين على وجهه وهو يجاهد للتنفس، توسلت له أن يقلع .. يقلع عن محاولة الإقلاع. عندما كان يدخن علنًا كان يدخن عشرين سيجارة يوميًا، أما اليوم بعد محاولة الإقلاع فلا بد أنه يقترب من ثمانين سيجارة !. توسلت له من أجل أطفاله وأصدقائه أن يكف عن الإقلاع بطريقته ويعود كما كان !. لكنه قال لي إن طريقته ناجعة لأنها تميل للتدريج ولا تعرض أعصابه لصدمات مفاجئة. قالها وهو يضغط قناع الأكسجين على وجهه. كان يريد الاطمئنان إلى أن هؤلاء الطغاة – الأطباء – سوف يسمحون له بالخروج بسرعة من المستشفى ليعود لجهوده الناجحة في الإقلاع . ـ»إنها مسألة إرادة .. وما دامت مسألة إرادة فهي لعبتي !!» د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©