السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جســر الكِتَاب العظيم

جســر الكِتَاب العظيم
26 ابريل 2017 19:23
هناك «كلمات متجولة» رائعة للروائي الأوروغواياني إدواردو غاليانو، يقول فيها: «الغيتار الذي لا ينسى رفيقه، يعزف الموسيقى دون يد. يسافر الصوت، تاركاً الفم خلفه». ولكن هذا الكلام على روعته، في رأيي، لا ينطبق على الغيتار والصوت، ولا على النجمة الميتة فحسب، وإنما على كل شيء، بما فيها الكتب خصوصاً. فالكتب هي كذلك، حين تسافر من مكان إلى مكان، لا تنسى مؤلفها/‏‏ رفيقها، وإنما هي تتكلّم بدلاً عنه في غياب فمه أو حضوره الحقيقي، حتَّى ولو كان ميتاً. إن مصير الكتب، في معظم الأوقات وفي نهاية المطاف، هو مصير كاتب غائب، يتمثل حضوره بحضور كتبه ذاتها التي تتكلّم بصوته. وهذا مثلاً، ما يجعل ملايين من الكُتّاب الأموات، وحتّى الكثير من الأحياء منهم، أن يحضروا من خلال كتبهم ومؤلفاتهم وحدها. القاعدة إذاً، أن تتقدم الكتب دون رفقة أصحابها، أمّا الاستثناء فهو أن يحضر الكاتب مع كتابه في مناسبة من المناسبات. ولعل هذا بالضبط، ما توفره معارض الكتب الدولية، مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب ومعرض الشارقة الدولي كذلك. وذلك انطلاقاً من فلسفة الضيافة الإماراتية بمعناها الشمولي المستنير والمتسامح والمنفتح على الآخر، وهي أن تستضيف الأحياء والأموات من الكُتّاب تحت سقفٍ واحدٍ. كما تستضيف ثقافات وحضارات العالم على أرضها، وتجمعهم تحت السقف الوطني الواحد ذاته، بما يشكل نوعاً من يوتوبيا التعدديّة الثقافيّة والإنسانيّة المُثلى والمثمرة حضارياً. ولعل الاحتفاء الجميل والمهم، بفكر الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي (1165 – 1240 م)، بوصفه الشخصية الرئيسة لمعرض أبوظبي للكتاب الذي ينطلق اليوم، هو نوع من الاحتفاء بكاتبٍ ميتٍ في غيابه أو ربما بكاتبٍ حاضرٍ أكثر من الأحياء، والذي عبر استعادته وإحياء فكره، يتم توجيه رسالةٍ مستقبليةٍ واضحةٍ ومناهضةٍ، لخطر الرق العقلي والروحي، ولكل فكر تكفيري وهمجي ومتخلف عن سنن الحياة والتطور. وكذلك الاحتفاء الكبير بالثقافة الصينية العريقة، بوصفها ضيف شرف المعرض، والتي تعد مشاركتها الأكبر لها في العالم العربي، من حيث الكم والكيف والتمثيل والفعالية والحضور، سيجعلها في المحصلة تؤثر ثقافياً وسياسياً وبشكل إيجابي مستقبلاً، على مشاريع النشر والانفتاح والتواصل بين الإمارات والصين وعموم العالم العربي. إن العلاقة العربية/‏‏ الصينية قديمة جداً، منذ طريق الحرير وما قبله، ولكن الجديد في هذا المعرض هو محاولة اكتشاف روحانية الشرق وحكمته الكبرى، وذلك عبر بوابة ابن عربي وحكماء الصين مثل لاوتسو وكونفوشيوس، وكل من جاء بعدهم، ومشى على هذا الطريق العظيم من الضفتين. هكذا، وعلى هذا المنوال، تتحوّل معارض الكتب إلى أعياد مداد وتظاهرات كونية معرفية وحياتية مبهجة، تقرّب بين العوالم المتباعدة والقصية، وتجمع الكل تحت سقفها الظليل الواسع الواحد، بحيث تثمر أشجارها الوارفة وتمد أغصانها لكل راغب شغوف، بالمعرفة والكتابة، وبالحياة في خلاصاتها الأرحب والأجمل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©