الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشارقة... الضوء لا يحتاج إلى دليل

الشارقة... الضوء لا يحتاج إلى دليل
19 مارس 2014 20:28
حققت الشارقة حضوراً لافتاً في الساحة المحلية والدولية، من خلال الأنشطة الثقافية المتراكمة ومن خلال البنية الخاصة بها بشكل ملموس. واستطاعت بعد عقود من الفعل الثقافي المؤسساتي أن تؤسس لنفسها قاعدة صلبة مكنتها من أن تكون منارة معرفية وعلمية وفكرية تنشر أريجها في مختلف الأرجاء. والحقيقة أن الحديث عن إمارة الشارقة من طرف كل زوارها الذين لا يتوقفون على مدى العام، يقيم الدليل الساطع على أن الريادة الثقافية التي اكتسبتها في محيطها المحلي والعربي والدولي لم تأت من فراغ، وإنما كانت لقاء ما تبرمجه وما تقدمه وما تستشرفه من فعل ثقافي خلاق استطاع أن يكون رائداً في مجاله، واستطاع أيضاً أن يلفت الانتباه إلى هذه الخلية التي لا تتوقف عن الفعل والإنجاز والمبادرة والانحياز للأفضل والباقي والأرقى. كانت الشارقة ولا تزال واحة وارفة الظل تنجب المبدع وتكرم صاحب الإنجاز وتكافئ كل من يقدم الإضافة في الحقل الثقافي، هذا المجال الذي ظل مغموطاً في كثير من الفضاءات في أرض الله الشاسعة، لأسباب يطول شرحها ولكنها تتلخص في أن المثقف يبقى خارج الدائرة نظراً لما يمثله من خطورة أحياناً، ولكن الشارقة رمت بعرض الحائط كل ذلك وجعلت المثقف في الصف الأول من حيث العناية والاهتمام، لأن به يُبنى المجتمع السليم ويُؤسس للمستقبل كأحسن ما يكون التأسيس. في هذا الملف خرجنا إلى الإمارات والعالم العربي لنستطلع آراء المثقفين والمبدعين حول الشارقة فأجمعوا على ريادتها، وازدهارها الثقافي، وعزوا هذا النهوض الذي يميزها إلى حاكمها المثقف، والمعني بالثقافة وهمومها، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. مدينة الثقافة الشاعر والأديب الإماراتي حارب الظاهري أحب الشارقة، فقال: «تبدع الشارقة حين تخط مسافاتها الثقافية وحين تنتهج طقوسها في ميادين العطاء والمناسبات، فلا تحيد عن صفو المنابع التاريخية والأدبية للتبلور ببناء راسخ أساسه الثقافي متين ومنتهاه شاهق، حتى باتت رمزاً مطلقاً لعاصمة استثنائية رحابها العالمية. وقد مرت الشارقة عبر اختيارها عاصمة للثقافة العربية ومن ثم للثقافة الإسلامية في توهج مختلف يتناغم وصورتها المشرقة بروح الإبداع. الشارقة حاضرة في نسقها الثقافي متيمة بذاتها وعطائها هاتفة نحو التجدد والحوار، لغتها في ذلك مفعمة بالحضارة، متيقظة لكل جديد، مستنفرة في أيامها سواء المسرحية أو التراثية تضيء ولو قليلاً من مسارات الحياة المتراكمة، فالركب الثقافي كالمعتاد لا يدنو ولا يرتخي، بل تزداد مقاماته على نحو متسع ومتلازم مع نسق البناء وفصول العام». وتذهب الكاتبة الإماراتية موزة عوض إلى القول: «الشارقة هي الثقافة والتراث، تبرق بنور ما يحتاجه المثقف العربي، فهي النبع المتدفق من نهر الثقافة الجاري الذي يستمد عذوبته من تفاصيل مسرحية وتراثية وعلمية وأيضا من الفنون الإسلامية والثقافية بشتى أنواعها وقطوفها. وإذا أردنا أن نتحدث عنها ببعض الكلمات، فالحديث لن يوفيها حقها ولا مكانتها الثقافية. فالشارقة منذ القدم من أهم المراكز الثقافية في منطقة الخليج العربي وهي الملتقى لطلاب العلم والمعرفة. وقد علمت أن أول صحيفة صدرت من الشارقة وأسسها المرحوم إبراهيم المدفع، كما كانت تقام فيها مجالس العلم للمثقفين والعلماء والشعراء، فضلاً عن أنها شهدت افتتاح مكتبة عام 1934م. لكن الأهم هي تجربتها الثقافية الحالية التي تعنى بالعلم والثقافة والمعرفية في تجلياتها المختلفة، والالتفاف حول العلم بمفهوم سامٍ خالص ومعزز بثقافة إسلامية، مما أهل الشارقة لنيل لقب عاصمة العرب الثقافية. وفي خضم السنوات الماضية كانت الشارقة جديرة بأن يزورها القاصي والداني من كل مكان، حيث أصبحت مقرا رئيسا لمختلف الفنون الثقافية المحلية والعربية والعالمية، ومن جهة أخرى فقد حرصت على التنوع والكم الهائل في إقامة مهرجانات سنوية في الإبداعات كافة». انحياز للثقافي يرى الشاعر والروائي الفلسطيني أنور الخطيب أن الشارقة زرعت المعرفة فحصدت سنبلات النور، لتضيء القلوب والعقول والأمكنة، وتصبح واحة يستظل تحت أغصانها الوارفة كل مبدع ومفكر وطالب معرفة حقيقية، فاستحقت أن تكون عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2014. والثقافة الإسلامية أكبر من أن تحد، لأنها تنشغل بالإنسان ورقيّه ومستقبله الدنيوي والأخروي، تفتح له دروب الضوء ليجتاز أنفاق الظلام بأشعة الحرف واللون وكل أداة تأخذ بيده إلى اليد الأنقى والمدى الأرحب. فتراكم الفعل النوعي فكانت الشارقة، بدور نشرها ومعارض كتبها وفنونها التشكيلية ومهرجاناتها المسرحية ومتاحفها العريقة ومؤتمراتها وندواتها ومبانيها التاريخية وشوارعها النابضة بالمحبة. فمن الذي يحرص في هذا الزمان المنشغل بالماديات على أن يؤثث البيوت بالمكتبات، والشوارع بالجداريات، ويستقطب المفكرين والمبدعين والفلاسفة، ويكرم أصحاب الإنجاز ضمن خطة واضحة يتم تنفيذها واضعة العقل البشري هدفاً. وتقول الباحثة الجزائرية سميرة مبوعزة: «لتعدد الثقافات المتوالية من جيل إلى جيل فيها، وترسخ التراث بين أهلها، ولجمال عمارتها التاريخية والأثرية ومتاحفها ومعالمها، كان لإمارة الشارقة الأحقية في أن تستقبل تظاهرة عالمية لتجعل منها عروسا وسط الدول الإسلامية والعالم، فالشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية 2014. الشارقة، استطاعت أن تبرز كجوهرة ساطعة بفنونها وعمائرها المشكلة بين النادر والمتعدد، بين الماضي والحاضر، في أجمل باقة ورد فاح عطرها الذكي عبر سماء العالم عامة والإمارات خاصة، جمعت متاحفها كل أنواع الثقافات والحضارات، تنوعت معالمها الأثرية فجعلت منها مصدرا سياحيا يقصده الناس للتجوال بين أرجائها عبر كبسولة الزمن الماضي التراثي بعمائره وتقاليده وثقافاته، لتشد الرحال بهم متجهة نحو الحاضر الحالي، في أجمل حلة تجمع بين التراث الثقافي الإسلامي، والتطور الحضاري والتكنولوجي». مدرسة وأيقونة الشاعرة الأردنية ليالي العموش، قالت: إنها إمارة استثنائية وغير عادية تشعرك بأنك بين أهلك، بل في بيتك من خلال هذا الكرم وهذا الاحتفاء بالمبدعين في القطاعات كافة، وإن العالم العربي اليوم ليفخر شديد الافتخار بهذه الأيقونة التي ترفع رؤوسنا داخل المشهد المضرج. في الشارقة فقط تعرفت قيمة أن أكون مبدعة، وتعلمت في أيام قليلة مرت كساعات أن الثقافة يمكن أن تنهض بالشعوب، إذا ما وجدت نفس الاحتفاء ونفس التوهج الذي هي عليه في شارقة الثقافة. وأضافت العموش: إذا أردت أن تعرف حجم ما وصلت إليه الشارقة من ريادة ثقافية، فعليك أن تأتيها لتراها عن قرب عروساً مضمخة بحناء القول، وواضح الفعل، لتستطيع أن تكتب وتبدع وتتألق، إنها حاضنة لا كالحواضن، ومدرسة في الثقافة تختلف عن كل المدارس، وعائلة كبيرة يمثل الفعل الثقافي فيها أولوية لا مناص للحياد عنها أو تركها في درج النسيان. أما الشاعر والإعلامي البحريني محمد منصور آل مبارك فأكد في سياق حديثه أن الإمارات السبع أبهرت العالم باتحادها وتآزرها وتنظيمها وعزها وازدهارها، وقد وضعت كل إمارة قدمها على سلّم المجد والتميّز، إلا أن من بين هذه الإمارات السبع إمارة تألقت بكثرة المساجد والمباني التي اتخذت ذات المعمار الإسلامي، عانقت البحر فعانقها، حضنت الرمال فحضنتها، كذلك حضنت الدين الحنيف. إمارة تستقبل الشمس كل صباح، أخذت من الشروق عنوانها واتخذته اسماً لها، إنها إمارة الشارقة، التي أعطت لكل المجالات الثقافية الاهتمام الملحوظ، وما هذه الألقاب التي توشح صدرها سوى دليل واضح على تألقها. فيما أشار الناشر والمثقف السعودي محمد عبدالله الفريح إلى أن الشارقة تحتل اليوم مكانة مرموقة جداً لدى كثير من مثقفي ومفكري المنطقة العربية، باعتبارها قبلة لهم ولهمومهم في نشر ثقافتهم وإبداعهم المحاط بأكثر من سياج في معظم الدول العربية، وليس بمستغرب أن يتم اختيار الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية، فما أن يحط المسافر رحاله فيها حتى تستقبله اللوحات المرشدة للأماكن الثقافية كالمتاحف والمكتبات وغيرها، بالإضافة إلى المناشط الثقافية العديدة التي تزخر بها هذه المدينة الجميلة المثقفة، والتي يأتي على رأسها معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض الحقوق المصاحب له، وكذلك معارض الفنون المختلفة، والتي تغطي نقصاً كبيراً وهائلاً تعاني منه المنطقة العربية على هذا الصعيد. ملهمة الشعراء والحالمين الكاتب والصحفي المغربي أحمد علوة رئيس تحرير إذاعة (اطلنتيك) في الدار البيضاء تحدث عن الشارقة مؤكدا أن في أقصى الإمارة العامرة، تماماً مثل القلب في الجسد.. توجد الشارقة كمتحف في الهواء الطلق.. هي ملهمة الشعراء والمبدعين والحالمين. وقال: بين عام 1998 حين أطلق على الشارقة عاصمة الثقافة العربية وعام 2014 التي اختيرت فيه المدينة كعاصمة للثقافة الإسلامية.. مسافة حافلة وشاسعة ربح فيها العالم العربي والعالم بأسره مدينة استثنائية تم فيها الانتصار لأول مرة عربيا لكل أشكال التعبير الإنساني من شعر ومسرح وأدب وتشكيل، ومن خلال مسار انخرط فيه صناع القرار وعكسته خارطة طريق راعت كل جوانب الفعل الثقافي الحقيقي حد أن تحولت إلى منارة تنير عتمة المكان.. وإذا كان من الصعوبة بمكان عد المنجزات الثقافية الكبرى التي قادها حاكم الشارقة، فإن بعض القرارات الهامة والفريدة يمكن أن تكون مدخلا هاما في عام 2014 والمدينة عاصمة للثقافة الإسلامية، من بين هذه القرارات التي اعتبرها فريدة ونوعية: قرار إنشاء مدينة الشارقة للنشر «هيئة منطقة حرة»، هذه التجربة المتميزة يمكن أن تعمم على مجالات وألوان وأطياف إبداعية أخرى وبما يعزز فعلا الغاية الكبرى المتمثلة في تعزيز مكانة الشارقة لتصبح مركزا عالميا يستقطب كل أشكال التعبير. ويعتقد الشاعر والمخرج التونسي محمد العوني أن الشارقة قبلة شعب كامل من المسرحيين العرب، منتشر في أصقاع الأرض، يتطلّع بآلامه وأحلامه نحوها ويلقي على أكتافها وزر التأسيس والمبادرة والإنجاز والخلاص، ندوات... تقييم التجارب... نقد التجربة ووضع الهمزة على السطر لتعميق التواصل ومدّ الجسور... كتابة التاريخ الحيّ والمعاصر للمسرح العربي... ملتقيات لإحياء فنون غابرة وأصيلة... توثيقها ونفض الغبار على كنوزها وصناديقها، من بغداد وفلسطين وتونس والجزائز ومصر والأردن ولبنان و... و... و... اتفاقيات مع منظمات دولية كالاتحاد الدولي للعرائس والبحث عن شركاء دوليين للنهوض بكلّ أنواع وأجناس وشعريات الفرجة المسرحية العربية... مهرجانات ومسابقات وتكريم وجوائز وخزانات ذاكرة... مجلّة مختصة في المسرح العربي مفتوحة لكلّ الأقلام وللباحثين والنقّاد... إصدارات ومواقع تواصل إلكتروني... استقبال واهتمام وتوديع وسفر وترتيب هنا وهناك و... و... خليّة نحل تبتكر عسل الحياة وإكسيرها. عمارتها تاريخ الدكتورة هاجر الكريمي خبيرة التراث التي زارت الشارقة مؤخراً في إطار بعثة خاصة تقول: لقد استهوتني الأنوار الثقافية الخافتة في مدينة الشارقة حيث العمارة العربية الإسلامية التي تسرق الأنظار بهندستها وشموخها وزخرفها. كنت أجلس على ضفاف بحيرة خالد أتأمل في أقصى الضفة مسجدا يرتفع منه الأذان ويدعونا إلى الخشوع، ولكن عندما يتوقف الأذان وتنتهي الصلاة يبقى الخشوع في الذهن يدعونا إلى تأمل جمال المسجد وصورته المنعكسة على مياه البحيرة في أروع صورة تذكارية حملتها معي في حقيبتي. واكبت فعاليات المعرض الدولي للكتاب في مناسبتين واستمتعت ببعض المحاضرات والحوارات التي تنعقد على هامشه وكم تمنيت لو أن مثل هذه المواعيد الثقافية لا تنقطع عن بلدنا العربي، مواعيد يكرم فيها الأدب والفكر الحر، تستساغ فيها الكلمات الشعرية والغناء، يعود للتاريخ والحضارة مجدهما ويحتفى بالثقافة أيما احتفاء. ويرى الكاتب المسرحي والروائي التونسي يوسف البحري أن الشارقة اليوم «ضوء ثقافي في الظلام العربي الذي تنكّر للعلم والمعرفة والثقافة والفنون وفتح على نفسه سراديب الجهل والتخلّف إراديا أحيانا وغدرا أحيانا أخرى. هكذا أنزّل الثقافة والفنون وهي تحظى بالتبجيل والدعم في الشارقة في سياق الانسداد الثقافي العربي الرسمي وإن كان ذلك الانسداد متفاوتاً من دولة إلى أخرى. والبلاد العربية منقسمة على نفسها. بعضها يتطلّع إلى الرقيّ الثقافي والفنّي لكن لا يمتلك الأدوات اللازمة ماديا وفكريا أو تضغط عليه البنية الاجتماعية ونظم القيم التقليدية. وبعضها يسعى إلى محاربة الثقافة والفنون أو إهمالهما في أحسن الأحوال، بل وتبذل جهداً في ذلك أحيانا». فيما يذهب الدكتور ماجد بن عبدالعزيز الخواجا الإعلامي والجامعي الأردني إلى القول بأن الجاحد هو من لا يقرّ أن الشارقة حفرت اسمها في المحافل الثقافية والفكرية العالمية، نتيجة جهد متواصل لرجلٍ نذر قلمه وعمره وعمله للإعلاء من شأن الفضاء المعرفي والتربوي والأدبي... ليس في الشارقة أو في دولة الإمارات العربية المتحدة فحسب، لكنه حمل لواء نشر الثقافة الواعية الملتزمة المعبّرة عن الإرث الحضاري الإنساني الواحد في مختلف أرجاء الدول العربية والعالمية. حين تطلّ على شيءٍ من السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتمعن التأمل في درجة ومستوى التقدم الذي حظيت به الشارقة في عهده، تتيقن أنه بالإمكان أن يكون هذا العالم أكثر جمالاً ونقاءً وقابلية للعيش اللائق. ويختم بالقول: «الشارقة خلطة يصعب تركيبها واستيعابها ناهيك عن تقبّلها وتمثّلها كممارسة مشاهدة، إن لم يكن خلفها رجل حكيم صادق يقرن القول بالفعل، ويقدم الصورة الأنموذج. لقد تراكم الفعل الثقافي والأدبي عبر سنين من العمل المتصّل الدؤوب للشارقة فكان لها ما أرادت». موازنة الدكتور الحبيب السعيدي الأستاذ الجامعي بجامعة لافال الكندية نظر إلى الشارقة نظرة مختلفة، مؤكدا أن أهم ما لفت انتباهه عند زيارته هذه المدينة لأول مرة منذ ثلاث سنوات تقريبا، هو توجهها الملحوظ والبادي للعيان، نحو المعادلة بين المحافظة على الذاكرة عبر تثمين التراث وتنويره بشتى الوسائل وبين الانفتاح على مقتضيات الحداثة والمعاصرة، خاصة في إطار مجاورة المدينة لمدن أخرى يمكن وصفها بالـ «ما بعد حداثية». هذا التوجه نحو الموازنة والملاءمة بين هذين التحديين: تحدي المحافظة على الهوية وعلى التراث دون انغلاق ودون تقوقع على الذات، وتحدي الانفتاح على العالم دون تفسخ ودون ذوبان، يتجلى بوضوح من خلال ثلاث خاصيات تميز المدينة. تتعلق الخاصية الأولى بالخيارات المعمارية المستوحاة من تنوع الأساليب المعمارية التي تميز الحضارة العربية الإسلامية، وهي خيارات يبدو أنه تم تصميمها ضمن خطة شاملة ترنو إلى غرس المدينة وتجذيرها على الدوام في محيطها العربي الإسلامي والشرقي بشكل عام. الخاصية الثانية تهم تعدد المتاحف وخاصة منها تلك التي تحتفي بالعلم والعلماء في الحضارة العربية والإسلامية. قل أن زرت مدينة عربية تحتوي على هذا العدد من المتاحف التي تضاهي من حيث الجودة كثيراً من المتاحف الأخرى في كثير من البلدان المتقدمة في هذا المجال. الخاصية الثالثة هي المتعلقة بالاهتمام بالتراث اللامادي بشكل خاص، وهو اهتمام يمثل في حد ذاته تحديا نظرا لانفتاح المدينة على الكثير من الثقافات الوافدة». وقال الكاتب والروائي المغربي عزيز العرباوي: «إن الحديث عن الشارقة كمدينة للمعرفة والثقافة والإبداع الأدبي والفكري ليس حديثاً يسهل الخوض فيه، خاصة أنها ملتقى للثقافات والفكر والمبدعين العرب والمثقفين الذين ساهموا بالكثير في أوطانهم وبلدانهم، وأغنوا الساحة العربية بالعديد من المؤلفات والإبداعات التي ترقى إلى مستوى العالمية. وبمبادرة «الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية» لعام 2014، وبمتابعة متأنية لكل ما ينشر ويطبع ويقام من مهرجانات ثقافية وفنية بها في السنين الأخيرة، سنرى أنها مدينة تستحق أن تكون عاصمة العرب ثقافياً وفكرياً وأدبياً... أولاً بحكم أن حاكمها شخصية ثقافية وأدبية بامتياز تميزت على الصعيد العربي والعالمي من خلال إبداعاتها في مجال المسرح وفي مجال التسيير والتدبير، وكذلك في دعمها الكبير لكل الفعاليات الثقافية والفنية المقامة في الإمارة». أما الروائي السوداني أمير تاج السر فقال: «لا شك أنني كغيري من الكتاب العرب، عرفت الطريق إلى الشارقة باكرا، وكان ذلك خلال عدة مشاركات لي في معارض الكتب، أو ندوات ثقافية، أو حوارات تلفزيونية، في فضائيتها الرصينة المنضبطة. تلك الإمارة الساحرة، التي لا تأتي بسحرها من البحر والعمران وسماحة الناس وكرمهم فقط، ولكن أيضا من ذلك الإشعاع الثقافي الذي تبثه باستمرار، سواء لمواطنيها أو لكل من يزورها من المبدعين العرب والأجانب، مشاركا في زخمها المميز». مركز إشعاع فكري وثقافي الكاتبة والإعلامية الجزائرية جنات بومنجل أكدت أن اختيار إمارة الشارقة هذا العام لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية يمثل انعكاسا لدورها الريادي في مجالات المعرفة والفكر، وتعزيزا لمساحات الفكر والمعرفة التي ارتأى حاكمها أن تكون مركزاً للإشعاع الثقافي في دولة الإمارات والخليج والوطن العربي، ولعل تلك الجهود تبدو واضحة الملامح في كافة المبادرات الثقافية الهامة التي ظلت الشارقة تطلقها عاما بعد عام، ابتداء بمعرضها الدولي للكتاب الذي تحول إلى قبلة للمثقفين والكتاب والناشرين. مرورا بمنتدى التواصل الحكومي الذي يجمع كل عام خيرة رجالات الإعلام في الوطن العربي، دون أن ننسى جهود سموه انطلاقاً من فكره السياسي الوحدوي والتاريخي والأدبي، وإبداعه الثقافي والفني في دعم كل المبادرات العربية الساعية إلى إثراء العمل الثقافي والمعرفي، وأن الشارقة على تميزها وموقعها الحالي في الخريطة الثقافية، تحتضن كل عام فعاليات ومهرجانات للمسرح والشعر والرواية والفن التشكيلي، فبين ربوعها تتوالى حلقات الإبداع، والمهرجانات المحلية والخليجية والعربية لجميع الفنون وضروب الإبداع. بينما انطلق الدكتور مصطفى جاد أستاذ تقنيات حفظ الفولكلور بأكاديمية الفنون في القاهرة من مجال اختصاصه، فقال: حاولنا كمتخصصين في بحث التراث الشعبي العربي عدة مرات لفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بالمبدعين والرواة الشعبيين.. وقد سجلت اليونسكو في أكثر من وثيقة أهمية الاحتفاء بالكنوز البشرية، وأوصت بمشاركة الجماعات في حفظ تراثها، غير أن الشارقة قد سبقت الجميع واحتفت مبكراً بالراوي الشعبي بل عقدت له مؤتمراً واحتفالية سنوية.. ورأينا لأول مرة كيف يتسلم الراوي الشعبي الجوائز ويكون له يوم مستقل أطلقت عليه الشارقة «يوم الراوي». بل خصصت دورية متخصصة هي «الراوي» لتسجل فيها إبداعات الرواة الشعبيين. وعلى مدى السنوات الماضية لم تهدأ الشارقة في تقديم أجمل ما لديها: جوائز في الإبداع العربي.. ومعرض دولي للكتاب ينتظره العرب كل عام.. ومناقشات ومشاريع هنا وهناك حول قضايا تراثية وإسلامية وإبداعية حول الشارقة والمنطقة العربية والعالم، ومفكرون نقابلهم من كل أنحاء الأرض وبكل لغات الأرض. وفي السياق نفسه، قالت الدكتورة أحلام أبو زيد مدير عام مركز دراسات الفنون الشعبية بالقاهرة: دعيت إلى الشارقة أكثر من مرة في إطار تخصصي الذي أفهم فيه وهو بحث ودراسة التراث الشعبي.. فهالتني رسالة الشارقة المخلصة في الحفاظ والترويج لتراثها الشعبي.. كما هالني كم الإنتاج الفكري لأبناء الشارقة في مختلف مجالات التراث الشعبي من عادات وتقاليد وأدب شعبي وفنون تشكيل وموسيقى وحرف تقليدية..إلخ. فضلاً عن الدوريات المتخصصة مثل مجلة «تراث» ومجلة «الراوي» وغيرهما. ثم عدت للقاهرة محملة بأقصى ما استطعت حمله من هذه الإصدارات.. ووجدتني بدافع من الضمير العلمي أعد ملفاً متخصصاً حول هذه المؤلفات، نُشر بباب «جديد النشر» بمجلة الثقافة الشعبية، وحمل الملف عنوان «التراث الشعبي بالإمارات: ثراء علمي وإبداعي». ولم يتسع الملف رغم كبره لعرض جميع ما حملته معي.. وأسعى لتقديم ملف جديد. وفي سياق حديثها عن الشارقة قالت القاصة والأديبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط: تتميز إمارة الشارقة، بعراقة تاريخية وحركة ثقافية، فكرية، أدبية، فنية وعلمية بارزة، نظرا لما توليه من عناية كبيرة للمشهد الثقافي، إيمانا منها بدور الثقافة في تطوير وتنمية المجتمع، وكذا توسيع المعارف الفكرية والإبداعية والجمالية لدى الفرد، ما جعلها تتبوأ منزلة ثقافية مميزة، محليا ووطنيا وعربيا، من خلال إسهاماتها الكبيرة في الثقافة الإسلامية والإنسانية، من خلال عدة برامج ثقافية ومشاريع معمارية فريدة من نوعها، دون أن ننسى جهودها واهتمامها بالحفاظ على التراث الثقافي العربي/ الإسلامي بين الثقافات الأخرى، وكذا دورها في تفعيل المشهد الثقافي بين الفئات الاجتماعية المختلفة من خلال تأسيس جملة من المراكز والمرافق ذات الصبغة العلمية والثقافية والفنية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©