الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإنسان والأرنـــب

الإنسان والأرنـــب
13 يونيو 2008 01:26
الشكل المكثف للحكم والمواعظ، لفظاً ودلالة، وارتباط ذلك بالتأكيد على أن قائلها أو قائليها يفهمون ويدركون أكثر من غيرهم، يشير إلى فاعلية الزمن بالضرورة، لكنه يشير أيضاً إلى الاتكالية التي يمارسها اللاجئ إليها· وهل يعني ذلك أن في الإمكان الاختراعَ المستمرَّ واللانهائيَّ للتعبير المتجدد وغير المعتمد على ما تم إنتاجه سلفاً؟ إن أحلام اللغة هو اللامتناهي، الذي لا يعتمد على محدوديتها، لكن اللغة محدودة بحروفها، لأن ذلك منتج عن طريق الجسد المستقر بوظائفه، عقلاً وصوتاً وخلافه·· لذلك يقتضي التعبير أن يكرر نفسه، ويعيد تكرار تكراره، تاركاً للإنسان الاعتماد الكلي على فهم ذلك ولو غصباً· التجارب الحياتية تأخذ الإنسان منذ الصغر إلى تعلم الأطر التي من خلالها يتم تكوين رغبة أو استلهام صورة أو دنيا جديدة، وهذا ما يجعل السجن البيولوجي، والنفسي، والروحي، والعقلي، أسبق من كل أنواع السجون المُنَظِّمة لتداول العقوبات المتعارف عليها، والتي هي من إنتاج شكل جسدنا وشكل إمكاناته، كما أنها من إنتاج طبائع القوة والضعف· يمثل الشارع والرصيف نموذجاً لطيفاً، يتشابه مع التكوين المحدود للقدرة الإنسانية على التعبير لغوياً، كما يشبَّه الجهاز الهضمي للأرنب بمثيله عند الإنسان، لذلك يدرسونه تشريحياً للطلاب، لأن التضحية بتشريح أرنب ممكنة، أما بإنسان فيجب أن يكون ميتاً لكي تتم تجارب مثل هذه، بل وهناك حُرمة للميت، وقوانين تحد من حدوث ذلك، إلا بشكل مقنن وحصري··· إلخ· ··لكن هذه الفكرة ومع الحروب المصطنعة والعنف الزائد في العالم في مرحلتنا هذه، لم تعد فكرة يعتد بها لسلامة البشر، وقد أصبح من الضروري الآن المناداة بعدم استخدام أي من الحيوانات في التجارب البحثية العلمية، طالما أن البشر متوفرون وبلا كثير تعب للحصول عليهم أمواتاً بكل سهولة· يشكل الرصيف مركزاً لبداية التعلم، والشارع المنفذ المسموح به للتعبير الأكثر اندفاعاً لهذا الإنسان، فتحديد الوظائف هنا لُغوي، من حيث الخفة والثقل، التنزه والحرث، النعمة والنقمة· إنها موازنات بين سرعتين، بطيئة ومُنطلقة، أرنب وإنسان، إيمان وردَّة، موعظة وكسل، هدم وبناء، حب وحرب، وأخيراً: حياة لابد منها، وموت لابد منه، وما بينهما تاريخ ليس لأحد سلطة عليه، سوى التوارث المستمر بين الممكن وغير الممكن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©