الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صحراء.. أنت في الدهر صومعة ونشيد

صحراء.. أنت في الدهر صومعة ونشيد
19 مارس 2014 20:44
مثل قبلة تطوف على خدٍ منعم، فيخفق لها القلب... مثل نظرة سافرة، مغامرة، تخطف عبق الروح... مثل لمسة مفعمة بالجنون تغوص في أحشاء الكينونة، فلا ينام الجفن... مثل حلم يوقظ الذاكرة على صورة مثلى فينهض القلب متكئاً على عصا العزيمة... مثل امرأة متوحشة تصب في الجسد، عبق الندى ثم تتسرب في المسام لعطر قديم، كصوت ملائكي مبتهل... مثل أيقونة صُفت عند زاوية في القلب، فاستلهم العشاق هيبتها حتى نبتت غافة الشعر في أذهانهم. صحراء.. أنتِ السيدة والسيادة، كثيب يضع الصحائف والكتب في مخزن اللهفة المباركة. أنتِ ومن سواك أنت يحرك في المكان رعشة الليلة الفائتة، ويغسل قماشة القلب من درن التهدج، وفجيعة الفقدان؟! أنتِ في عيون النوق لوعة، ولذّة الانغماس في الرمل الكريم. أنت في فكر الجياد صولة وجولة، وصبوة ونخوة، وشهوة الانثيال، ساعة ترتعش السماء من هول الانسياق خلف سحابة ورحابة. أنت في التاريخ صفحة مذهبة، بالعشب، وأنفاس اللواتي خفضن الكواعب عند تلة ونخلة، وساورن الضمير عن رجفة فيها نبوغ الجسد، وبلاغة الشفاه وعبقرية الروح في التلاقي والتساقي حتى الارتواء.. أنت في الحب، نقطة الالتقاء ما بين حُلمين، وما بين مهد ونهد. أنت في الحب الضياع الأكيد في ناموس الوجود، وأنت في الحب، الزلزلة والجلجلة والبلبلة والحلحلة. أنت الشقاء الجميل، والبوح النبيل. أنت في المعنى، توارد الأضداد في وعاء الذاكرة، وأنت المسافرة في العمر، في التاريخ، في نفرة الروح لتقديم ما أمكن كي تسجد النجوم ابتهالاً، لعين امرأة خففت في الوطء حين داست أناملها على حبّة رمل كانت مغسولة بحبّة عرق، معبقة برائحة الأجساد النحاسية. أنت.. مثل، أخلاق النوارس، في الشموخ والرسوخ. أنتِ مثل الحارس في غابة الوعي، ولا تطوين السجل فالزمن عندك بلا نهاية كما أنه بلا بداية، عقال إبلك خيط يمتد من السماء إلى الأرض يضيء في نواحي القلب، ويلون أعشاب الروح متطوراً من نسل المضارب المبجلة، منحدراً من نهل السحائب المجلجلة... أنت، والمرأة صنو البقاء والنقاء، والزلزلة... أنت والمرأة مثل الخاتم والخنصر كلاهما يشع في الآخر وكلاهما يهدي البريق للوجود، ويمنح الذاكرة لذة الوجود... أنت والمرأة لا وجود للاحتمالات ولا الافتراض، فالحقيقة أنكما من صلب الحقيقة، أنكما في الوجود الموجود الأول، والسؤال الأول، والمثال الأول أنكما في البدء صورة وأسطورة والرمز عينان لا تطفئان الأسئلة، شفاه بوحها سر المعضلة... أنت والمرأة جذر وخدر وسر وخبر، ولولاك لما جاشت النخيل وعياً بالماء... لولاك لما كان للماء إكسير الطهارة. صحراء... مثل نار تشعل السماء وأوار الهوى، وأسئلة لا تخبئ تفاصيلها في معطف الذاكرة، والرمل سيدتي.. الرمل الذي كان يغسل الأبدان والأدران، والأشجان. الرمل الذي كان قماشة شفيفة بين أصابع الكاعبات الناهدات الشاهقات، وعداً أممياً يقرأ من فلسفة الصحراء، شمولية الحلم ويسكب على الجفون كحل نشوته العارمة. صحراء... مثل حشر القوافل والنوافل، والقبائل، والمحافل. غافاتك العاشقة، تسهب في البوح وتمد الأغصان أصابع، والجسد هذا النهر المترامي من رمل، وأمل ومقل وأسباب في الوجود والنجود. صحراء... لا يصوم الرمل عن البلل كما لا تعتصم المرأة إلا بحبل الزلزلة. تكونين أو لا تكونين، هو ذلك أصل الأسئلة، وفاصلة القول أنك في الكلام أمّارة في السرد، وأنك الصاحبة السارب المتسرب في الوعي، المغترب في المكان الشائه في الزمان. إنك سيدتي القصيدة على لسان الطير، وإنك الرواية الجنونية، في دفتر التاريخ.. إنك كل هذا وذاك الكثيب النون وما يسطرون.. ذاك الرحب الصخب، جزالة، في البث والنث والحث.. جزالة في ترتيب مشاعر الغافة النجيبة وتهذيب أجنحة الطير، لكي لا تعبث الريح في صدر الصحراء، لكي لا تطير العصافير أبعد من النجوم.. أنتِ.. أنتِ الجدل وأنت النفي والإثبات أنت التعاظم في القيم، والنعم والنغم، وأنتِ في الدهر صومعة ونشيد، أنت في التضاريس غياب في أتون الوجد، وتصوف الشجر. جارة الماء صحراء.. أنت في مبهم الأسئلة، جارة الماء والإبل والجياد الراحلة أنت غضون الرمل، وعي يتهجى الأسماء والقصائد المرسلة. أنت في عيون الطير، منطقة ما بين غصن وغصن، أنت نقطة في أسفار الأولين، وعهد قديم، يسور الفرض والنافلة.. أنتِ أنتِ الراحلة القابلة، أنت المبجلة عند الله.. كنت نفخة الصور، وفخامة اللون على شفة مسربلة.. أنتِ أنتِ، الجَمال يطوق رونقه بالهيبة المهيمنة، أنتِ السر والخبر، أنت السفر الطويل في مناخات الفصول، أنت فضول الرمل، وشغب العيون المبتهلة. صحراء.. كون يعاقر كؤوساً مجندلة، ويفشي أغنيات باتت محفوظة في معان البوح المؤجلة، أنتِ خلق الله ترابك من رجم في رحم الغيوب ثم تجلى الكثيب يقرأ في التفاصيل عن سر المسألة، بل والمعضلة، أنتِ والعرجون القديم قلادة النخل، وأسوارها المجلّلة، بالبريق، أنتِ من حدق أو شفق أو غسق، أنت في العشق، نسق يحرز امتيازه بألق فيصوم أو لا يصوم، فالطير وحده يفهم كيف يكون للبوح صدى، رغم انشراح الرحل، وتبدو الزوايا المبتذلة.. أنتِ.. صحراء مكسوة بمخمل الأثر منسوفة من دم وحبر، منسوجة من حرير وصبر، صحراء أنتِ الصاحب بالجنب وابن السبيل في وهادك، المشمولة بالعهد والوعد في دروبك أشجار لا تبليها الريح، ولا تذهبها تباريح لأنك أنت التصريح الأخير لحبة رمل وعت معنى الانسكاب تمادياً في الارتواء.. صحراء منسكبة من دم الشظف، مكتسبة حق الوجود من تلاقح الرمل والأمل، خارجة من شهقة امرأة غفت على كثيب تعد النجوم وتعاين القمر، وترسم صورة كائن غاب فجأة، حين علت أمواج الريح، مراكب الخروج على وشم الحقيقة.. صحراء صفير الريح بين أشجارها همسات ضائعة في وجدان الأرض. لا وقت للحلم كي يتهجى رموش امرأة غطت في السبات بعد تعب واستراح ظلها يحدد معالم الجسد، ويخفي سر الأنفاس المتدفقة كأنها الوعود المؤجلة.. صحراء لست كسائر التراب.. صحراء مثل مركب مسافر في محيطات التأمل، النوق، والجياد، وراعيات الغنم، يهشش أشواقاً لاحقت الظل متتبعة خطوات مرّت على عجل، فوق تلّة القلب ثم توارت.. توارى جواد توحشت عيناه عندما شاهد المقصلة بين شفتين لمياوين، سادرتين عابثتين بالهوى، والأشواق، كحل العين المنمق، والبريق ابتسامة يافعة تخض خضيضها وتحثو في عين النجوم تراب الخشية. خواء وسيع صحراء ثالثة الأثافي، الأنثى المبجلة هي تلك التي أغرقت الفحولة في أنهار من وجع وتناهت تبحث عن وجود في اللاوجود في اللاحدود لأشواق تتمادى في العويل والتكبيل، من فيضك ومن فوضاك جاء الجمال وانسجم الكون في خيال امرأة عرفت أن الكون هو الله.. صحراء.. لا يواريك كون وأنت المتدارية خلف وجدان ووجد وطفولة عارمة، ما خدشت صفحة القلب، بإبرة خيّاط. صحراء مثل الخواء، مملوء بفراغه الوسيع، مكسو بشعاع يغسل وجه الكون كما يحدق في وجه امرأة تطهرت للتو من فعل المقدس وجاشت تعلو الركاب، باحثة عن حبّة رمل لم يحتلها الغبار. صحراء.. كون يتسع للحب، كما يتسع لقوافل العشق، ويحوي مشاعر الطير والشجر، ويغوص في التاريخ لأيام خلت، يوم كان النبع مصادفة الباحث عن قطرة، ويوم كانت الأحلام تمشي على أقدام حافية وعقال البعير معصم الحقيقة.. صحراء، يا صحراء، يا بنت البدء والنهايات القديمة، منذ أن غادرت القوافل مضارب الوعود المؤجلة، وأنت تسألين عن ابن ظاهر، عن كل مغامر أو مهاجر. تسألين عن فعل الهوى عن أمسيات عانق القمر فيها عيني امرأة ومن رموشها نسج خيوط المعرفة، فانسكبت الفلسفة في أراجيز أحمد بن ماجد.. صحراء... صحراء.. يا صحراء، لم يعد التاريخ حبّات الرمل، على قدمي امرأة تهش على أشواقها بعصا الصبر، لم يحصِ عدد العاشقين، لكنه كتب عن العشق، كتب عن عاشقات تمادين في العشق حتى التلف، وتساقين من مآقي النجوم واحتسى القمر من كؤوس خسوفه.. صحراء.. البحر لا يعرف معنى للملوحة لولا رضاب الغادرين، والرمل لا لون له، لولا خيوط الشمس. صحراء.. جدائلك أغصان غاف، والخصر كثيب منعم بالندى.. والنحر سفح جليل تجلى ببياض السريرة، والتاريخ العريق..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©