الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاران لا يعرفان بعضهما

جاران لا يعرفان بعضهما
22 يوليو 2009 23:23
أرقام عاجزة تكشف الأرقام أنه عام 2007 كان حجم التبادل التجاري بين العرب وإيران 16 مليار دولار، بينها 10 مليارات استيرادات ترانزيت عبر دبي، لكن في العام نفسه بلغ التبادل التجاري بين العالم العربي والهند 30 مليار دولار ومع ألمانيا 42 مليارا، أما مع الصين فبلغ 100 مليار دولار، وعلى المستوى السياحي لا توجد سياحة تذكر بين العرب والإيرانيين باستثناء الحجاج، أما التبادل الثقافي فيكاد يكون صفرا. وهذا أحدث فجوة بين الشعوب، وفتح المجال لتصورات مغلوطة هنا وهناك تنفخ فيها الأزمات السياسية الطارئة، ولو أن هناك اهتماما بالعلاقات الثقافية والإنسانية لأمكن عبور كثير من الأزمات وتجاوز بعض التصورات الخاطئة في كل ناحية. صدر في القاهرة للكاتب العراقي صلاح النصراوي كتاب «كلب أصفهان.. الذات المكبوتة في الصراع بين العرب وإيران». العنوان طويل لكنه يتيح للقارئ أن يتعرف على رسالة الكتاب وموضوعه. وقد ذهب الكاتب إلى أبعد مراحل التاريخ قبل خمسة آلاف عام ليرصد صعود وهبوط العلاقة بين الأمتين. في التاريخ القديم كان الفرس متقدمين وينظرون إلى العرب جيرانهم على أنهم متخلفون عنهم، إلى أن جاء الإسلام ليقلب القاعدة فيغزو العرب بلاد فارس وينشروا الإسلام وتصبح فارس لفترة جزءا من الدولة المركزية العربية، ثم تستقل عن الدولة العربية وتؤسس دولتها ويكون لها مذهبها الخاص وهو المذهب الشيعي، ورغم أن الفرس اعتنقوا الإسلام، لكنهم احتفظوا بلغتهم القومية وثقافتهم الخاصة، وظهرت النزعات الشعوبية على الجانبين. ولعل الجزء الأول من عنوان الكتاب يكشف جانبا من ذلك، فهو مأخوذ من مثل إيراني يقول «كلب أصفهان يشرب الماء البارد والعربي في الصحراء يأكل الجرذان». وفي الثقافة الإيرانية سوف نجد أفكارا وكلمات من هذا القبيل، وفي الناحية العربية سوف نجد شيئا مشابها، حتى أن بعض المؤرخين العرب يعلقون سقوط بغداد أمام جحافل التتار على خيانة الوزير العباسي، وكان فارسيا ثم إنهم يسحبون خيانته على كل الإيرانيين رغم أن سقوط الخلافة، كانت له أسباب أبعد كثيرا من خيانة الوزير. دورية الصراع ويرى النصراوي أن هناك دورية للصراع بين الأمتين عبر التاريخ رغم أنهما تعتنقان دينا واحدا ورغم الجوار وتقارب الظروف، لكن أزمة الهوية لدى كل منهما تؤجج التنافس والصراع والإسلام وهو دين توحيدي، لم يتمكن من القضاء على مزاعم السيادة والهيمنة ولنقل التفوق الحضاري لدى كل منهما تجاه الآخر، فلم يقر كل منهما بتعددية الانتماء في المنطقة، وأنه لا يجب أن يكون هناك انتماء واحد يلغي ما عداه من انتماءات، ومن ثم هناك حاجة ماسة وملحة إلى تفادي ما يسميه المؤلف «تصغير الناس إلى هويات جزئية قاتلة». وتجسد الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات مرحلة بشعة من العلاقة بين الجانبين، فقد عكست أبشع شكل ممكن لانفلات الاعتقادات المضمرة وأوهام القوة لدى الجماعتين، وكانت صدى للنزعات القومية والمذهبية والدينية في ظل غياب صوت متعقل لدى كل من الطرفين. ويقول المؤلف إن أسوأ ما خلفته الحرب، إضافة إلى التكلفة البشرية والمادية، هو تلك المعاناة والأحقاد والضغائن والجروح المفتوحة التي لن تستطيع أجيال قادمة أن تتجاوزها، فضلا عن المخاوف الدفينة لدى كل جانب من احتمال تكرار تلك التجربة الأليمة، كما كشفت تلك الحرب القذرة الجبارة للقوى الخارجية وقدرتها على التدخل بينهما. لم تكن الحرب العراقية ـ الإيرانية هي كل شيء، لكن الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين أدى إلى بروز ما بات يعرف بالملف السُني ـ الشيعي، فقد أدى سقوط نظام صدام إلى إعادة توزيع السلطة والثروة في العراق، فقد ظل السُنة في العراق يسيطرون على مفاصل الدولة وتولاها الشيعة الآن سواء كان بمنطق الأغلبية العددية أو بتخطيط المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لمواجهة تطرف السنة بالشيعة، وأدى ذلك إلى انتعاش الشيعة بالمنطقة وبات هناك حديث عن هلال شيعي، فقد تحدث ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني أثناء زيارة له إلى الولايات المتحدة عام 2005 عن أن ذلك الخطر امتد من إيران إلى لبنان، وتحدث بعد عام الرئيس المصري حسني مبارك بنفس المنطق، وفي كواليس السياسيين العرب وخلف الأبواب المغلقة جرت أحاديث وكلمات أخطر من ذلك بكثير. والواقع أن هذه لم تكن مخاوف سياسية فقط، فقد وجدنا الشيخ يوسف القرضاوي يتحدث مرارا محذرا من محاولات للمد الشيعي إلى البلاد السنية، خاصة مصر، وفي السعودية هاجم عدد من كبار العلماء الشيعة، وتم استدعاء خلافات مذهبية عمرها قرون. عوامل الخطر المسألة المذهبية قد لا تكون شديدة الخطورة إذا لم تخرج عن نطاق المسألة العقائدية والدينية، إذ تظل محكومة باجتهادات فقهية وعلمية، يمكن أن تضع لها حدا عند مرحلة معينة، لكنها قد تمتد إلى المسائل الوطنية والسياسية، حيث هناك الآن جانب من التشكيك في ولاء المواطنين إلى دولهم وأوطانهم. ولا يرى المؤلف أفقا سعيدا لهذه الأزمة في المستقبل، تأسيسا على أمرين: الأول، ماضي العلاقات السيئة بين العرب وإيران والثاني ضيق الأفق السياسي والثقافي والحضاري للنخبة التي تتولى مقاليد الأمور في إيران والعالم العربي على السواء. وهناك متطرفون على الجانبين يدقون طبول الحرب باعتبارها معركة وجود وبقاء، والحقيقة أنها ليست سوى صراعات مصالح وأدوار في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي تعيشه المنطقة، وهي حالة لم نشهدها منذ الحرب العالمية الأولى، حين جرى رسم خرائط جديدة للمنطقة. إحدى المعضلات الكبرى في العلاقة بين العرب وإيران، هي ندرة المعرفة الدقيقة لدى كل طرف بالآخر، على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما يقود إلى سوء الفهم والتقدير في العلاقات العربية الإيرانية، وبالطبع فإن الخلافات الإيرانية العربية ليست قدرا مكتوبا، لا فكاك منه، فالأمر يقتضي سعة أفق حضاري وإنساني لدى كل طرف، فإصرار بعض العرب على أن الإيرانيين ليسوا إلا شيعة روافض ومجوس ملاعين، أمر سيء وهو كذلك معيب وخطير، وفي الجانب الآخر إصرار بعض الإيرانيين على احتقار العرب والنظر إليهم على أنهم أعداء الحضارة والتحضر، هو كذلك خطأ، فضلا عن أنه يكشف قدرا من الجهل لدى كل طرف بالآخر. وبالطبع فإن الانتباه للدور الخارجي في تأجيج الصراع، يمكن أن يهدئ المخاوف المتبادلة. الكتاب: كلب أصفهان المؤلف: صلاح النصراوي الناشر: مركز المحروسة للنشر ـ القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©