الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ريو دي جانيرو» وأصداء جريمة القرن

4 يونيو 2016 23:41
يبدو وكأن انتشار وباء فيروس «زيكا» الفتاك، والوضع الاقتصادي المتردّي، لا يحملان للبرازيل ما يكفيها من هموم ومآسٍ. والآن، يحاول البرازيليون «هضم» الأخبار المخيفة التي تناقلتها الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي حول جريمة اغتصاب شنيعة ارتُكبت الأسبوع الماضي في الهضاب المحيطة بمدينة ريو دي جانيرو قبل أيام معدودة من انطلاق فعاليات الألعاب الأولمبية الصيفية. وهذه الجريمة تجاوزت في وحشيتها كل الحدود والمعايير المعروفة عن عالم الإجرام في البرازيل. فخلال الأسبوع الماضي، تم الإعلان عن اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، بوحشية تتعدى حدود التصوّر والخيال، من طرف 30 رجلاً تناوبوا بفعلتهم البشعة على طالبة الثانوية المراهقة تلك، وكانوا يصوّرون الواقعة بأنفسهم في فيلم فيديو لم يتورعوا عن نشره في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد حدث كل هذا في مكان لا يبعد إلا قليلاً عن الملاعب التي ستستضيف الألعاب الأولمبية. والآن، يتساءل البرازيليون ومعهم شعوب العالم: كيف يمكن أن تحدث مثل هذه الجريمة في مدينة تحضر نفسها لاستضافة مئات الآلاف من الزوّار والسيّاح الذين سيتقاطرون عليها من كل بلدان العالم لمتابعة هذا الحدث الرياضي المهم. ولكن هذا السؤال ربما يحتاج أيضاً إلى مراجعة متأنية. صحيح أن هذه الجريمة لفتت الأنظار أكثر إلى ما يتناقله البرازيليون حول الأوضاع المزرية التي يمر بها بلدهم، وقوّت من حملة يشترك فيها كثير من الخبراء وتدعو إلى إلغاء أو تأجيل ألعاب «ريو»، وهي الدعوة التي اقترحتها 150 مؤسسة صحية عبر العالم خلال الأسبوع الماضي. ويمكن القول إن الخطر الحقيقي للمجرمين والفيروسات لن يكون موجهاً بالأساس ضد ضيوف البرازيل لأن المشاركين في الألعاب والزوار سيتمتعون بحماية أعداد كبيرة من رجال الشرطة وقوات مكافحة الشغب والإرهاب، وستكون أساطيل من سيارات الإسعاف والإنقاذ في خدمتهم لدفع الأذى عنهم. ومن المرجّح أن يقضوا هناك أوقاتاً سعيدة. وعلى رغم أن مدينة «ريو دي جانيرو» تبنّت استراتيجية طموحة لمحاربة الجريمة منذ عام 2008 اشتملت على تصفية عصابات الاتجار بالمخدرات، إلا أن هذه الحملة ظلت تفقد زخمها بمرور الوقت. وبعد أن انخفض معدل جرائم القتل في «ريو» عام 2015، عاد إلى الارتفاع بنحو 15 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. ويُعزى سبب ذلك بشكل أساسي إلى التقاعس عن متابعة حملة ملاحقة مهربي وتجار المخدرات، وإلى تردد قوات الأمن في القيام بمهامها على النحو المطلوب. وبالنسبة للنساء البرازيليات، يكون خطر التعرض للجرائم أكبر مما هو عند الرجال. ومع بلوغ معدل النساء اللائي يتعرضن لجرائم القتل 4,8 من كل 100 ألف، احتلت البرازيل المرتبة الخامسة عالمياً في مؤشر قتل النساء في العالم لعام 2013. وفي الوقت الذي نجد فيه دولاً متعددة في أميركا الجنوبية تعاني من العنف الجنسي، إلا أن البرازيل شهدت أسرع ارتفاع في معدل هذا النوع من الجرائم في القارة كلها، وزاد معدل جرائم الاغتصاب بنحو 171 في المئة في الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2012. وفي ولاية «ريو» وحدها، سُجلت 4725 جريمة اغتصاب خلال عام 2014، أو ما يمثل زيادة بنسبة 26 في المئة عن عام 2010 وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة عن القيادة العامة لشرطة المدينة. وفي أول استجواب أجراه مفتش شرطة للاستماع إلى أقوال الفتاة المراهقة التي تعرضت لجريمة الاغتصاب الأسبوع الماضي، سألها عما إذا كانت قد اعتادت على المشاركة في حلقات الجنس الجماعي؟ وما لبث أن عبّر عن شكوكه في أن تكون الفتاة قد اغتصبت أصلاً. وقالت الفتاة الضحية على صفحات التواصل الاجتماعي: «ليس جسمي هو الذي تعرّض للأذى، بل هي روحي». وعندما بدأت تفاصيل وقائع الجريمة تتوارد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ المتظاهرون المحتجون ينتشرون في الشوارع. وهذا ما دفع بقيادة الشرطة إلى الإسراع في محاولة تهدئة الأمور وامتصاص غضبة الشارع وقد أعلنت عن اعتقال اثنين من المجرمين، وقالت إنها تجوب الأحياء والشوارع بحثاً عن الباقين. ثم ما لبثت أن أعلنت عن تعيين مفتشة شرطة متخصصة لإعادة التحقيق مع الفتاة الضحية. ولم تستغرق عملية الاستجواب الثانية وقتاً طويلا حتى أكدت المفتشة أن الأمر يتعلق بجريمة اغتصاب حقيقية. * محلل سياسي أميركي مقيم في «ريو دي جانيرو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©