الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيام القبضة الحديدية

11 أغسطس 2009 01:14
احتلت قضية الكاتبة الصحفية السودانية لبنى حسين واجهات الصفحات الأولى في الصحف الغربية والصدارة في نشرات التلفزيونات المصورة التي تبارت في إذاعة أخبار القضية وصور التظاهرات النسائية المؤيدة لها. والحال أن اتهام الحكومة السودانية بانتهاك حقوق الإنسان ليس بالضرورة أن يكون حملة مستمرة ومدبرة من قبل الحكومات (الإمبريالية الغربية) ضد السودان، بل إن أشد الانتقادات ضراوة يصدر من قبل العديد من المنظمات الشعبية والهيئات المهتمة بحقوق الإنسان، حتى أصبح مثل هذه الأخبار يكاد يكون مادة يومية في وسائل الإعلام. وبهذه الكيفية، أصبح نظام الحكم في السودان مثلاً يضرب في هذه القضية (انتهاك حقوق الإنسان) ويقرن اسمه بزيمبابوي موجابي، كما حدث على لسان أوباما عند زيارته الأفريقية لجمهورية غانا. وقضية الكاتبة الصحفية السودانية المشار إليها باختصار: أن قوة من شرطة النظام العام والأخلاق، (وهي إحدى بدع نظام الإنقاذ)، قد اعتقلت تلك السيدة وبعض رفيقاتها ذات ليلة وأودعتهن (الحراسة) وقدمتهن على عجل أمام قاضٍ أصدر عليهن حكمه بـ«الجلد» أربعين جلدة بتهمة مؤداها أن ملابسهن فاضحة ومخالفة للبس الشرعي! لكن السيدة قررت رفض الخضوع لحكم المحكمة الابتدائية الأولى، وقررت أن تستأنف الحكم الذي هو في نظرها حكم جائر ومخالف للقوانين الجنائية وللقانون الدولي. وفجأة تحولت قضية مواطنة تطلب العدل واسترداد كرامتها إلى قضية وطنية وسياسية من الدرجة الأولى. وفتحت باباً كان الناس قد ظنوا أن السلطات قد قررت في لحظة حكمة وعقل إغلاقه على الأقل تماشياً مع سياستها الديمقراطية من بعد اتفاق السلام وقيام حكومة الوحدة الوطنية، وحفاظاً على اتفاقات الشراكة مع «الحركة الشعبية» وأحزاب التجمع المعارض التي تهدف كلها في الأصل لحل المشكل الوطني واسترداد الديمقراطية وقيام النظام الديمقراطي (بالتراضي) على نحو يحقق للسودان الاستقرار والأمن، ويحفظ وحدة الوطن التي ورثها هذا الجيل من جيل الآباء، مؤسسي السودان المستقل. وأنا أتابع أخبار القضية وما دار ويدور حولها وقد تحولت إلى قضية جهاز من أجهزة النظام الفريدة والغريبة، جال في خاطري سؤال: كيف لم يفكر عاقل ما من مسؤولي وقادة نظام «الإنقاذ» في النتائج السلبية لتصرف غير واعٍ بالسياسة وإدارة الحكم، قام به بعض أفراد شرطة النظام العام والأخلاق وبما يخلق للحكومة حالة من الحرج الشديد، ويكشف بعض أوجه سياساتها وممارساتها التي تحاول منذ فترة تجميل صورتها وتحسينها، وقد تغيرت صورتها أمام المجتمع الدولي الذي عادت تتوخى عطفه ومعاونته لها في حالة الضيق الاجتماعي والاقتصاد الذي يهدد بانهيار النظام؟ ولم يعد خافياً على أحد من المشتغلين والمهتمين بالسياسة أن حكومة الوحدة الوطنية تعيش أزمة حقيقية، وأنها في الغرف المغلقة تحاول المصالحة وإرضاء المجتمع الدولي (أميركا وأوروبا)، وتبذل الوعود بتغيير الأحوال والاستجابة لمطالب المجتمع الدولي الذي أوشك صبره أن ينفد ومن قبله صبر شعب السودان الذي تعيش غالبيته ضيقاً في المعيشة وفي مقدرات الحياة اليومية، ولم يعد يصدق الإعلانات والدعاية التي تملأ بها الحكومة فضاء السودان الإعلامي. وهذه القضية المشار إليها (وقد سبقتها مئات الأحداث من أمثالها) فجرت حقيقةً قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحكم وسيادة القانون وما تبع كل ذلك من حركة معارضة تقودها نساء السودان ومن حولهن الرجال، وقد لا تتطور إلى ثورة شعبية تطيح بالنظام، ولكن من المؤكد أنها أشعلت الشرارة التي تؤدي إلى تأجيج الموقف، خاصة أنها حركت مَوات المعارضة السياسية الرسمية (الأحزاب وتوابعها) وجعلت من امرأة واحدة رمزاً نسائياً لمعارضة سلمية تحظى بتعاطف كل السودانيين من مختلف الألوان والتوجهات السياسية. ولئن كان في السلطة من ظل (يؤمن) بأن «القبضة الحديدية» التي حكموا بها السودان يمكن أن تستمر طوال عمره، إلا أنهم ينسون المثل القائل «لو دامت لغيرك لما صارت لك». والعاقل من اتعظ بغيره ومن يسمع كلام من يبكيه بدلاً من كلام من يضحكه، كما يقول السودانيون. عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©