الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما الإيرانية رزمةٌ من نور!

1 يونيو 2008 01:46
''أدّت مقاطعتنا للسينما الأميركية الروائية والكرتون وغيرها إلى شحذ طاقاتنا الإبداعية وتنمية أدواتنا الفنية؛ فأنتجنا سينما يمكن وصفها بأنها إنسانية راقية، تحترم القيم ولا تتاجر بجسد المرأة، ولا تغطي بالعنف تفاهة المضمون ولا تعتمد على الإبهار''· فريشتيه طائربور كاتبة سينمائية وصحفية إيرانية لا شيء يثير الدهشة مثل السينما الإيرانية التي تخطف الألباب بأدوات في منتهى البساطة تصل إلى حد السذاجة أحياناً!، وتأسر المشاعر بطروحات مغايرة للسائد، وبقدرةٍ متناهية على انتزاع احترام صناع السينما في العالم أجمع، دون أن تتخلى عن اشتراطاتها الاجتماعية القاسية والتي وظفتها لبناء درامي مختلف جداً ومغاير، حتى ليبدو الفيلم السينمائي الإيراني منمنمةً من عصر فارس صورت بأحدث تقنيات العصر!· والمثير في الأمر، أنه في نفس الوقت الذي تلقى فيه السينما الإيرانية حظوةً وقبولاً في المهرجانات الدولية، رغم قسوة ضوابطها الاجتماعية والشرعية، تخرج الأفلام العربية (المتحررة) خالية الوفاض، بل إن معظمها لم يقبل من اللجان حتى للعرض على هامش المهرجانات على الرغم من خضوعها لاشتراطاتهم وقربها من مخزونهم الفكري والاجتماعي أيضاً!!، وهو سبب رئيس ـ لا يخفى علينا ـ لرفض الغرب أفلامنا نفسياً قبل رفضها فنياً، كونها غير أصيلة ولا منتمية· ويزداد في المقابل احترامهم لأعمال لا تخجل من محليتها كالسينما الإيرانية واليابانية، بل وما يلفت النظر أكثر من هذا، هو أن السينما الإيرانية وصلت ذروتها في عهد الثورة الإسلامية، فقدمت أفلاماً في غاية الأهمية· يعود تاريخ السينما الإيرانية بحسب كتاب جورج سادول (تاريخ السينما العالمية) لأحد أيام سنة ،1900 حيث كان الشاه الإيراني في زيارة لإحدى الدول الأوروبية وأمر بشراء معدات عرض سينمائي لتكون في إيران· وبدأت بذلك مسيرة السينما فيها، وقدمت في عهده أفلاما عديدة هامة يذكرها النقاد، إلا أن الثورة الإسلامية بعده طمست معالم تلك الفترة، دون أن تمنع فن السينما العظيم، بل عدلت فقط من مساره بحسب توجهها الدستوري والديني؛ ولكن ليس بشكلٍ فج كما فعلت روسيا التي جعلت أفلامها السينمائية بل وأدبها في كثير من الأحيان، خادماً وأداة جامدة للثورة البلشفية ومفاهيمها، بل بقيت المسافة الفنية بيد صنّاع الفيلم على ألا يقترب من عدة أمور كعدم السماح للمرأة بالظهور دون الحجاب الشرعي، وعدم عرض مشاهد الضم أو التقبيل أو ما يخل بالآداب العامة· ولم يقف هذا الأمر ـ على أهميته الفنية في كثير من الأحيان ـ عائقاً أمام صناع السينما في إيران، بل شكل حافزاً للبحث في مواضيع إنسانية منسية ومهملة، والتركيز على جوانب اجتماعية مختلفة عن السائد، وهو ما نراه في أفلام مثل (لون الجنة) للمخرج مجيد مجيدي، يحكي قصة صبي أعمى يسمع ممن حوله قصصاً بصرية عن الأشياء فيدور باحثاً عنها ليلمسها في محاولة منه لتكوين صورة ذهنية عن تلك الأشياء، وفيلم (فتاة تائهة) وبطلته المراهقة التي تهرب من أهلها إثر علاقة حب فاشلة وتقضي يومها في المشي بما يشبه الذهول على حافة الرصيف في شوارع طهران التي يتنازعها الفكر القديم والحداثة بفكرها الجديد· كما يقدم فيلم (طعم الكرز) قصة رجل يريد أن ينتحر ويبحث عمن يساعده في هذه العملية ليلتقي أثناء بحثه بأشخاص لهم آراء مختلفة عن الحياة وسبب العيش أو الموت· لقد رأى بعضهم أن الالتفات العالمي للسينما الإيرانية ما هو إلا مجرد لعبة سياسية تحاول أن تقرب إيران من العالم الغربي وأميركا من خلال بوابة السينما، بحيث تشكل السينما مدخلاً لطيفاً للتواصل الدبلوماسي فيما لو أقفلت بقية الأبواب!، ولعل القول في مجاملة السينما الإيرانية وكسب مرضاتها بالجوائز استنتاجٌ لرجلٍ سياسي لا يفقه لغة الفن ولا يمتلك البعد الذي يمكّنه من الحكم على أدوات تلك السينما الخلابة!، والتي أفرزت أسماء لمعت بشكلٍ لافت للنظر كعباس كيارستمي، صاحب طعم الكرز والريح ستحملنا، والمخرجة الشابة سميرة مخملباف التي يطول الحديث عنها وجعفر بناهي وخسرو سينائي وغيرهم· لن نعبر ـ نحن العرب ـ السجادة الحمراء في كان وبقية المهرجانات الهامة، ولن تمسها أحذيتنا (الإيطالية) إلا لنصفق في الداخل، طالما لم نبحث أعمق في فن السينما المحاصر لدينا باختلاطات ثقافية وأمشاج مشوهة، أنتجت أفلاماً في منتهى السطحية والتغريب· علينا وضع يدنا على الصدق الفني الذي نحتاجه كثيراً في السينما التي نصدرها، بنفس السوية التي نحتاج فيها إلى حبّ وتبني ما نحن عليه ـ وإن كان تخلفاً ـ لنلقنه إلى الآخر!!· هاني نديم haninadeem@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©