الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموقف الأميركي من كوبا··· لم يعد مبرَّراً

الموقف الأميركي من كوبا··· لم يعد مبرَّراً
2 يونيو 2008 01:02
منذ ما يناهز خمسة عقود، تتبع الولايات المتحدة سياسة تجاه كوبا يمكن وصفها بأنها في غاية الغباء، بل ويمكن وصفها بأنها صبيانية، وتأتي بنتائج عكسية وجنونية أيضاً، لكونها لم تتغيَّر حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فمع انتفاء التهديد الذي كانت تطرحه الشيوعية، انتفت أيضاً كل المبررات المنطقية لرفض الرؤساء الأميركيين المتعاقبين التقرب من كوبا، وعلاوة على ذلك، فإن الحصار التجاري والعقوبات الأخرى التي تفرضها الولايات المتحدة على كوبا لم يفلحا في تحقيق أي شيء باستثناء توفير خصم مناسب لـ''فيديل كاسترو'' يساعده على تهييج الشعور القومي في الجزيرة، إضافة إلى تمديد فترة حكمه· اليوم، وفي وقت اعتلت فيه صحة ''فيديل'' وتقاعد، وحل محله شقيقه ''راؤل'' الذي بات يمسك بزمام الحكم، تُوجد أمام الولايات المتحدة أفضل فرصة منذ سنوات للتأثير في مجرى الأحداث بالجزيرة، غير أنه لما كان من المستبعد أن يقوم ''جورج بوش'' بالشيء الصحيح والمناسب، فإن ذلك مرهون بالرئيس المقبل· يبلغ ''راؤل كاسترو'' اليوم 76 عاماً من عمره، ومنذ توليه رئاسة كوبا والرجل يتصرف كما لو أنه يدرك أن ليس لديه وقت كثير ليضيعه، فمن بين أولى الخطوات التي اتخذها إلغاؤه القانون الذي كان يمنع الكوبيين من شراء أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة وغيرها من السلع الاستهلاكيـــة، وهي مواد كــان يخشى ''فيديل'' أن تسهل حدوث الفتنة والانقسام أو خبو الثورة، صحيح أن هذه التدابير رمزية في معظمها -خاصة أن متوسط الرواتب في كوبا يناهز 17 دولاراً في الشهر- فإن معظم الكوبيين لا يستطيعون حتى الحلم باقتناء أجهزة كمبيوتر، كما أن الحكومة الكوبية مازالت تفرض رقابة صارمة على الإنترنت، ثم إن الكوبيين الذين يمتلكون هواتف نقالة لا يستطيعون استعمالها بالنظر للمبالغ الفلكية التي تطالب بها شركة الاتصالات الحكومية المحتكِرة· ولكن من جهـــة أخرى، شجع ''راؤل'' على إطلاق أولى النقاشات في وسائل الإعلام الخاضعة لمراقبة الدولة (وهي وسائل الإعلام الوحيدة الموجودة)، وهو شيء ما كان ''فيديل'' ليفعله أبداً، فكما تبدو الشائعات حول اعتزام الحكومة قريباً السماح بتملك السيارات، بل وحتى السماح بسوق خاصة في مجال العقارات، أمراً قابلاً للتصديق اليوم مقارنة مع ستة أشهر خلت· لقد سبق لي أن زرتُ كوبا كصحفي حوالي عشر مرات، ويقول الأصدقاء هناك -ومن بينهم بعض من أشد المنتقدين لنظام كاسترو-: إن ثمة تفاؤلاً حقيقياً بشأن آفاق التغيير، والحال أن رد ''بوش'' يتميز بالفتور واللامبالاة، ففي تصريحات له قبل بضعة أيام، قال ''بوش'' إن ''راؤل كاسترو'' ليس، ولن يكون، من المؤمنين بالديمقراطية، ووصف التدابير الأخيرة التي اتخذها الزعيم الكوبي بأنها ''بوادر جوفاء للإصلاح''، والحال أنه هو نفسه قام ببادرة جوفاء خاصة به حين قال إنه سيغير سياسة الولايات المتحدة للسماح للأميركيين الكوبيين بإرسال هواتف نقالة إلى أقاربهم في الجزيرة، وهو ما تفعله العديد من العائلات منذ بعض الوقت· والواقع أنه لا أحد يتوقع أن يقوم ''راؤل كاسترو'' بتحويل كوبا إلى بلد ديمقراطي يتبنى اقتصاد السوق، غير أن الرجل أصدر عدة إشارات مؤخراً على الرغبة في سلك الطريق الذي سلكته قبله القيادة الصينية، بجعل كوبا بلداً أوتوقراطياً يحكمه حزب وحيد ويعتمد اقتصاد السوق· والأكيد أن الصين ليست نموذجاً مثالياً يحتذى به، مثلما أظهرت ذلك الأحداث الأخيرة التي كانت التبت مسرحاً لها، غير أنه من المستحيل نفي حقيقة أن الشعب الصيني يتمتع اليوم بحرية شخصية أكبر مما كان عليه الحال قبل 20 عاماً مثلاً، فلمــاذا لا ترغب واشنطن في تشجيع هافانا على أن تصبح مثل بكين؟ الواقع أن ذلك يقتضي إشراكاً فعلياً للحكومة الكوبية، ولكن ''بوش'' لا ينوي السماح بأي شيء من هذا القبيل، ففي الثالث والعشرين من مايو الماضي ألقى المتنافس الديمقراطي على الرئاسة الأميركية ''باراك أوباما'' خطاباً أمام ''المؤسسة القومية الأميركية الكوبية'' -وهي واحدة من أقوى المنظمات المناوئة لكاسترو الموجودة في ميامي- وقال إنه في حال أصبح رئيساً للولايات المتحدة، فإنه سيشرع في ''دبلوماسية مباشرة'' مع القيادة الكوبية، وبالمقابل، تعهد مرشح الجمهوريين المفترض للانتخابات الرئاسية ''جون ماكين''، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بالاستمرار على المسار المتشدد نفسه الذي يتبناه ''بوش''· والحقيقة أن خطاب ''أوباما'' قد يكسبه بعض النقاط عن جرأته وشجاعته، إلا أنه قد لن يمنحه أصواتاً كثيرة في منطقة ''ساوث فلوريدا''، وذلك على الرغم من أن فكرته صحيحة وصائبة، فالولايات المتحدة يمكنها أن تحاول التأثير في أي تغييرات قد تحدث في كوبا، أو يمكنها أن تنتقد من على خط التماس، غير أنه إذا كان عدد من أشهر المعارضين الكوبيين يحثون البيت الأبيض على إنهاء الحصــار التجاري المفروض منذ عقود والتضييقات الكثيرة على السفر إلى الجزيرة، فإن ''بوش'' لا يعير الأشخاص الذين يوجدون في الخطوط الأمامية لهذا الصراع أي اهتمام، والحقيقة أن التمسك بعناد بسياسة لم تحقق شيئاً منذ خمسين عاماً هو الجنون عينه! يوجين روبينسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©