السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاندماج في «برسكيستان»

26 ابريل 2010 22:13
تشير نظرة عن كثب على نمط الهجرة الباكستانية إلى إيطاليا ومظاهر الانخراط في المجتمع الإيطالي إلى أن المسافة، لا الفروق بين الثقافتين، قد أثبتت كونها هي أصعب عائق أمام الاندماج الثقافي. وترتبط كلمات مثل الإرهاب، والبُرقع، والحرب مع باكستان، في العقليات والصور النمطية لدى العديد من الإيطاليين الذين يقابلهم كل يوم في مدينة ميلانو "ذوق إقبال" وهو مهاجر باكستاني. ويقضي ذوق، منذ وصوله إلى إيطاليا عام 2002، وقت فراغه بشكل رئيسي مع أصدقاء من بلده الأصلي باكستان. أما تواصله مع الإيطاليين فمحدود جداً. بل إنه يقول بمرارة، وبنبرة لا تخلو من سخرية: "عندما أسافر في القطار أو الحافلة، ألاحظ أن النساء يمسكن حقائبهن بشدة ملفتة للنظر". يذكر أن المهاجرين الباكستانيين استقروا في إيطاليا منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأت بريطانيا وألمانيا حينها الحدّ من استقبال المهاجرين القادمين من جنوب آسيا. ويوجد اليوم ما يزيد على 80 ألف مهاجر من أصول باكستانية في إيطاليا، يعيش 70 في المئة منهم في شمال البلاد. والواقع أن عدد المهاجرين الذين يقيمون في بلدة "برسكيا" الإيطالية الشمالية وحدها كبير إلى درجة أصبح يُطلق معها على البلدة اسم "برسكيستان". ويؤكد إعجاز أحمد، وهو صحفي باكستاني ووسيط ثقافي في إيطاليا منذ عام 1989، أن الهجرة هي أكثر من مجرد ظاهرة مؤقتة: "فقد اشترى أكثر من عشرة آلاف باكستاني منازل، وهذا مؤشر على نيّتهم البقاء هنا بشكل دائم". وتتفشى الصور النمطية والخوف من الآخر على كلا الجانبين طبعاً، إذ لا يعي كثير من الإيطاليين أنه عندما فاز فريق الكريكيت الإيطالي دون سن 15 سنة ببطولة أوروبا، لم يكن الفريق يضم سوى لاعب واحد فقط من أصل إيطالي، أما الباقون فكانوا جميعاً مهاجرين من الجيل الثاني من أبوين من جنوب شرق آسيا. وهناك بعيداً في باكستان نفسها تسيء الأسر أيضاً فهم إيطاليا والحياة الإيطالية. فعلى سبيل المثال، غضب "أفسار خان" وهو صاحب متجر يعيش إلى الجنوب من العاصمة الباكستانية إسلام آباد عندما أقسم ابنه على الذهاب إلى إيطاليا قبل 15 سنة، فقد حذّره زبائن متجره من أن ابنه، "إسلام"، سيدّمر نفسه لا محالة هناك بالخمرة والنساء. إلا أن "أفسار" اعترف أن أحداً من هؤلاء الزبائن لم يذهب في يوم من الأيام إلى إيطاليا، وأن قلقهم ذلك ثبت أنه لا أساس له من الصحّة. وما زال "إسلام" يزور بلده الأصلي باكستان بشكل منتظم مع زوجته الباكستانية وطفليه، وقد ساعدت الأموال التي جناها في بناء منزل أحلام والديه، في مسقط رأسه. ولكن الآن، ومع استعداد ابن أخت إسلام للانضمام إليه أيضاً في إيطاليا، تعاني العائلة من مجموعة جديدة من المخاوف ترتكز على معلومات مزعجة في الإعلام حول مضايقة المسلمين في الغرب ومواجهتهم لتمييز متزايد، وخاصة في أوروبا. ووسط الصور النمطية على كلا الجانبين، هناك أحياناً أمثلة يتم التغاضي عنها حول التعايش الإيجابي بين هاتين الثقافتين المتباعدتين. ففي بيلونو، وهي بلدة في إقليم فينيتو الإيطالي، تصبح "الحدود" التي تفصل الجاليات أكثر مرونة وقابلية للنفاذ حيث تتلاقى الثقافتان بيسر. وهناك تهيمن روح باكستان على المجتمع من خلال المذاق المليء بالتوابل للأطعمة السريعة ومتاجر الحرف اليدوية ومراكز الاتصال. و"يطرح الزبائن أسئلة على شكل مداعبات عن بلدي، وتحب النساء ثياب زوجتي"، يقول أسد، وهو باكستاني إيطالي يعيش في بيلونو ويملك مطعماً اسمه "باك للأطعمة السريعة". وعلى عكس "ذوق" المذكور من قبل، الذي نادراً ما يختلط اجتماعيّاً مع الإيطاليين، ليس لأسد شيء سلبي تجاههم يستحق الذكر. ويقول مثقف من أصل باكستاني يدعى إعجاز، إن دستور إيطاليا يؤكد على التكامل الثقافي، ولذا فقد أسس مجلة "آزاد" الشهرية الناطقة باللغة الأوردية (ومعناها الحرية) لرأب الصدع بين الثقافتين من خلال مساعدة المهاجرين الذين إما لا يستطيعون فهم الإيطالية، أو لديهم تعامل محدود مع السكان المحليين، على تحسين معرفتهم بالبلد المضيف وثقافته. ويقول إعجاز، وهو أيضاً عضو في المجلس الإسلامي لوزارة الداخلية الإيطالية الذي يعمل من أجل تشجيع التعايش والتناغم عبر الأديان، إنه عندما لا يتفاعل الناس من ثقافات مختلفة، أو لا يستطيعون التعامل مع بعضهم بعضاً، فإنهم ينزعون لأن يتجاوزوا الأمور المشتركة بينهم ويبدأون بتصديق أن التفاعل قد يُضعف أو يقضي على هويتهم الثقافية. غير أن العكس هو الصحيح. عامر فاروق - كاتب باكستاني إليزا دي بينيديتو - كاتبة إيطالية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©