السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حثبور الرميثي: علّمت البحر أسرار أجدادي

حثبور الرميثي: علّمت البحر أسرار أجدادي
28 يوليو 2009 01:08
خلال اشتغال كبير النواخذة حثبور بن كداس الرميثي، الاستشاري التراثي في «نادي تراث الإمارات» بدورات البيئة البحرية في ملتقيات ومهرجانات وفعاليات النادي، درّب أكثر من 1000 شخص على كيفية فلق المحار، ليس من قبيل تعليمهم، بل (فقط) لإطلاعهم على ذلك التفصيل التراثي المهم في عالم البحر، فمع احترام والتزام الجميع بالقرارات الرسمية في شأن إيقاف رحلات الغوص ومنع اصطياد اللؤلؤ والإتجار به، يظل هاجس النشء الجديد رؤية كيفية صيد المحار وفلقه واستخراج اللؤلؤ، من قبيل العلم والاطلاع، فهذا كله يشكّل فسحة رحبة للعودة إلى زمن الأجداد وعالم البحر الواسع، وتذكر كيف كان الغوص أحد أهم مجالات البيئة البحرية التي قضى فيها الأجداد مئات السنين يعملون في صيد اللؤلؤ. مع الوالد زايد يعتبر البحر شقاً مهماً من تراث المنطقة وتاريخ الأجداد بكل ما يتصل به من مجالات بدءاً من صيد الأسماك مروراً ببناء السفن وانتهاءً بالتجارة البحرية. أو الحِرف والمهن بدءاً بالصياد مروراً بالبحار انتهاءً بالنوخذة. وهي مجالات خبرها ابن كداس جميعها خلال حياته التي صافح فيها البحر قبل نحو 55 عاما. اليوم، لم يعد ابن كداس مجرد مصافح للموج، بل هو في حالة عناق دائم معه، يعود بالذكريات إلى ذلك العمر، ويقول: «كنت يافعاً دون 15 من عمري حين كنت أركب البحر مع والدي، فعلمني السباحة والصيد والغوص وتفصيل أشرعة السفن وبناء المحامل وكذلك فلق المحار وكل ما يتصل بعالم البحر، ولشدة ولعي بالبحر كنت أظن أنه علمني كل شيء، لكن أدركت الآن حين كبرت أنني أيضا علّمت البحر أسرار أجدادي أي: صبرهم وصمودهم». يعدل من جلسته ويقول باعتزاز: «طلبني -المغفور له بإذن الله- الشيخ زايد قبل 20 عاماً كي أعرّف الأبناء بأهم المهن البحرية، للاطلاع عليها واختبارها، أو لممارستها لمن يرغب. فطلبت تأمين محملين يرّ «تجديف» يتسع كل منهما لنحو 20 شخصاً مزودين بكل ما يلزمهما، كي أدرب الأبناء على فنون البحر من صناعة شباك وأشرعة وصيد وتجديف وسباق وسباحة وغوص وفلق محار. فأمر الشيخ زايد -رحمه الله- بتوفير كل ما طلبته وأكثر، وقمت بعملي طيلة سنين عديدة». أدوات منذ مطلع الألفية وابن كداس يعمل استشارياً في «نادي تراث الإمارات» يشارك في فعالياته، ويطلع المشاركين في ملتقياته على كيفية «فلق المحار». يقول شارحاً أداة جمع المحار: «قديماً، كان «الديين» وهو كيس أو سلة شبكية من الحبال يصنع من سعف النخل على هيئة دائرة كبيرة، تربط إليها الحبال، لكن في عصرنا الحديث صار يصنع من الخشب وتجدل الحبال على شكل شبكة صيد، ويعلقه الغواص في رقبته وينسدل كحقيبة على صدره، يغوص بها في الماء ويضع بداخله المحار التي يصيدها، وحين يمتلىء يخرج من الماء وقد جمع نحو 40- 50 محارة. تسمى أداة فتح المحارة «المفلق» نسبة إلى دور تلك الأداة في ثقب وفتح المحارة وفلقها نصفين. ويصف بن كداس المفلق، فيقول: «هو عبارة عن مقبض خشبي في رأسه قطعة معدنية معكوفة تتناسب مع استدارة المحارة، لكن القطعة المعدنية المدببة ليست جارحة أو حادة، بل تدخل في أسفل المحارة لتفلقها». ثم يضيف موضحاً طبيعة عمل المفلق، يقول: «يدخل المفلق في قاعدة المحارة من جهة البطن المستند إلى باطن كف البحار اليسرى، ثم يشق المحارة باليد اليمنى بهدوء وروية دون تعجل لئلا تنكسر، وبذا يرتفع المفلق إلى الأعلى كي تنفتح، فيقوم البحار أو النوخذة بحركة بارعة وسريعة داخل المحارة فتنفلق». صناديق مغلقة لا تكتمل بذلك عملية فلق المحار، بل إنها تكاد بهذه العملية تبدأ، يوضح ابن كداس قائلا: «يبحث النوخذة عن اللؤلؤة في بطانة المحارة برفق ووداعة لئلا يجرح بطانتها اللزجة أو يخدش جدارها، حيث تكون اللؤلؤة راقدة داخل البطانة اللزجة، وقد تكون بحجم صغير أو متوسط أو كبير، وكذلك قد تكون مرتفعة الثمن أو ذات سعر عادي، ذلك بحسب جودة نوعها أو ندرته، أو بحسب لونها». يضحك ابن كداس وهو يشير إلى مجموعة محار جلبها أحد البحارة، ويقول: «انظروا إلى المحار المطمور بالرمل وبقايا الأعشاب، من يصدّق أن بداخله أجمل الحلي المجوهرة»؟ يتابع الضحك وملامح السعادة بادية على وجهه، ويضيف: «منذ القدم كان أجدادنا يسمون المحار «صناديق» لأنها وإن كانت لا تشبه الصناديق أبدا، لكن فكرتها أشبه بفكرة الصندوق المقفل الذي لا يعرف المرء فحواه إن لم يفتحه. فالنوخذة أو البحار لايعلم حين يفلق المحارة المتكئة إلى باطن كفه هل تحوي بداخلها لؤلؤة أم هي فارغة تمنحه الشعور بالخيبة». يصمت ابن كداس قليلا ويسرح بنظره نحو البحر قبل أن يكمل قائلاً: «لقد أصابتنا -قديماً- آلاف المحار بالخيبة وضربنا كفاً بكف لأن حمل صيد كامل كان خاوياً لا لآلئ داخله، وكان أجدادنا وأباؤنا يشعرون بمرارة أكبر بكثير. أما الآن فنصطاد المحار فقط خلال تدريبنا للطلبة من أبناء الوطن في الملتقيات الصيفية أو المهرجانات التراثية، من قبيل إحياء التراث وتعريف الأبناء ببعض مهن الأجداد في البيئة البحرية قديماً».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©