الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

حرمة المال العام كبيرة وتبديده من أكبر المعاصي

حرمة المال العام كبيرة وتبديده من أكبر المعاصي
5 ابريل 2018 22:57
القاهرة (الاتحاد) المال العام هو المال المملوك للأمة كلها، كالموارد والشركات والمؤسسات والمباني والطرق والمدارس والجامعات ووسائل المواصلات، وما يشمل النقود والعروض والأراضي والآليات والمصانع، والانتفاع بهذه الأموال والممتلكات حق للأمة كلها، وليست خاصة بأحد، ومن يتولى أمرها لا يعد مالكاً لها، وليس من حقه التصرف المطلق فيها، بل هو أجير أو مؤتمن عليها أو حافظ لها، وعليه أن يديرها وفق القواعد القانونية والشرعية. وقد أكدت الشريعة الإسلامية على حرمة المال العام، وحذرت من أن تمتد الأيدي إلى شيء منه، وقررت عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه استحلال شيء منه لنفسه أو لغيره من دون وجه حق، كما عنيت شريعتنا الغراء بتربية أخلاقية لكل مسلم، حتى يجد رادعاً داخلياً يمنعه من أن يتلاعب به الشيطان ويدفعه إلى العدوان على المال العام. حرمة شديدة يقول د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري: لا شك أن الإسلام قد أكد على حرمة الأموال وقرنها بحرمة الدماء، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «... أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، اللهم بلغت اللهم فاشهد»، وقال: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، وقال: «إن أناساً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة»، ويقول الحق سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَ?لِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَ?لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً)، «سورة النساء: الآيات 29 - 30». وسرقة المال العام أو الاعتداء عليه أشد حرمة وجرماً من المال الخاص، لأن المال العام تتعلق به حقوق كثيرة، فهو ملك للمجتمع بجميع أفراده، وكلهم متعلقون به، يقول الحق سبحانه: (... وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى? كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، «سورة آل عمران: الآية 161»، وقد كان بعض الصحابة والتابعين وأتباعهم من الزهاد يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». وقد يظن أو يتوهم بعض الناس أن سرقة المال العام تنحصر في بعض أشكال السطو أو الاختلاس غير أن الأمر أوسع من ذلك بكثير، فالتهرب من سداد مستحقات الوزارات والجهات والهيئات والمؤسسات المملوكة للدولة هو في حكم سرقة المال العام، بل هو سرقة حقيقية وفعلية له، فسرقة الخدمات لا تختلف عن سرقة الأموال والسطو عليها، لأن الخدمات في الحقيقة هي مقومة بمال، فمن يسرق الكهرباء، أو يسرق المياه، أو يتهرب من سداد أية أموال مستحقة عليه للدولة، كمن يسرق المال سواء بسواء، كما أن من يتحايل على صرف ما لا يستحق كمن يقوم بتزوير بعض الأوراق للحصول على دعم لا يستحقه آكلٌ للسحت، لأنه يأخذ ما لا حق له فيه، ويستوي مع هؤلاء في الإثم والمعصية من يعينهم على ذلك أو يغض الطرف عنه، أو يتقاعس عن وضع الأمور في نصابها، أو تحصيل ما أسند إليه تحصيله من مستحقات المال العام. التربية الأخلاقية ويرى د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن التربية الأخلاقية تلعب دوراً كبيراً في حماية المال العام إلى جانب العقوبات الرادعة، وحرمة المال العام في الإسلام واضحة في آدابه وتشريعاته، والتحذير الشديد من العدوان عليه موجود في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والإسلام في مثل هذه الأمور الخطرة التي يضعف فيها الإنسان أمام شهواته وأطماعه يلجأ إلى أسلوب التربية لأن العقوبات الرادعة هنا لا تكفي وحدها لردع الطامعين في المال العام. ويضيف جمعة: يجب أن نعلم أن الإسلام يهتم بأن يغرس في الناس قيمة المحافظة على المال العام، وهو عندما يفعل ذلك يبدأ من أعماق النفس الإنسانية، ويهتم بأن يجعل الإنسان رقيباً على نفسه، يحاسبها قبل أن تحاسب، ويزن عملها قبل أن يوزن عليها، ويحاول الإسلام تحقيق ذلك بإشعار الإنسان بأن الله تعالى مطلع عليه، وأنه معه في كل آنٍ، يقول سبحانه: (... مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى? ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى? مِن ذَ?لِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، «سورة المجادلة: الآية 7»، ويقول عز وجل: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَ?لِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)، «سورة يونس: الآية 61». فالإسلام من خلال هذه النصوص وغيرها يجعل الإنسان رقيباً على نفسه، فهو مطالب شرعاً بمراقبتها وكبح جماحها، فإذا تحقق له ذلك، فإنه لن يحتاج إلى رقيب من المجتمع، أما إذا ألقى تعاليم دينه وراء ظهره وغفل عن مراقبة خالقه له، فإنه يحتاج إلى كل رقيب، فإذا بُني الإنسان على قيمة المحافظة على المال العام، وغُرس في تكوينه أن المحافظة عليه عبادة من أهم العبادات، وأن تبديده والعبث به معصية من أكبر المعاصي، كان ذلك الشعور وهذا الإحساس هو خط الدفاع الأهم عن المال العام، أي أن الإسلام يعمد إلى تربية الفرد تربية تجعله يقظ الضمير، مراقباً لربه في كل سلوكياته، ثم يقيمه بعد ذلك حارساً على تعاليم الشريعة في كل مجال، ومنها المال العام. جريمة في حق الأمة الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية، يؤكد أن الإسلام جعل للمال حرمة كحرمة النفس والعرض، وجرّم كل سلوك فيه عدوان على أموال وممتلكات الآخرين، فلا يجوز للإنسان أن يعتدي على مال غيره، سواء أكان هذا الغير فرداً أو جماعة أو شركة أو كان مالاً عاماً. وأضاف: نظر الإسلام إلى المال والثروات على أنها قوام الحياة وأنها في الأصل مملوكة لله، وهي في يد العباد علي سبيل الاستخلاف، وقد حمى الإسلام المال بكل أنواع الحماية، فحفظه هو أحد المقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية، جنباً إلى جنب مع حماية النفس والعرض والعقل والدين، وقد شرع الله حد السرقة وحد الحرابة لحماية المال والثروات من كل أنواع الفساد في الأرض، وحرم الله أكل أموال الناس بالباطل، والسرقة من المال العام جناية أكبر من السرقة من المال الخاص لأنها جريمة في حق الشعب والمجتمع والأمة، فالمال العام مملوك لجموع الناس، وليس لفرد بعينه، ويأثم المسلمون جميعاً إن لم يقوموا بحمايته، فقد حرّم الإسلام كل صور الاعتداء عليه، مثل السرقة، والاختلاس، والغلول، وخيانة الأمانة ونقض العقود والعهود، والتربح من الوظيفة، والإتلاف والإسراف والتبذير، وضياع الأوقات، واستغلال المال العام لأغراض فئوية، والاعتداء على الأموال العامة من أشدِّ المحرمات، ويلزم المعتدي ردُّ ما أتلف، أو ردُّ مثله أو قيمته وإن تقادم عليه الزمن، لأنه نوع من أنواع الغلول، قال تعالى: (... وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى? كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، «سورة آل عمران: الآية 161».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©