السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبو حنيفة النعمان.. الإمام الأعظم

أبو حنيفة النعمان.. الإمام الأعظم
8 يونيو 2016 18:39
محمد أحمد (القاهرة) النعمان بن ثابت بن المرزبان، كنيته أبو حنيفة، من أبناء فارس، ينتسب إلى أسرة شريفة في قومه، أصله من كابل، أسلم جده المرزبان أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولد أبو حنيفة بالكوفة العام 80 هـ وسمي النعمان تيمنا بأحد ملوك الفرس، وكان يدعو للأخذ بالرأي، فهو عارف بأحوال الحياة، مستوعباً ثقافة من سبقوه ومن عاصروه، شديداً على أهل الباطل، مرير السخرية، واسع العلم، وهو الذي تجرَّد لفرض المسائل وتقدير وقوعها وفرض أحكامها بالقياس، وفرَّع للفقه، وقد تبعه معظم الفقهاء. مجالس العلماء أبوه تاجر كبير وعمل معه في صباه وتعلم أصول التجارة وأسرارها ولفتت يقظته وفطنته نظر أحد الفقهاء الكبار فنصحه بمجالسة العلماء ومن يومها وهب نفسه للعلم في مساجد الكوفة، فتعلم فيها القرآن الكريم، والفقه وعلم الكلام والأحاديث النبوية وبهرته حلقات علماء الكلام في البصرة، لما كان يثور فيها من جدل ثم اكتشف أن السلف كانوا أعلم بأصول العقائد ولم يجادلوا فيها فعدل عن ذلك، واهتم بالتفقه في القرآن الكريم والحديث، عاش سبعين سنة، وحج خمساً وخمسين مرة، وبلغ عدد شيوخه أربعة آلاف شيخ، فيهم سبعة من الصحابة. استقر أبو حنيفة بعد وفاة أبيه لمباشرة تجارته في الحرير ووزع وقته بين الدراسة والعلم، ودرس في المسجد عند أحد الشيوخ ونُصب شيخاً على الحلقة لحين عودة شيخه، وسئل في ستين مسألة لم تعرض له من قبل وعندما عاد شيخه عرض عليه الإجابات فوافقه على أربعين منها وأصبح بعد وفاته شيخاً للحلقة. وضع أبو حنيفة أصول التعامل التجاري على أساس متين من الدين، وقد أفادته تجارته في ذلك، ويوماً ذهب إلى حلقة العلم، وترك شريكه في المتجر، وأعلمه أن ثوباً معيناً به عيب خفي وعليه أن يوضح ذلك لمن يشتريه، فباع الشريك الثوب من دون أن يوضح العيب، وظل أبو حنيفة يبحث عن المشتري ليدله على العيب ويرد إليه بعض ثمنه، ولم يجده، فتصدق بثمن الثوب كله وانفصل عن شريكه. يُكنّ أبو حنيفة تقديراً كبيراً للمرأة نبع من حبه العميق لأمه وكان في حرصه على إرضائها يحملها على دابة ويسير بها لتصلي خلف أحد الفقهاء تعتقد أمه بفضل ذلك الفقيه، وكانت لا ترضى بفتوى ابنها أحياناً، فتأمره أن يحملها إلى أحد الوعاظ، وقد قال لها الواعظ يوماً «كيف أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟»، وأفتى أبو حنيفة بإباحة تولي المرأة كل الوظائف العامة حتى القضاء. احتفظ أبو حنيفة باستقلاله أمام الحكام فاحترموه، وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته لأنه أراد أن يتزوج مرة أخرى، وأراد أن يحتكما إلى فقيه، ورفضت زوجته الاحتكام إلى قاضي القضاة ابن أبي ليلى وطلبت أبا حنيفة، وعندما حضر أبدى الخليفة أمامه رأيه أن من حقه الزواج لأن الله أحل الزواج بأربع والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه، فرد أبو حنيفة «إنما أحل الله هذا لأهل العدل، فمن لم يعدل فواحدة، فينبغي التأدب بأدب الله»، وضاق الخليفة بفتواه ولكنه أخذ بها. اقترح قاضي القضاة وتابعه شبرمه على الخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما يعرضه عليه من مناصب اتقاء لشره، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي، فحق عليه العقاب، وان يُشَهر به بين الناس لأنه يتخلى عن خدمتها. شيخ في التسعين أرسل الخليفة يلح عليه أن يقبل إما ولاية للقضاء، أو أن يكون مفتيا وأهدى إليه مالاً كثيراً وجارية، فرد أبو حنيفة هديته ورفض القضاء، فاستدعاه الخليفة وسأله عن سبب رفضه الهدايا، فقال أبو حنيفة إنها من بيت مال المسلمين ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين أو الفقراء أو العاملين عليها في الدولة بأجر، والخليفة ليس واحدا من هؤلاء، فأمر بحبسه وضربه، حتى يعود ويقبل ما يعرضه عليه. ظل أبو حنيفة يُضرب ويُعذب في سجنه، وهو شيخ في التسعين من عمره ويرسل الخليفة يعيد عرض الهدايا والمناصب، وأبو حنيفة يكرر الرفض ويعاد إلى التعذيب مرة ومرات، ثم تدهورت صحته وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاساه في السجن، وقرروا أن يتخلصوا منه فدسوا له السم وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وأوصى أن يدفن في أرض طيبة لم يغتصبها الخليفة أو أحد من رجاله، ومات فارس الرأي الذي عرف باسم الإمام الأعظم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©