السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفرق المارقة.. منذ عهد الأزارقة!

26 ابريل 2017 00:03
لو كان الدم العربي الذي أهرق منذ الفتنة الكبرى- وما زال يراق- ماء لاختفت الصحارى والصخور والجدب والجفاف، ولصارت الأرض العربية من المحيط إلى الخليج مروجاً خضراً.. فالعرب يعانون فقر الماء ولكنهم يعانون أيضاً ويعيشون ثراء دم.. الدم العربي صار رخيصاً جداً.. بينما الماء نادر وأغلى من الدم.. فالعرب قتلوا بعضهم بعضاً من أجل كل شيء وباسم كل شيء ومن أجل اللاشيء أيضاً.. حتى أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ستكون فتن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، وتكون إراقة الدماء أو شرب الدم كشرب الماء.. فالعربي قد لا يجد شربة ماء، ولكنه يستحم ويشرب في نهر دم حتى ليصدق فينا قول الشاعر: فيَا لَك بحراً لم أجِد فِيه مَشرباً وإن كان غيري واجِداً فيه مَسْبحا ولا تجد سطراً في كتاب التاريخ العربي الأحمر منذ الفتنة الكبرى يخلو من القتل والدم والدمار والحرق، وكأن دعوة سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قبل مقتله، قد استجيبت عندما قال لقاتليه: والله لو سللتم سيوفكم لتقتلوني فلن تغمدوها أبداً.. والمأساة أن قائد كل فريق من المتحاربين المسلمين كان يقول لجنوده عند بدء القتال: بماذا تشهدون؟ فيقولون: نشهد أننا على الحق وأن عدونا على باطل.. وأن قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.. فيقول كل قائد لجنوده: امضوا وقاتلوا باسم الله وفي سبيل الله.. وموعدنا الجنة إن قتلنا والنصر والظفر إن نجونا.. الرواح.. الرواح إلى الجنة.. الله أكبر.. نفس الحروب القبلية في الجاهلية، لكن اللافتة تغيرت.. كان القتال في الجاهلية باسم الكلأ وباسم حماية الحريم. وإنا لنرخص يوم الروع أنفسنا.. ولو نسام بها في الأمن أغلينا. ثم صار القتل باسم الله وعلى بركة الله.. وصار التكبير على الذبائح البشرية مثل التكبير على الذبائح الحيوانية. الفتنة الكبرى العربية مسلسل مكسيكي أو تركي أطول من ليالي الشتاء المظلمة.. حلقات متصلة غير منفصلة لا نهاية لها.. بل لا هدف ولا غاية.. كان القتال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عهدي أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، وسيلة.. وصار منذ مقتل عثمان، رضي الله عنه، غاية وهدفاً في ذاته.. صار حروباً قبلية عبثية باسم الله.. وتحول الصعاليك وقطاع الطرق إلى «جهاديين» و«مجاهدين» في سبيل الله.. وأصبحت الحرابة باسم الدين عملاً مشروعاً وشرعياً.. وأصبح للإرهابيين وأهل الفتنة دعاة ومُفتون يشبهون شعراء القبائل في الجاهلية. ومنذ الفتنة الكبرى كان القتيل الأول هي الحقيقة.. الفتنة الكبرى قتلت الحقيقة أولاً قبل أن تقتل وتحصد البشر.. فلم تعد هناك حقيقة واحدة أو قول فصل.. وصار كل المتناقضين والمتضادين على حق!. وبدأ مسلسل التكفير بتكفير عثمان رضي الله عنه، ثم تكفير علي كرم الله وجهه، ثم تكفير معاوية رضي الله عنه.. كان تكفير الصحابة، رضوان الله عليهم، بداية النهاية.. وصارت الحرب بين بني هاشم وبني أمية.. أي حرب قبلية باسم الدين.. حرب ليس فيها بريء واحد.. ولا مذنب واحد.. وكل ذلك باسم الدين وباسم الله.. وصار بنو أمية ينادون في الناس: يا ثارات عثمان.. وينادي بنو هاشم: يا ثارات الحسين.. ولكل فريق أنصاره الذين يبكون عندما يسمعون النداء: يا ثارات عثمان ويا ثارات الحسين... وتمذهب الناس باسم الثارات إلى سُنة وشيعة.. وإلى عثمانيين وعلويين.. وافترق العثمانيون فرقاً.. وافترق العلويون فرقاً.. وكل هذا باسم الثأر الجاهلي لا باسم الله ولا في سبيل الله.. وظهر الخوارج الذين يرفضون الجميع ويكفرون الجميع، فخرجوا إلى الجبال والفيافي والكهوف باسم الثورة على الجميع وباسم ما نسميه اليوم الطريق الثالث.. لكن القبلية والفرقة تجريان في الدم العربي.. فما لبث الخوارج أيضاً أن تفرقوا شيعاً وجماعات متضادة.. كل فرقة تكفر الأخرى ثم تكفر الجميع.. فرأينا الأزارقة والنجدات وغيرهما من فرق الخوارج.. وفي نهاية الأمر.. كل الفرق هالكة ولا توجد فرقة ناجية واحدة إلا التي ليست فرقة. والمثير للسخرية حقاً أن نافع بن الأزرق الخارجي مؤسس فرقة الأزارقة هو أول من قال بمبدأ الولاء والبراء.. ومثار السخرية هنا أنه أطلق هذا المبدأ أو الشعار ضد فرقة من الخوارج أنفسهم لم يتبعوه وقعدوا عنه عندما خرج من البصرة إلى الأهواز أو «الأحواز».. فقد تخلف عنه من أتباعه عبدالله بن الصفار وعبدالله بن أباض وكثيرون معهما.. فقال نافع: إن ولاية أي موالاة هؤلاء الذين قعدوا عنه لا تحل لأتباعه، ودعا أصحابه إلى البراءة منهم فلا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم.. ولا يجوز قبول شهادتهم أو أخذ علم الدين عنهم، ولا يحل ميراثهم.. ويحل قتل أطفالهم وكل الأطفال المسلمين.. ثم قال إن جميع المسلمين كفار مثل كفار مكة، ولا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.. وهكذا بدأ الولاء والبراء والتكفير من الخاص، أي من الخوارج ضد الخوارج، ثم توسع ليصبح عاماً ضد جميع المسلمين.. وهو ما يحدث نفسه الآن.. فأنت لا تعرف لماذا تفرقت الجماعات الإرهابية أو الخوارج الجدد فرقاً... لماذا «النصرة» و«القاعدة» و«داعش» و«فتح الإسلام» و«جيش محمد» و«حزب الله» و«الحوثيون» وآلاف الفرق التي لا ترى بالعين المجردة؟ إنها الفتن التي هي كقطع الليل المظلم.. إنه الداء العربي العضال والفتاك.. داء الفرقة والتفرقة والضلال.. تفرقت بنا السبل فضللنا عن سبيل الله.. وكل فرقة تقول إنها تقاتل في سبيل الله.. فأين الحقيقة وأين سبيل الله وسط هذا الركام والدم والدمار والخراب؟، ثم بعد ذلك نقول إنها مؤامرة خارجية.. فهل كانت مؤامرة خارجية أيضاً أيام الفتنة الكبرى؟.. وهل كان نافع بن الأزرق ونجدة بن عامر صنيعة استخبارات فارسية أو رومانية؟.. وهل كانت الاستخبارات الأميركية و«الموساد» حاضرتين منذ الفتنة الكبرى؟ كلا والله.. إننا نتآمر على أنفسنا ونعطي ما نسميه عدونا أضعاف ما يطلب ويريد.. إنه سرطان عربي قديم متجدد.. سرطان الفرق والملل والنحل.. والقبلية التي تحولت من عرقية إلى دينية فكرية.. إنه التعاون على الإثم والعدوان والتفرق والنكوص عن البر والتقوى.. إنه داء الفرق المارقة منذ عهد الأزارقة! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©