الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبراهيم سند: التراث «طاقة قدر» و.. انفتحت لي

إبراهيم سند: التراث «طاقة قدر» و.. انفتحت لي
5 مايو 2010 20:16
لا يبدو حالماً حين يطالب بوجود كتاب أو أغنية أو مسرحية لكل طفل، أو إطلاق جوائز تشجيعية تكرم الأطفال المتميزين في شتى نواحي الإبداع، أو تشجيع التوجه لإنتاج كتب خاصة بالصغار من قبل الدولة وتخصيص جوائز تقديرية للكتاب المتميز الخاص بالصغار، وهو هنا لا يتحدث عن المبادرات البسيطة التي تقوم بها بعض المؤسسات هنا وهناك بل عن التشجيع المدروس والممنهج المعني بالإبداع لا بالبهرجة الإعلامية والاحتفالات الموسمية. فالكاتب والباحث البحريني إبراهيم سند رئيس الدراسـات والبحوث بقطاع الثقافة والتراث الوطني في وزارة الثقافة والإعلام البحرينية، يدرك جيداً أنه حين يقول كلاماً من هذا النوع فإنما يتسق مع ما يجري على الصعيد العالمي ومستجدات العناية بأدب الطفل. صحيح أن واقع أدب الطفل ليس جيداً في عالمنا العربي، وصحيح أيضاً أن غالبية ما يقدم له ينبع من جهود فردية لا مؤسساتية مما يجعل النتائج محدودة وقاصرة، لكنه يعلم في الوقت نفسه أن مؤشر التنمية يفرض هذا النوع من الاهتمام بالطفل، وأن صناع المستقبل هم في عين الاهتمام التنموي في العالم وما على العرب إلا أن يستفيدوا من تجارب الأمم على هذا الصعيد. يؤكد إبراهيم سند أن واحدة من أهم مشكلات الكتابة للطفل تلك المتمثلة في عدم التراكم الإبداعي، فالانقطاع والتشتت وعدم الديمومة سمات واضحة في تجارب كتاب الطفل ليس في البحرين فقط بل في العالم العربي بشكل عام، ولا يكاد ينجو من هذا التوصيف سوى قلة قليلة. ويعيد سند السبب في ذلك إلى اعتبارات وعوامل عديدة منها: ارتفاع تكلفة الكتاب الموجه إلى الطفل طباعة وتسويقاً وتوزيعاً، وصعوبة اجتراح الأفكار الجديدة القادرة على منافسة وسائط الاتصال العولمية التي غزت عالم الأطفال وبهرتهم، والنظرة النمطية التي ينظر بها المجتمع الى كتاب الطفل قياساً بمن يكتبون للكبار، كل هذه وغيرها تجعل الكتابة للطفل عملاً فدائياً بامتياز، وفيه من الجلد والصبر والمعاناة ما يجعله مثل “النقش في الحجر”... وأشياء أخرى كثيرة يفصح عنها في هذا الحوار. الشغف وما تلاه ? ما الذي أخذك إلى عالم الطفل؟ ? الشغف، هذه هي كلمة السر في علاقتي بأدب الطفل وعوالمه المسرحية. وربما بسبب الموهبة وجدت نفسي في هذا العالم الذي فتح لي أبوابه السرية وأدخلني إلى حقوله الإبداعية الفسيحة. لقد استولى عليَّ عشق الطفل وأدبه وأخذ بمجامع قلبي وفرض سطوته على الروح والقلب. لم أكن أملك الكثير من الأحلام في البداية، كان همي أن أكتب شيئاً جيداً للطفل وأن أقدم له ما يرتقي بعقله ويداعب قلبه ويمتعه ويسليه. لم يكن من السهل تحقيق هذه المعادلة بين إمتاع الطفل ومؤانسته وبين إفادته في الوقت نفسه. لكن الدأب والإصرار فتحا لي باباً رحباً على منطقة ثرة وغنية وحقولاً بكراً لم تطأها الأقلام إلا لماماً، أعني تراث الطفل في البحرين الذي ما إن توغلت في كهوفه السحرية حتى وجدت أمامي كنوزاً لا عد لها ولا حصر. وفيه وجدت بعض ما يشبع شغفي لتقديم حكاية جميلة وممتعة للطفل وتتناسب في الوقت نفسه مع معطيات العصر وطفل هذا الزمان الذي يختلف تماماً عن طفل الماضي لجهة انفتاحه المعرفي وتعدد وسائط الحصول على المعلومات من التلفاز إلى الإنترنت إلى الأقراص المدمجة وغيرها. كان عليَّ أن أواجه تحدياً صعباً في موضوع هو في الأصل صعب او من السهل الممتنع، فأدب الطفل خلافاً لما يعتقد غالبية المثقفين والمبدعين وحتى العامة هو أدب صعب، يحتاج الكثير من الصبر والتجدد والمتابعة ومواكبة كل جديد ومؤثر في حياة الطفل. وربما لهذا السبب توجد ندرة في الكتابة للطفل، وقلة من المبدعين يتصدون لهذه المهمة الشاقة، وحتى هذه القلة غالباً ما تتعب فتتوقف أو تنتهي أو تهاجر الى مجالات إبداعية أخرى. من هنا، يمكن القول إن أدب الطفل يفتقر إلى الديمومة والاستمرارية ولكي يتحقق هذا لا بد من اجتراح أفكار جديدة واكتشاف عوالم مفاجئة وقادرة على إثارة دهشة الطفل. بالنسبة إليّْ كنت ومازلت أطمح الى الاستمرار في هذا المضمار، وقد وجدت بغيتي في التراث الذي خدمني كثيراً في مشروعي ليس في القصة فقط بل في المسرح أيضاً. وقد أتاح لي عملي في مجال الآثار وعبر البحث والتنقيب أن أقع على تراث زاخر وحافل بالكنوز التي يمكن صوغها وإنتاجها بطريقة تناسب العصر سواء أكانت حكايات شعبية أو ألعاباً أو ألغازاً أو توظيفها في أدب الطفل بطريقة تسهم في الارتقاء بوعيه وزرع مشاعر الانتماء في أعماقه... وكأن “طاقة القدر” فتحت لي، فأخذت أغرف من هذا التراث ما يخدم توجهي الإبداعي ويغني عالم القصة أو المسرحية، وفي توظيفي لهذا التراث حاولت التواؤم مع وسائل التربية والتعليم الحديثة. وقد أفادني موقعي كمدير لمهرجان الثقافة والتراث في البحرين في التعمق بالتراث ومعرفة جوانبه المختلفة، حيث كونت فرقاً لجمع التراث تتوزع على مختلف مناطق البحرين وليس المدن فقط، هذه الفرق استطاعت جمع الكثير من التراث الذي تم تنقيحه ودراسته وإصداره في كتب بعضها خاص بالكبار وبعضها يتوجه للصغار (حكايات وأشعار وأغان)، رغم ذلك أظن أن هناك الكثير من المباهج التراثية التي لم تسلمني روحها بعد، والتي تدعوني إلى سبر أغوارها واكتشافها لأن التراث كنز لا تفرغ خزائنه. لا مكان للتقديس ? البعض يرى أن تطوير التراث مسألة خطرة ولا ينبغي الاقتراب منها إلا بشكل محسوب ومن شخص يدرك ما يفعل ويعرف قيمة التراث وأهميته؟ ? هذا صحيح، بل وهو توصيف دقيق للطريقة المثلى في التعامل مع التراث بقصد تطويره أو تحديثه. أعتقد أن ليس هناك ما يمنع تطوير التراث إذا كان هذا يخدم العملية الإبداعية خاصة ما يحتمل منه ذلك، ومنه أغاني الأطفال التي يمكن لتطويرها أن يخدم قضية انتشارها. إن النص التراثي ليس نصاً مقدساً، ويمكن تطويره ونشره بدلاً من أن يبقى مجرد مقتنيات أو معروضات محصورة في المتاحف وبيوت التراث وقراه. بل ويمكن تعميمه لكي يكون في متناول جميع الناس بدلاً من أن يكون خاصاً بمجموعة معينة. ? ماذا عن تجربتك الشخصية في توظيفه؟ ? في محاولات توظيف التراث في قصة الطفل أو مسرحياته لا أسعى إلى إنجاز نسخة أو “كوبي” عن الحكاية الشعبية. ليس هناك ما هو أسهل من أخذ حكاية شعبية وإجراء بعض التعديلات عليها أو كتابتها باللغة العربية الفصحى وما أكثر مثل هذه الكتب. عني شخصياً أشعر أنني في تحد حقيقي أمام طفل اليوم، وهو طفل يختلف في كل شيء عن طفل الأمس؛ في اهتماماته وميوله ورغباته وقدراته المعرفية ومهاراته فضلاً عن الفضاء المفتوح أمامه من كل الجهات، هذا يعني أن طفل اليوم أكثر إبداعاً ومقدرة على إجراء المحاكمات المنطقية لما يقرأ، ولكي تنجح في جذبه والتأثير عليه لا بد أن تقدم له نصاً بهذا المستوى. ومن القضايا التي تشغلني، على سبيل المثال لا الحصر، مما نفتقده في ثقافتنا العربية، فضيلة الاعتذار عن الخطأ. بعضهم يعتبرها تقلل من قدره أو ذاته، في حين أنها نوع من احترام الذات قبل احترام الآخرين، وقد حاولت إيصال مثل هذا المعنى للطفل وبناء شخصيته على هذه الثيمة الثقافية الحسنة عن طريق نص جميل تتوافر فيه المعايير الفنية والمتعة والخيال والمغزى التربوي. يوم واحد فقط ? ترجمت مسرحيتك “يوم واحد فقط” إلى اللغة السويدية واعتمدت من قبل وزارة التربية بالسويد لتدرس هناك؟ ماذا يعني لك ذلك؟ ? ككاتب يشغلني الطفل في كل مكان، وحين أعبر عن أي موضوع أو فكرة لا أتوجه إلى طفل بحريني أو خليجي أو عربي، بل أحاول استشراف ما يحبه الطفل بوصفه طفلاً، وفي هذه المساحة الإنسانية المشتركة لا أرى أي فارق بين طفل يعيش في الخليج أو في أوروبا او اليابان خاصة لجهة الاحتياجات النفسية والعاطفية والفكرية والاجتماعية. ربما يختلف الأطفال في مراحل لاحقة حيث تجري قولبة الطفل بعد أن يغادر مرحلة الطفولة. وهنا يمكن الحديث عن بيئتين أو طريقتين في التربية: بيئة حاضنة للإبداع تنميه وتصقله وهي البيئة الأوروبية واليابانية أو الدول المتقدمة بشكل عام، وبيئة طاردة للإبداع لا توفر له لا التربة ولا الماء ولا الهواء ولا أي شكل من أشكال العناية وهذه للأسف بيئة العالم العربي التي تموت فيها البذرة قبل أن ترى الشمس. المشكلة إذن في البيئة والاهتمام، ولو توافرت البيئة الصالحة يمكن أن يكون لدينا مفكرون ومبدعون يخدمون أوطانهم ويخدمون الإنسانية. ويجري على الأدب ما يجري على غيره من حقول المعرفة، مع فارق بسيط لكنه حاسم يتمثل في المبدع: ليس على المبدع أن ينتظر توافر البيئة المؤاتية بل عليه أن يسعى إليها، أن يخلقها، وأن يعمل وينتج ويقدم من الإبداع ما يحرك الراكد ويستثير الساكن وأن يكف عن الشكوى والتذمر وجلد الذات الذي بات لازمة تتكرر في حديث المثقفين العرب. على المبدع أن ينتبه لإبداعه، أن يهتم بنفسه وتطوير عمله وإنتاجه وحينها سوف يصل في يوم ما. أما كيف وصلت قصتي الى السويد فالفضل في ذلك يعود الى الناقد المسرحي العراقي فاضل جاسم الذي صدف أن زار البحرين ورأى مجموعة من أعمالي القصصية والمسرحية، ولما اطلع عليها أعجبته فكتب تقريراً إلى وزارة التربية في السويد فما كان منها إلا أن اعتمدته ككتاب للأطفال. وربما يصعب علي وصف أثر ذلك في فقد شعرت بأن علي أن أنتج أعمالاً أفضل وأكثر إبداعاً في المستقبل. فالعمل الفني ليس “سلق بيض” ولا بد من أن تتوافر في كتاب الطفل كل عناصر النجاح والجذب. كنوز على حالها ? لديكم في البحرين تجارب مميزة في جمع أغاني الأطفال وتطويرها، هل تطلعنا على أهمية هذه التجارب وما قدمته؟ ? التراث بحر كبير وعميق ومن يعمل فيه لا بد أن يكون غواصاً ماهراً ليحظى بما فيه من كنوز ولآلئ، أعني التخصص الذي يفتح أبواب المعرفة على مصاريعها للراغب في اقتناصها، ولهذا تخصصت في ما يخص الصغار. أما على صعيد الوزارة فقد تمكنت من خلال فريق الجمع من إنتاج أكثر من مشروع، منها على سبيل المثال مشروع أغاني الصغار. وهو مشروع واسع لأن الأغاني الموجهة للطفل كثيرة وشديدة التنوع، وهو موروث ضخم يرافق الطفل في جميع مراحل نموه، وفيه الكثير من الألوان التي يمكنها أن تضفي على الأغنية المقدمة للطفل جماليات نفتقدها في الأغاني السائدة على ندرتها. ولهذا قسمنا أغاني الصغار الى عدة أقسام منها: أغاني المهد وهدهداته، وأغاني الترقيص، وأغاني التعليم وكل هذه تندرج تحت باب الأغاني التي تغنى للطفل، وهناك باب آخر هو الأغاني التي يغنيها الطفل نفسه مع أصحابه في “الفرجان” في المناسبات المختلفة كالأعياد وحلول شهر رمضان ونزول المطر أو أثناء اللعب. ومما يؤسف له أن ثراء أغاني الأطفال التراثية لا ينعكس على أغاني الأطفال الحالية التي تتسم بفقر شديد وبـ “أنيميا إبداعية”، فأطفالنا يعنون أغاني الكبار التي تتحدث عن أشياء بعيدة تماماً عن عالمهم كالحب والهجر والخصام والفراق واللوعة وغيرها مما يسهم في تشويه الطفل وتدمير وجدانه في حين أن الأغاني التراثية النظيفة التي تلبي احتياجات الطفل النفسية والاجتماعية والفكرية والابداعية ظلت على حالها، مهملة، ومتروكة من قبل المغنين وكتاب الكلمات، الذين لا يخطر في بال أي منهم أن بإمكانه أن يفتح كنز “علي بابا التراثي” لو وضع قدمه على أول السلم المؤدي إلى مدينة التراث. أشكال عصرية ? هل فكرتم بإنتاج أغاني الأطفال وحكاياتهم في أقراص مدمجة او كاسيتات او غيرها من الوسائط الإلكترونية؟ ? لدينا أكثر من تجربة في هذا المجال منها، على سبيل المثال، تجربة الفنان يوسف محمد الذي أنتج أكثر من كاسيت للأطفال ونجح نجاحاً كبيراً، وتستخدم أشرطته في كل المناسبات الاجتماعية. ومما يميز التجربة أن الفنان قام بتطوير ألحان تراثية وقدمها في شكل عصري يخاطب أطفال هذا العصر وعوالمهم المفتوحة على المعرفة اللانهائية. وهناك تجربة أخرى جميلة للفنان عصام جودة وهو من رواد الموسيقى في البحرين. ونحن نعتز بمثل هذه التجارب وهناك تعاون بيننا وبين المطربين والفنانين والمثقفين لمدهم بالمعلومات التراثية الصحيحة والموثقة توثيقاً علمياً ودقيقاً ورصيناً. ? ما هي الفائدة من التراث في هذا العصر الذي يمضي قدماً إلى كل ما هو عولمي وكوكبي؟ ? لا شك في أن جمع التراث وحفظه والعناية به سيسهم في تعميق الهوية العربية لشعوب المنطقة، وفي تعزيز النمط الوحدوي في التفكير العربي، فالتراث الشعبي في العالم العربي يكاد يكون واحداً، وهو يتشابه في نواح كثيرة. إنه واحد من أهم مقومات ودعامات وحدة الضمير العربي الجمعي، وما الفروقات الطفيفة التي تظهر هنا وهناك سوى اختلاف اللهجات أما اللغة والمضمون فواحد. والمثل أو الحكمة أو الحكاية التي تحكى هنا تتشابه مع تلك التي تروى في دول عربية أخرى، الفارق يكمن في النطق او اللهجة فقط. وأعتقد أن الاهتمام بالتراث على الصعيد القطري أو المحلي مطلوب ومهم شرط ألا يتحول الأمر الى تقديس لأننا حينها سنتحرك في دائرة مغلقة، ونتقوقع على انفسنا، ونعيش بعيداً عن إيقاع الحياة والعصر. التراث لا يعني الإنغلاق ولا التقوقع بل الانفتاح على الآخر ومعرفته. التراث يحمي من التعصب والعنصرية ورغبة الإقصاء لأنه يكشف لك أن تراثك المحلي هو في الوقت نفسه تراث عالمي. في التراث ما يؤكد على أن الحكمة ضالة المؤمن، وأن المعرفة ليست حكراً على احد. وهناك نصوص تكاد تكون متشابهة في كل العالم، يتذوقها كل الناس وفي كل البلدان والثقافات. حكاية سندريلا على سبيل المثال موجودة لدى كل الشعوب، وعندما تحكى لأي طفل في أي بقعة على وجه الأرض يحبها ويعجب بها وتسحره أساطيرها وأحداثها، والسبب في هذه المتعة هو أنها تتحدث عن قضايا كونية وإنسانية عامة مثل القهر والظلم، كما أنها تنمي خيال الطفل وتسهم في تعزيز نسقه القيمي ومنظومته الأخلاقية. والتراث إضافة الى كل ذلك يمثل دعوة للحب والتسامح وفهم الآخرين. شخصياً لا أفهم لماذا الإصرار على وصف تراث ما أو ثقافة ما بأنها أصيلة، لأن مجرد الاسم نفسه يوحي بأن ثقافة الآخرين غير أصيلة. وفي كل مجتمع يوجد أعراق وطوائف واديان ومذاهب والتراث يعبر عن الجميع وينبغي جمعه من دون تعصب. متعة وثقافة وبحث عن المشترك الإنساني في «كلمة سحرية» يقول إبراهيم سند عن أحدث إصداراته الإبداعية وهي مجموعة قصصية بعنوان: “الكلمة السحرية” تتوج علاقة عمرها عشرون عاماً مع أدب الطفل: هي مجموعة تضم ست قصص حرصت على صياغتها صياغة جديدة تتوافر لها معايير القصة الطفلية الحديثة. ورغم تركيزي على المغزى والهدف في صياغتي للقصص لم أنس تقديم رؤية جديدة للطفل، فكل الأفكار قد تكون استهلكت من خلال “ألف ليلة وليلة” أو “كليلة ودمنة”، لهذا كنت أمام تحد حقيقي في هذه المجموعة وآمل أن أكون قد وفقت في تقديم ما يقنع الأطفال. والقصص تحوي دروساً تربوية مختلفة، دمجت فيها بين النواحي الإبداعية والنواحي التربوية، واخترت الرسوم بما يحقق هذا الهدف، كذلك أضفت مفتاحاً لكل قصة يحتوي على موجز للقصة وعرض للأفكار التي تتوافر عليها، لكي يتسنى لولي الأمر أو الموجه التربوي معرفة المغزى، وارتشاف محتواها على نحو عميق يساعده في إيصال الفكرة للمتلقي الصغير، وهذا أمر جديد ليس فقط على مستوى القصة في البحرين وإنما على مستوى الوطن العربي. الى ذلك، حرصت على أن تحمل القصص بالإضافة الى الدروس التربوية قيم العصر الإيجابية التي يمكن من خلالها للأطفال التعاطي مع معطيات عصرهم وما يحيط بهم في حياتهم. ففي قصة “الرحيل إلى الجنوب” أؤكد قيمة حب الوطن وأهمية الحفاظ عليه وحمايته وفي الوقت ذاته يتعلم الأطفال مهارة تحدي المصاعب، أما في حكاية “الكلمة السحرية” فأعلمهم بشكل غير مباشر مهارة الاعتذار، وفي قصة “ماذا تمنت النملة أن تكون” أعلمهم الثقة بالنفس وألفت الانتباه الى أهمية تنمية الشعور بالذات عند الطفل، فنحن ننظر للطفل كما لو أنه “سوبر مان” ينبغي أن يكون متفوقاً في كل شيء وفي كل المواد الدراسية متناسين أن لكل طفل قدراته وميوله التي تجعله متميزاً في مجال وعادياً في مجال آخر. بجانب ذلك كله حددت السن المناسب لتلقي هذه القصص (من 7 إلى 13 سنة)، وهذا الأمر على أهميته لا يوجد إلا بشكل نادر في قصص الأطفال العربية، حيث لكل فئة عمرية خصائص اجتماعية ونفسية ينبغي على كاتب الطفل أن يلم بها إلماماً واسعاً. أخيراً، أعتقد أنني قدمت في هذه المجموعة الشكل والمتعة والثقافة في غلاف واحد، وإلى جانب المضمون اهتممت بالشكل وبالورق والطباعة والرسوم والألوان الجميلة والمعبرة وحتى نوعية البنط المستخدم في الكتابة، وحاولت قدر جهدي أن أعرض العناوين بشكل جذاب يحرك خيال الأطفال. ويرجع السبب في اهتمامي بالشكل إلى أن الطفل يعتمد كثيراً على حاسة البصر ويتعلم عبرها أسرع ويبقى ما تعلمه راسخاً. وآمل أنني استطعت أن احقق التوازن بين الشكل والمضمون في هذا العمل. وقد سعيت في هذه المجموعة إلى إشاعة خطاب مختلف لدى الصغار، وأردت أن أوضح لهم بأن ثقافتنا العربية ليست بديلًا عن الثقافات الأخرى وأنها لا تترفع على ثقافات الآخرين، وأنه ينبغي احترام كل الثقافات حتى لو لم نتفق معها تماماً. وعليه، يمكن القول إنني بحثت عن الكوني والمشترك الإنساني في ثقافتنا وتراثنا لكي أخاطب كل الأطفال، وفي أي مكان، وأوصل لهم مجموعة من القيم والأفكار الإنسانية التي تدعو الى الخير والمحبة. وهي قيم عالمية موجودة في كل المجتمعات وبين جميع البشر. لا أحد يرفض التعاطف مع المظلوم أو الضعيف ولا أحد يقبل الكذب والعنف والخداع وكلها قيم تجد إجماعاً لدى الأطفال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©