الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تدويل البصيرة..

تدويل البصيرة..
19 مارس 2014 20:43
لا يمكن للقوس الثقافي الممتد الأطراف والمتشعب الأطياف أن يكتمل ويتلألأ في الشارقة، بغير هذا التنوع اللوني أو القزحي الذي يضفيه المشهد التشكيلي والفني عليه، وتبعاً لذلك فإن رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لم تغفل هذا الجانب الزاهي والتفاعلي من المكوّن المعرفي والتثقيفي العريق والمتجدد في الإمارة، والذي يجمع تحت سقفه بين ذاكرة التراث وديناميكية الحداثة، دون قطع متعسف، أو انفصال حاد في المسافة التي تتحاور وتتداخل فيها ظلال الماضي مع استحقاقات الحاضر ومع أسئلة المستقبل. ويبدو هذا المزج بين الحداثة والتراث والمنطوي على متواليات روحية من التسامح والشفافية الفكرية، والإصغاء لصوت الثقافات الأخرى هو النسيج الأمثل لتشكيل ذائقة وهوى وانشغالات المهمومين بتكوين فضاءات وجماليات هذا المشهد في عاصمة الثقافتين العربية والإسلامية، ولتأسيس منصات راكزة أيضاً لمتلقي هذا المشهد والمتفاعلين معه وسط مجال بصري وجغرافي ينطلق من قلب مدينة الشارقة المعاصرة، مرورا بمعالمها التاريخية القديمة والشاخصة، ووصولا إلى المناطق الشرقية والوسطى التابعة للإمارة، والتي تحتضن هذا الوهج الفني بشغف متواصل وغير قابل للنضوب. حقل من الأفكار تعمل هذه الرؤية الفنية ضمن خطة ممنهجة للارتقاء بالذائقة التشكيلية في المكان، ولذلك ومن خلال عدة إدارات ومؤسسات فنية في الشارقة، تبدو وكأنها تحرث في حقل هائل من الأفكار والمقترحات التنظيمية التي تعمل بدأب وإصرار على إضفاء تصورات جديدة، حتى ضمن المناسبات الفنية السنوية والدورية المعروفة مثل: بينالي الشارقة للفنون، وبينالي الخط، ومهرجان الشارقة للفنون الإسلامية، ولقاء مارس، وصيف الشارقة للفنون، والمعرض السنوي العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، والمعارض النوعية في مركز مرايا للفنون في قناة القصباء، والعديد من الورش والدورات التدريبية والجوائز الفنية والمحاضرات الموسمية التي تقيمها هذه المؤسسات، ومن أهمها وأكثرها حضوراً في هذا المشهد الفني الحافل: إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ومؤسسة الشارقة للفنون، وإدارة متاحف الشارقة، ومعهد الشارقة للفنون في بيت السركال، ومركز مرايا، ورواق الشارقة للفنون، وحديقة الفنون في منطقة المجاز، وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، بالإضافة للمراكز الثقافية التابعة للإمارة في كل من خورفكان ودبا الحصن وكلباء والمنطقة الوسطي. تتداخل خبرات وخطط هذه المؤسسات ضمن انتباهات إنسانية متشابكة تجمع وتؤكد على قيمة الفن وأثره الجمالي والتثقيفي في المجتمعات الحديثة، وهي تتوفر على رغبة كبيرة في إثراء الحوار الحضاري بين الشعوب، خصوصا وأن لغة الفن التشكيلي لا تحتاج إلى ترجمان، وإلى انشغال مرهق حول المرادفات اللغوية ونقلها بكل حمولاتها الضمنية، كما هو الحال مع الأنماط الثقافية الأخرى، ومن هنا تتأصل قيمة الفن في كونه النسيج المشترك والقابل للتداول البصري الحر بين الشعوب وبين ما تقدمه هذه الشعوب من اجتهادات بصرية ومحاولات راقية لتجاوز العزلة والانغلاق، والدخول مع الآخر في نقاش ثري ومدهش بصريا، انطلاقا من الخصوصية أو المحلية ووصولا إلى العالمية والفضاءات الإقليمية الأخرى. بينالي الشارقة حسب ما يورده الكاتب والناقد والفنان التشكيلي إسماعيل الرفاعي الذي أشرف لفترة على القسم الإعلامي في بينالي الشارقة، فإن هذا الحدث الفني الدولي ومنذ انطلاقته عام 1993، استطاع أن يحدث نقلة نوعية كبيرة على مستوى التعريف بالفنون البصرية محلياً ودولياً، فكان من أهم الركائز الفنية والثقافية التي أسهمت في بلورة الوعي الفني والارتقاء بالذائقة الجمالية. وبالنظر إلى طبيعته الديناميكية وبنيته المرنة، فقد استطاع البينالي استيعاب وتمثل المتغيرات والمستجدات على مستوى الفنون البصرية المعاصرة، وتمكن من ابتكار وتطوير العديد من البرامج والمشاريع الاحترافية التي أسهمت بإغناء الحراك الفني في المنطقة والعالم. واجترح العديد من المبادرات الجديدة الرامية إلى دعم الفنانين الشباب واستكشاف الطاقات الإبداعية الكامنة، واستقطاب أهم التجارب الإبداعية على المستوى المحلي والعربي والعالمي. وفي عام 2003 شهد البينالي نقلة نوعية أخرى بعد أن تسلمت الشيخة حور القاسمي إدارته، بحيث تحول من حدث ثقافي يقام مرة كل سنتين، إلى عمل مؤسساتي يسهم في عملية الإنتاج الثقافي والفني. ويعدّ بينالي الشارقة من أهم التظاهرات الثقافية التي حازت مكانة رفيعة في مختلف محافل الفن العالمية. مهرجان الفنون الإسلامية انطلق مهرجان الفنون الإسلامية السنوي عام 1998، بإشراف وتنظيم إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام، وهو يعنى بعرض وتقديم مختلف أنواع الفنون الإسلامية ببعديها الأصيل والمعاصر، واستطاع عبر دوراته المتتالية، أن يقدم مختلف أنماط الفن الإسلامي الثرية، مرتكزاً على اختيار المشاريع الفنية القادرة على التعبير عن أصالة الفنون الإسلامية، وقدرتها على مواكبة التحولات الراهنة في الفنون، والاغتناء بمختلف أشكال التعبير الإبداعي. كما يؤكد المهرجان أن الفن الإسلامي من الفنون الحية التي تطورت على مر العصور مبرزة الوجه الحضاري للهوية الإسلامية في تجلياتها الجمالية التي أثرث المنجز الفني العالمي وأسهمت في تطويره والارتقاء به. ويعد المهرجان من أبرز الفعاليات المعنية بالفنون الإسلامية في المنطقة، كما يتضمن إلى جانب المعارض المحلية والدولية، النشاط الفكري المصاحب والبرامج التفاعلية الموازية. ملتقى الخط انطلق ملتقى الشارقة لفن الخط، الذي تنظمه إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام في العام 2002، لتعميق وبلورة فنون الخط على اختلاف تنوعها وأساليبها، وكان منذ دورته الأولى متضمناً لأهم التيارات الفنية التقليدية والمعاصرة. واستطاع الملتقى أن يشكل نقطة استقطاب كبيرة لأهم الخطاطين والحرفيين في العالم العربي والإسلامي وسائر أصقاع الأرض. كما يعدّ الملتقى من أهم التظاهرات الدولية التي أسهمت في فتح آفاق جديدة لتطوير فنون الخط العربي، التي تعبر عن الهوية الحضارية للشارقة، وتبرز مكانتها وجمالياتها المتنوعة، كما شكل حالة ريادية على مستوى منطقة الخليج والعالم العربي، من حيث نوعية العروض وغناها وقدرتها على إبراز المواهب الخطية الكبيرة والتعريف بها محلياً ودولياً، إلى جانب انفتاحه على التجارب الجديدة ويضمن تطورها التقني والتكنولوجي، مشجعاً على البحث والتجريب وإبراز المشاريع الفنية المبتكرة، وقد أسهم الملتقى عبر برامجه الفكرية المصاحبة في تعميق الوعي النقدي والجمالي المتصل بفنون الخط قديمها وحديثها. بينالي فنون الأطفال انطلق بينالي الشارقة الدولي لفنون الأطفال عام 2008، بمبادرة كريمة من قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، وهو أول بينالي دولي لفنون الأطفال يقام بدول مجلس التعاون الخليجي، تنظمه إدارة مراكز الأطفال والفتيات بالشارقة إحدى مؤسسات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة. ويعدّ البينالي نواة حقيقية لبيناليات الطفل في الخليج والعالم العربي، ويشكل نموذجاً لعروض مشابهة يمكن أن تعمّق الفهم لفن الطفل ببساطته وقدرته على صياغة وتقديم عوالم متكاملة من الحلم والفرح. ويسعى البينالي إلى التعريف بتجارب الآخرين والثقافات الفنية لدى أطفال العالم، وإبراز الدور الحيوي الذي تلعبه إمارة الشارقة في احتضان الأطفال الموهوبين وصقل قدراتهم ومواهبهم الفنية، كما يأتي تتويجا لاهتمام مراكز الأطفال والفتيات بفنون الطفل، حيث أطلقت من قبل مسابقة ومعرض الشارقة لرسوم الأطفال التي عرفت بألوان الطفولة العربية. وهو بمثابة تظاهرة ثقافية من نوع فريد وكأحد المكتسبات المهمة لثقافة الطفل على مستوى العالم. صيف الفنون استطاع مهرجان صيف الفنون الذي انطلق قبل أربع سنوات وتنظمه إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، أن يستفيد من تراكم الخبرة التنظيمية للقائمين عليه من أجل دفع المهرجان إلى منطقة أكثر توهجا وتميزا، وأكثر تفاعلا مع الشرائح المجتمعية المختلفة، وخصوصا فئة الطلبة الذين يمكن استثمار مواهبهم وطاقاتهم الإبداعية في فترة الإجازة الصيفية، وتوظيف قدراتهم في التعرف على مجالات الفنون البصرية المتعددة، وإدماجهم في بيئة فنية حاضنة تتوفر على ورش تخصصية ودورات تدريبية في مدينة الشارقة، وفي المناطق الشرقية والوسطى التابعة للإمارة كافة، حيث تقدم هذه الدورات وما يقام على هامشها من معارض وندوات وعروض فيلمية، الكثير من المعارف النظرية والممارسات التطبيقية المتعلقة بالفنون التشكيلية الكلاسيكية والمعاصرة مثل: الرسم والخط والزخرفة والنحت والتصوير الفوتوغرافي والكولاج وغيرها. ويولي مهرجان صيف الفنون اهتماما خاصا بنشر الذائقة الفنية في المجتمع، واستغلال فترة الإجازة الصيفية فيما يفيد ويعزز من مصادر الثقافة والإبداع الذاتي لدى الطلبة من الجنسين، وزيادة رصيدهم من الوعي الفني والتعرف عمليا ونظريا على الاتجاهات المختلفة للفنون التشكيلية. وفي هذا السياق يقول هشام المظلوم مديرة إدارة الفنون بثقافية الشارقة: «إن إدارة الفنون بثقافية الشارقة، واستنادا للرؤى الثقافية المستنيرة من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة، تسعى لترجمة وتجسيد توجيهات سموه إلى واقع ملموس يستفيد منه الطلبة، والفئات المجتمعية الأخرى، ولذلك قمنا قبل أربع سنوات بتنظيم مهرجان صيف الفنون وإقامة العديد من الفعاليات والبرامج الفنية في الشارقة والمناطق التابعة لها، حتى تكون قريبة من الأهالي في أماكن سكنهم، وتشتمل أيضاً على بيئة تفاعلية تستقطب المتدربين من الطلبة، وتشيع مناخا فنيا جاذبا وسط الجمهور في أماكن إقامة المعارض في المراكز الفنية، والأماكن المفتوحة والحدائق العامة، وفي الأسواق والمجمعات التجارية المتعاونة مع المهرجان». وعن النشاطات المصاحبة في المهرجان، أشار المظلوم إلى أن المهرجان استطاع في دورته الأخيرة أن يستقطب أكثر من عشرة آلاف متدرب، يستفيدون من الورش والدورات والندوات والعروض التي تقام في كل من معهد الشارقة للفنون، ومركز الشارقة لفنون الخط العربي والزخرفة، ورواق الشارقة للفنون، وبيت الخطاطين، بالإضافة إلى اتحاد المصورين العرب، وجمعية الإمارات للتصوير الضوئي، والمراكز الثقافية والفنية في مدن الذيد وخورفكان وكلباء ودبا الحصن، والمراكز والهيئات الأهلية في الشارقة مثل مركز الناشئة والطفولة والأسرة، وأندية السيدات. وأوضح المظلوم أن الفترة المكثفة لأيام المهرجان، لم تقف عائقا أمام تنويع وزيادة البرامج المصاحبة للمهرجان مقارنة بالسنوات السابقة، حيث وصل عدد الأنشطة المبرمجة في خارطة المهرجان ــ كما أشار ــ إلى 200 نشاط توزعت على أربعة حقول رئيسية هي الدورات الفنية التي تستقطب الفئة العمرية من 12 سنة وما فوق والتي تقدم معارف تأسيسية وشاملة حول الفنون، بالإضافة إلى الدورات والورش التخصصية التي يصل عددها إلى ثمانين ورشة ودورة في مجالات الخط العربي والزخرفة، ودورات مكثفة في فنون الرسم والنحت والخزف والتصميم والأزياء والتصوير الضوئي، وأخيرا المعارض الفردية والجماعية التي تقام في المعاهد والمراكز الفنية التابعة للدائرة، وكذلك في المجمعات التجارية الكبرى في الإمارة. ونوه المظلوم إلى أن المهرجان يضم بجانب أنشطته الرئيسة عددا من الفعاليات المصاحبة مثل الرحلات الفنية وعروض الأفلام التسجيلية التي تتناول تجارب قامات إبداعية عربية، وكذلك إقامة عدد من المعارض المستقطبة من خارج الدولة، ويشارك بها فنانون مخضرمون من الدول العربية والأجنبية، للاستفادة من تجاربهم المتقدمة والتعرف على الاتجاهات الفنية المعاصرة في العالم، بالإضافة إلى معارض فرعية أخرى مثل معرض «تواصل» الذي يضم نتاجات الطلبة المبدعين الملتحقين بمراكز الفنون بالشارقة، بالاشتراك مع أساتذة هذه المراكز لخلق نوع من التنافس الفني الصحي بين المشاركين، وكذلك هناك معرض خاص بعنوان: «المصور الصغير» ومعرض: «تقاسيم» و«ما وراء اللقطة» والمعرض الختامي للمشاركين في دورات المهرجان المختلفة والذي يقام في المنطقة الشرقية. ودعا هشام المظلوم في نهاية حديثه إلى ضرورة التعاون والتنسيق بين الجهات والمؤسسات الفنية الأخرى مثل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ومؤسسة الشارقة للفنون، والتي تقيم أنشطة شبيهة بما تقدمه إدارة الفنون بثقافية الشارقة، حتى لا يكون هناك تضارب وتشتيت للجهود التنظيمية المختلفة التي تسعى في النهاية لنشر الثقافة والذائقة الفنية بين الجمهور المستهدف، وتمنى أن تتوفر في السنوات القادمة نشاطات فنية مستقلة لكل هيئة حكومية أو محلية، حتى تتم الاستفادة المثالية والقصوى من هذه الفعاليات والبرامج التي لا تسعى للتنافس، بقدر ما تسعى للتكامل والتوزيع المرن والمدروس للتوقيت الزمني وأماكن ونوعية البرامج المقدمة، والموجهة أصلا لتقديم خدمة ثقافية محايدة وعامة لكل فئات وشرائح المجتمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©