الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقبرة في العين لغير المسلمين تراعي جميع المعتقدات

مقبرة في العين لغير المسلمين تراعي جميع المعتقدات
10 أغسطس 2009 00:54
يشهد سكان الإمارات، الذين ينتمون إلى أكثر من مائتي جنسية، وثلاثمائة ديانة وطائفة مختلفة، على مدى انسجام التعايش في دولة فرضت نفسها كنموذج حي للتعايش السلمي الحضاري القائم على احترام الإنسان وثقافته وديانته، لتعكس صورة إيجابية للإسلام دين الرحمة والتسامح لكل من يعيش على هذه الأرض المعطاء، فكل فرد يحق له أن يمارس شعائره الدينية بكل حرية في الأماكن التي وفرتها لهم، وأحدث ما استجد من عطاياها هو تكريم الإنسان ميتاً مثلما كرم حياً، وذلك بتيسير سبل دفنه في مقبرة مجهزة بأحدث التقنيات المستخدمة في هذا المجال، وهي ستأتي مراعية جميع متطلبات ديانات ومذاهب سكان مدينة العين. وسيشهد العام القادم افتتاح أول مقبرة في مدينة العين لغير المسلمين، لتحل مشكلة الدفن والحرق التي طالما عانى منها السكان غير المنتمين للدين الإسلامي. حيث كانت ترسل الجثث في السابق إلى إمارة أبوظبي، لتتكفل البلدية بحرقها وفق الشعائر المتبعة في مذاهب كل من الهندوس، وبعض المسيحيين الذين يوصون بحرق جثثهم، ومن ثم تتولى السفارة البريطانية دفن جثث ورماد المسيحيين، وبدوره يتكفل المركز الطبي الجديد بدفن جثث ورماد الهندوس. موضوح حساس انطلقت فكرة إنشاء مقبرة لغير المسلمين في مدينة العين بعد دراسة أقامت بها بلدية قطاع وسط المدينة، حيث تم طرح الفكرة وتحديد الأرض، وتكفلت إحدى الشركات العقارية الكبرى في الدولة بإنشائها، وتزويدها بكل المرافق اللازمة والمحارق الحديثة التي تراعي الأمن والسلامة ولا تلوث البيئة، وهي تعد الوحيدة على مستوى الدولة، لتصبح المقبرة واقعاً ملموساً لا يعرقلها سوى مشكلة واحدة، ذكرها جاسم محمد القاسمي، رئيس قسم خدمات الجنازة في قطاع وسط المدينة، «موضوع المقبرة موضوع حساس جداً، نظراً إلى ضرورة احترام ومراعاة كل ديانة على اختلاف وتعدد مذاهبها، فالمقبرة جاهزة ومجهزة بكل المقاييس، تضم كنيسة ومكاتب إدارة ومحرقة بأعلى المواصفات التي تراعي البيئة، بالإضافة إلى أن الخدمات التي ستقدم في مقبرة العين غير متوافرة في المقابر الأخرى بالدولة، وبالتالي لا ينقصها إلا الشركة التي ستتكفل بإدارتها، فمعظم الجهات التي تقدمت متخصصة في ديانة واحدة، ولا ترغب بالإشراف على إجراءات الدفن المتبعة في الديانات الأخرى، أو أنها لا ترغب بالالتزام بكل الشروط المفروضة، وهذا ما نرفضه تماماً في البلدية، إذ نشدد على احترام عقائد وشعائر الديانات جميعاً على حد سواء، وعدم الإخلال بأي جزء تفرضه الديانات عند دفن معتنقيها، ونحن في صدد دراسة طلب جديد عرضته إحدى الشركات المتخصصة في إقامة الجنازة والتي تعهدت بالموافقة على جميع الشروط التي ستفرضها البلدية، حيث إن الخطة المطروحة مقنعة إلى حد كبير، وسيتكفلون بكل الأمور المطلوبة خلال الدفن، كمستلزمات التطهير والتطيب والتابوت وغيرها من الأمور بحسب ديانة كل شخص، ويرى القائمون على الأمر بأنها ستكون الشركة المطلوبة». رحابة مستمدة من الإسلام ينبع التسامح الديني السائد في وطننا في الأساس من تعاليم ديننا الحنيف، فمن الجوانب المضيئة التي يلحظها كل زائر ومقيم بأن له الحرية المطلقة في ممارسة شعائره الدينية، خضوعا لأمر الله عز وجل، فكل الديانات السماوية هي من شرعه تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» –الشورى 13- ، وحرية العقيدة تشمل من يعتنقون الديانات الأخرى فأمرنا عز وجل بعدم أذيتهم ومضايقتهم بأي شكل من الأشكال في قوله تعالى: «وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ » -الأنعام 108- فلطالما عهدت الإمارات بتنفيذ تعاليم ديننا الحنيف، واتباع سنة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وفي هذا السياق يشيد الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد، مدير إدارة الإفتاء في دبي بهذا العمل الإنساني: «بناء مقبرة لغير المسلمين عمل طيب وتشكر عليه بلدية العين؛ لأن الجاليات غير الإسلامية لهم الرعاية الكاملة في بلادنا، فلهم من الحقوق والواجبات مثل ما عليهم للوطن والمواطنين والمقيمين؛ من حفظ الأمن واحترام القوانين واحترام مشاعر المسلمين، فما داموا ملتزمين بذلك فإن لهم الحماية والرعاية أحياء وأمواتاً، لهم مقابرهم الخاصة وطقوسهم المعهودة لديهم، فالإسلام يعامل غير المسلمين في ديار الإسلام بكامل الاحترام، وينصفهم أحياء وأمواتا، لكرامتهم الإنسانية وحقوق الرعاية الاجتماعية التي تبذلها الدولة مشكورة مأجورة». يضيف محدثنا: «هو نهج إسلامي وحضاري راق، يدل على سماحة الإسلام وكريم تعامله مع غيره، فكما أنه لم يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، كذلك هو لم يلغ عقائدهم والعادات التي تخصهم، لذلك تُشكر بلدية العين على ذلك ويُشكر المسؤولون المهتمون بالجاليات، وبرعاية الجماعات المختلفة في ظل قوانين البلاد ونظمها المحترمة». أرض التسامح أيضاً تحظى الإمارات بسمعة طيبة فيما يتصل بمعاملة الدولة فيها للقاطنين على أرضها على اختلاف أجناسهم، وهي سمعة لها أصداء إيجابية في كل أقطار العالم، ويقول هاني إبراهيم، صيدلي يعتنق الديانة المسيحية: «منذ أن كنت في بلدي مصر وأنا أسمع عن الإمارات بأنها أرض التسامح الديني، ولكن عندما أتيت تأكدت من صحة هذه السمعة الطيبة، فالناس هنا متسامحون ومتدينون معنا، وليس لمشكلة أداء العبادة من يوجود هنا، لأن الكنائس منتشرة في كل إمارة، والتسامح الديني تخطى الحدود بإنشاء مقبرة مخصصة للديانات الأخرى، وهذا مجهود تشكر عليه هذه الدولة، لأنها فكرت بالأموات مثلما فكرت بالأحياء، فلكل منهم له حاجاته ومتطلباته، وبرأي أن المقبرة أتت لتحل مشاكل العديد من المقيمين، فتكاليف نقل الجثة باهظة ولا يستطيع الكل تحملها، بالذات العاملون في مهن متواضعة، ناهيك عن وجود بعض الأشخاص الذين يصعب الوصول إلى ذويهم، فهؤلاء بحاجة إلى الدفن داخل الدولة لأن إكرام الميت دفنه، وتوفير مستلزمات الدفن في المقبرة نفسها يدل على مدى رقي أهل الإمارات في معاملة إخوتهم من الديانات الأخرى، فنحن أولاً وأخيراً أبناء آدم وحواء، ولا فرق بين مسلم ومسيحي وهندوسي في هذا الوطن العزيز الذي يتسم بالرحمة والمودة». إزاحة العبء بدورها تؤكد كانتي، أنَّ المقبرة ستوفر مبالغ كبيرة على المقيمين، وتقول:«أنا هنا منذ عشر، سنين وأشعر بأنَّ الإمارات هي بلدي، وأمارس شعائر ديني بكل حرية، ولم أواجه أي مضايقات أو ملاحظات من أي نوع، وتوفير هذه المقبرة خبر جميل لأنها ستزيح حملاً ثقيلاً عن كاهل العديد منا، فهناك الكثير من الأشخاص عانوا من مشكلة نقل الميت التي قد تصل إلى 15 ألف درهم، هذا من دون ذكر تكاليف إجراءات الدفن، بحيث قد يتجاوز التابوت فقط 3 آلاف درهم، وهذه الأرقام لا يستطيع الكل توفيرها». من جانبه الأب إليل هاشم لم يستطع إخفاء سعادته البالغة بهذا الخبر، وهو يشيد بجهود الحكومة في ترسيخ التسامح والرحمة الدينية بين سكان الإمارات مواطنين ومقيمين بمختلف دياناتهم وأعراقهم، فيقول: «أشكر حكومة الإمارات على هذه العطية العظيمة التي لا تختلف عن باقي عطاياها الإنسانية لنا، وهذا دليل على أنها تهتم بمن سبقونا مثل اهتمامها بنا، فنحن على تواصل دائم مع الأموات، وهذه فرصة توفرها لنا بإنشائها مقبرة على مستوى راق تمكننا من دفن أمواتنا بالقرب منا وزيارتهم وأداء شعائرنا الدينية لهم، وهذه المكرمة دليل على مدى التعايش الحضاري هنا بين المسيحيين والمسلمين، من خلال احترام وتكريم الأموات مثلما يعامل الأحياء تماماً
المصدر: العين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©