الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زهور بوشكين ودنقل

زهور بوشكين ودنقل
5 يونيو 2008 01:07
يرتبط كلا الشاعرين بوشكين وأمل دنقل لدي بالموت، فكلاهما مات في شبابه، إذ فارق بوشكين الحياة وهو لم يبلغ بعد الثامنة والثلاثين، في حين خطف دنقل الموت وهو لم يبلغ الرابعة والأربعين بعد· ورغم ذلك فإنهما أحدثا أثراً كبيراً في الشعر· ويظهر عالمهما الشعري في بحثه الدؤوب عن الحرية والخلاص· وكثير من القصائد التي قرأتها لأمل دنقل تذكرني بعالم بوشكين الشعري، وأشعر بأنهما يسعيان إلى استخدام الجزئي والهامشي في حياتهما الخاصة وتحويله إلى قضية كبرى تتصل بشكل أو بآخر بالحرية والمجهول· اشترك الاثنان في إعطاء بعد وجودي ذاتي للزهرة بوصفها رمزاً للموت، ويمكن أن يلمس القارئ ما أرمي إليه في قصيدة ''زهرة'' لبوشكين المكتوبة سنة 1828 وقصيدة ''زهور'' لأمل دنقل المنشورة في ديوانه ''أوراق الغرفة (8)'' سنة ·1983 لقد كان لقاء بوشكين بالزهرة صدفة، زهرة يابسة منسية في كتاب· فاستخدمها ليعبر عن تربّص المجهول بالأشياء: أين ترى تفتحت؟ متى؟ في أي ربيع؟ أتراها أزهرت طويلا؟ وأية يد قطفتها؟ وهذه الأسئلة ستقوده إلى الحديث عن اليد القاطفة، وسيتساءل، هل هي يد غريبة أم يد صديقة؟ ثم ينتقل إلى الغابة تلك التي جلبت منها الزهرة، قائلاً: أين تراهما يقطنان الساعة أم تراهما قد ذويا منذ زمن كهذه الزهرة الغريبة؟ واضح جدا أن هذه الانتقالات من الكتاب إلى الزهرة ثم إلى الغابة واليد القاطفة ثم العودة من جديد إلى الزهرة، ثم الإلماح بأن اليباس لم يطلها وحدها، وإنما طال أيضا اليد القاطفة والغابة، وقبل ذلك سيتفجّع على أسباب القطف، قائلاً: ولأية غاية وضعت هنا؟ أفي ذكرى لقاء حنون أم في ساعة فراق لا لقاء بعده؟ أم في نزهة دون رفقة؟ إن قطف الزهرة، ونقلها من مكانها إلى الكتاب رمز للموت والفراق والمجهول، فاليد غريبة والزهرة غريبة أيضا، ويصور بوشكين يباسها بموت الإنسان، حيث جاء القطف ليزهق إزهارها الذي استمر طويلا، وبمعنى آخر فإنها تذكر بقصيدة أمل دنقل ''زهور''، التي جلبت له وهو يحتضر، ولذلك فإن قطفها سيمثل حزنا كبيرا لدنقل الذي يرفض أن يكون موته سببا في موت الآخر، فلماذا تقتل الزهور من أجله، ويقول: تتحدث لي كيف جاءت إلي··· كي تتمنى لي العمر! وهي تجود بأنفاسها الآخرة· ···تتنفس مثلي بالكاد ثانية··· ثانية وقطف الزهرة عند كلا الشاعرين يستخدم ليصوّر الذات في صراعها مع المجهول، فإذا كانت زهرة بوشكين صامتة يابسة، فإن زهرة دنقل حية في طريقها إلى الموت، وهذا ما سيمكن دنقل من أن يقيم حواراً بينه وبين الزهور، في حين زهرة بوشكين ميتة نتيجة ماض غريب يفترس الشاعر، ويجعله ينسى المستقبل على خلاف دنقل الذي يميل إلى المستقبل الغريب الذي ينتظرهما، هو والزهرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©