الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الشادوف».. حكاية النهر والإنسان

«الشادوف».. حكاية النهر والإنسان
5 مايو 2010 20:09
عدا لوحة محمود سعيد “الشادوف”، التي حظيت بالثمن المادي الأعلى قيمة في مزاد “كريستيز” الذي أقيم في دبي الأسبوع الماضي، حيث بلغ سعرها مليونين وأربعمائة وأربعة وثلاثين دولاراً (ثمانية ملايين وتسعمائة وتسعة وثلاثين درهماً إماراتياً)، أي بأكثر من عشرة أضعاف قيمتها التقديرية الأولية التي بلغت ما بين 150 ألفاً إلى 200 ألف دولار أميركي فقط.. عدا هذه اللوحة. جذبت أعمال عدد من الفنانين المصريين أضواء ساطعة على المستويين المادي والنقدي ـ الإعلامي في هذا المزاد. وعلي الرغم من أن عمل الفنان الإيراني برويز تنافولي الذي حمل عنوان “الشاعر والقفص” قد جاء في المرتبة الثانية من حيث السعر، بعد “الشادوف”، إلا أن المراتب من الثالثة حتى السابعة جاءت من نصيب أعمال فنانين مصريين هم حامد ندا ومحمود مختار وعبدالهادي الجزار، وكذلك المرتبة العاشرة التي كانت لمحمود سعيد نفسه أيضاً. هذا في حين حصد الفن الإيراني المرتبتين الثامنة (لعمل أفشن برهاشمي بعنوان “نشوة”) والتاسعة لعمل الفنان المتخصص بالاشتغال على السجاد الفارسي فرهد موشيري بعنوان “السجاد الطائر”. الفنانون المصريون، عرضت لهم 25 لوحة من مجموعة مقتني الأعمال السعودي محمد سعيد فارسي، وشملت أعمالاً لفنانين مهمين في العالم منهم محمود مختار، راغب عياد، عبدالهادي الجزار، حامد ندا، سيف وانلي وأدهم وانلي، آدم حنين، إنجي أفلاطون، وتحية حليم وغيرهم، وبيعت أعمالهم جميعها بأرقام فلكية إذا قيست بالعملة المصرية، أو بالأسعار التي تباع بها في مصر. أما أعمال بقية الفنانين من الكبار مثل السوريين فاتح المدرس ولؤي كيالي، والعراقي ضياء عزاوي، فحظيت بأرقام جديدة في عالمها لم يسبق أن بيعت بمثيلاتها، لكنها ليست الأرقام الخيالية التي حصدها محمود سعيد وغيره بصورة مفاجئة وغير مسبوقة. معرض المزاد اشتمل على مائة وخمس وعشرين لوحة، لفنانين من مصر والعراق وسورية والسعودية والإمارات والجزائر وليبيا وتركيا وغيرها، وضم أعمال التلوين والتصوير والنحت، فكان فرصة للاطلاع على أعمال فريدة لعدد من كبار الفنانين العرب والإيرانيين خصوصاً. ونحن هنا نلقي نظرة على أبرز ما احتوى المعرض من أعمال، وأهم التجارب الفنية فيه. سجادة وشعر فارسي منحوتة الإيراني برويز تنافولي التي حملت عنوان “الشاعر والقفص” تجسد ضريحاً يرتفع من مواد مختلفة خشبية ومعدنية تتخللها كتابات لقصائد شعراء من القرن السادس عشر. إذ يشكِّل الشعراء محوراً مهماً في الأعمال النحتية للفنان تنافولي، ربما لأنه يعتبرهم الأكثر تحرُّراً بين بني البشر، ويحلِّقون بأشعارهم من دون قيود أو حدود. ويلتقي الشِّعر وفنّ العمارَة في سلسلة منحوتات الشعراء التي أبدعها هذا الفنان، فالأجسام تتشكِّل من أشياء تبرز فنّ العمَارة الإسلاميّ، فيما تغطي نصوصٌ شعريةٌ مُستغلقة وغير مفهومة جانباً من الجسم. ويشكِّل القفصُ صَدْر هذا المجسَّم البرونزي الذي يشير إلى بيت العندليب. ويلعب الفنان الإيراني فرهد موشيري بعدد كبير من قطع السجاد الإيرانية مصفوفة فوق بعضها بعضاً، فيُعمل بها المقص ليقتطع منها شكلاً هندسياً يشكل بدوره قطعة فنية توأما للقطعة الأولى. إذ تظهر اللوحة 32 سجادةً تخترقها طائرةٌ مقاتلةٌ، وتقابلها خِرَقٌ من سجاد على شكل طائرة مقاتلة، لترسل هذه اللوحة الكثير من الإشارات المتباينة الرمزية. أما الإيراني الثاني أفشن فيصور بالكاميرا ثلاث نساء في أحوال مختلفة تجمع بينهن حالة النشوة الظاهرة في العيون. وإضافة إلى هؤلاء، هناك الإيرانيون محمد إحسائي، وتشارلز حسين زندروني، وعلي عمر إرميس، إلى جانب عدد من الفنانين الإيرانيين مثل واي. زد. كامي، ورويا أكهافان، ومحمد باخشي، وعدد من الفنانين الأتراك مثل نوري كوزوكان وفاهريلينسيا زيد وشكران مورال. تجارب عربية باهرة مصرياً يبرز الفنان الملقب بـ”رائد السريالية الشعبية”، الفنان حامد ندا (1924 ـ 1990) ـ يقال إن اسم ندا جاءه من جدته الخامسة لأمه قطر الندى ـ الذي بيعت لوحته “ليلة الحنة” بستمائة ألف دولار تقريباً، متساوية في ذلك مع عمل للمصري الآخر محمود مختار. ندا الذي قيل إنه تشرب الدين والواقعية من والده، ونهل الفن والخيال من جده، فعاش حالة من التناقض غذتها فيه بساطة بيت والده في حي القلعة، وفخامة قصر جده الكبير في حي البغالة، يرسم كما لو كان سلفادور دالي. وكثيراً ما أشار ندا إلى مدى تأثره برسوم الأطفال، فمنهم تعلم قيمة الجرأة في الفن، وإطلاق العنان للخيال الفني بعيداً عن القيود الاجتماعية والأكاديمية، وقد زخرت أعماله الفنية بما تحويه من “شقاوة وبراءة” فنونهم وعفويتها. وبعيداً عنه يبرز اللبناني ـ الفلسطيني بول غيراغوسيان بتكويناته المتشابهة والمختلفة في آن، حيث المجاميع البشرية (الأنثوية غالباً) والألوان الهادئة التي يطغى فيها الأخضر. كما يبرز الفنان العراقي ضياء العزاوي بمنحوتاته الاسطوانية ذات اللون الأزرق الكحلي والكتابات المأخوذة من قصيدة الجواهري الشهيرة “دجلة الخير”. أما فاتح المدرس فيحضر عبر عدد من اللوحات المكرسة لتصوير الوجوه، فتظهر الأشياء في اللوحة متصلةً متواصلةً فيما بينها، كما تتساوى وتتماهى الأجسام والأشكال مزيلةً كافة الحواجز بينها. ويمكن تشبيه ذلك بلوحة فسيفسائية تظهر تدفقاً طبيعياً من البشر والوجوه والنساء والأطفال، فيما بين السماء والأرض. بينما يحضر الفنان السوري لؤي كيالي أحد المؤسسين في الحركة التشكيلية السورية عبر شخصياته النمطية المعروفة في بلاد الشام. كما يحضر أحمد معلا بحشود بشرية في لجّة العاصفة، كما لو أنّها هاربة من حريق أو زلزال أو لعنة إلهية. ونساء مسربلات بالألم والفجيعة في مسرح كوني، ورجال بلا ملامح يكتبون مراثي الحياة في حركة لولبية مستمرة ومحتدمة بالتحولات. ويأتي الفنان التشكيلي الليبي علي عمر الرميص (وُلد 1945) بلوحة ذات حضور باهر للحرف العربيِّ. وتظهر هذه اللوحة أحادية اللون من خلال اللعب بحرف الحاء أبياتاً شهيرةً قالها أبوفراس الحمداني مُعاتباً فيها سيف الدولة يقول فيها: صبورٌ ولو لم تبقَ منيّ بقيةٌ قؤولٌ ولو أن السيوفَ جوابُ وما كلُّ فعّال يُجازى بفعله ولا كلُّ قوّال لدي يجابُ وربَّ كلام مرَّ فوقَ مسامعي كما طنَّ في لوح الهجير ذبابُ وأما لوحة “نجمة” للفنان المصريّ المقيم في نيويورك يوسف نبيل (وُلد 1972) فمأخوذة من مجموعة مُقتنيات أوروبية خاصّة، وتعود هذه اللوحة إلى عام 2007. الصُّور التي تشكِّل محور هذه اللوحة مستمدةٌ من حفلة غنائية تلفزيونية لأم كلثوم، وهي تبرز إيماءات، وحركات وسَكَنات، كوكب الشرق التي تشكِّل طقوساً خاصةً بها. وتمجِّد هذه اللوحة المكانة الخالدة والفريدة لأم كلثوم في عالم الغناء العربي خلال القرن العشرين. الفوتوغرافية السعودية منال الضويان تشتغل على موضوع للصورة. أن تكون كل الصور لها معنى، ولها فكرة، ترتبط بالكلمات. فكرة تُبنى عليها الصور عموماً. هذه الفكرة التي لم يكن مخططاً لها، لكنها بعد ذلك أصبحت كالنموذج لكل أعمال الفنانة، فهمها أن تعمل على فكرة محددة. محمود سعيد.. البيئة والطبيعة في الفن العربي المعاصر الفنان المصري محمود سعيد (1897 ـ 1964) لم يخطف فقط المركز الأول في المزاد بلوحته “الشادوف” (1934)، بل احتلت اثنتان من لوحاته أيضاً المركز الثالث والرابع، وهما على التوالي “فتاة تجلس على الأرض” و”غروب على النيل”، أما المرتبة العاشرة فنالتها لوحته “صخور ومرتفعات في أسوان”. ولأعمال محمود سعيد هذه كما في تجربته عموماً ارتباط شديد التجذر والعمق بالبيئة التي عاش فيها هذا الفنان كما يبدو جلياً في هذه الأعمال. تصور لوحة “الشادوف” رمزاً للمعاناة والقهر عبر تصويرها عدداً من الفلاحين المصريين يسحبون المياه من النيل بواسطة الآلة البدائية التي تدعى بهذا الاسم، ويقوم عملها على سواعد اثنين من الفلاحين يذكران بأشكال بناة الأهرام، وفي المشهد عدد من النساء حاملات الجرار بالأزياء الشعبية، إلى جوار الحمير البيضاء الصغيرة. وفي العموم تبرز اللوحة منظومة الفنان الفكرية التي لعب التراث الشعبي الدور الأساسي فيها، كما تبرز سماته الفنية، حيث الاهتمام باللون والظلال، في تنويع زوايا الرؤية وإبراز الشكل بصورة تبدو أقرب إلى الواقع الحي. هو أحد الدعائم الأساسية في بناء الفن التشكيلي الحديث بمصر منذ أوائل القرن العشرين، فقد عمل على إبراز التعبيرات عن الحس الوطني ورموز الشعب المصري باختلاف طوائفه، كذلك المناظر الطبيعية للبيئة المصرية الساحلية، وأولى اهتماماً كبيراً بالمرأة التي اعتبرها وجوداً حقيقياً لكل الأشياء ورمزاً للهوية القومية والوطنية خاصة بعد مشاركة المرأة المصرية في ثورة 1919. لذا يعد من أبرز مؤسسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية، وأحد رواد فن الرسم الحديث، استوحى أغلب أعماله من مفردات الحياة الشعبية، وصار واقع الحياة التقليدية المصرية منهجاً لفنه ومصدراً لإلهامه، واتسمت لوحاته بمنظومة لونية صافية، أعادت إلى اللون اعتباره كعنصر جوهري في بناء العمل الفني. وتأثر البناء التكويني له بمرجعيات عدة كونت في النهاية هندسة بنائية متميزة ومتفردة، حيث تأثر بفن التصوير الفرعوني والقواعد الكلاسيكية للفنون الأوروبية في عصر النهضة، بجانب تأثره بدراسته القانونية التي أملت على أفكاره النظام وأهمية الالتزام به.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©