الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متلازمات الفقر

21 يوليو 2009 23:31
لا يعرف المرء إذا ما كانت العودة إلى تقارير الأمم المتحدة المعنونة «الوضع الاجتماعي في دول العالم» الصادرة كل سنة يمكن أن توضع إلى جانب مؤتمرات «الأغنياء» العشرين. وللمرء أن يلاحظ تقارير الأمم المتحدة وما تنطوي عليه من صورة سوداوية قاتمة للوضع الاقتصادي الدولي الآن، خاصة بقدر تعلق الأمر بالاتساع السريع والمرعب للفجوة بين الدول الغنية والفقيرة. ربما تعكس هذه التقارير خلاصات تدق ناقوس الخطر من حدوث «ثورة» كونية للفقراء (الذين يزدادون فقراً) ضد الأغنياء الذين يضاعفون ثرواتهم ويمثلون أقلية تحتكر الثروات والقوة ومصادرهما عبر العالم. والمقصود بالثورة، هنا حدوث عدد مهول من التغيرات والأزمات والتفاعلات التي تعكس لا عدالة توزيع الثروة في العالم. الفقر يترجم نفسه بلغة عابرة للحدود وعابرة للقارات، كما هي عليه الحال في انتشار الإيدز على نحو شبه وبائي في القارة السوداء. وإذا كانت الأمراض والأوبئة تمثل خطراً لا يستثني أحداً مهما ثقل جيبه وكبرت خزائنه، فإن هناك أمراضاً أخرى اجتماعية وسياسية واقتصادية متشعبة وشائكة يصعب اجتثاثها أو القضاء عليها قضاء مبرماً. لاحظ أن مزارع الأفيون تكثر وتنتشر في الدول الفقيرة، بينما يكثر مستهلكوه وينتشرون في الدول الغنية. ويرد سبب ذلك إلى أن الفقراء يبحثون بكل الوسائل والطرق المبتكرة عما ينقذهم من فكي الحاجة والفاقة، الأمر الذي يبرر لهم زراعة وتجارة مثل هذه المواد المخدرة والفتاكة التي تلقي بضلالها على المجتمعات المتخمة التي هي بدرجة من استنفاد وسائل اللهو. وإذا كان التهريب واحداً من أهم إفرازات ثورة الفقراء التي أشرت إليها أعلاه، فإن آفته المتعددة الرؤوس لا تكتفي بتمرير المخدرات عبر الحدود إلى الأغنياء، وإنما هي تزيد في قائمة موادها وسلعها لتشمل الرقيق الأبيض والأصفر والأسود لإشباع شره الملذات في الدول الغنية، زد على ذلك سلعها الأخرى التي تحطم البيئة عبر الكرة الأرضية، والبيئة ثروة كونية مشتركة لأن ما يضر بها في أفريقيا أو آسيا لا يمكن إلاّ أن يترك آثاره الكونية على أوروبا وأميركا الشمالية. وتنطبق ذات الحال على الحروب التي تدخلها الدول الفقيرة بانفعالية وتسارع، وكأنها تحاول من خلالها التخفيف عن أعبائها السكانية ! لذا كانت الحروب البينية والحروب الأهلية من ظواهر ومعطيات الفقراء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما لقن الرايخ الثالث العالم الغربي درساً لن ينساه في معنى وثمن الحرب وخطورة آثارها. حكومات الدول الغنية تعرف جيداً أن الفقر لا يمكن أن يُزال من الدول الأفريقية والآسيوية والأميركية اللاتينية عن طريق تقديم الهبات والقروض وحذف السابق منها. فهي تدرك أن مثل هذه الهبات والحذوفات والقروض الجديدة لا يمكن أن تملأ «قربة مثقوبة» تتمثل بالحكومات اللامسؤولة وبالأنظمة التي ينخرها الفساد المالي والإداري. وبنفس القدر من الوعي، يدرك زعماء الدول الغنية أن القضاء على الفقر له أدوات ووسائل، بيد أن الدول الغنية لا تريد أن تقود الدول الفقيرة نحو نموذجي الهند والصين، حيث تمكنت هاتان الدولتان من لجم الفقر وبتر إفرازاته كي تدخلا معترك التنافس والتقدم الاقتصادي درجة إغراق الأسواق الأوروبية والأميركية بالمنتوجات الصينية والهندية. واذا كانت الأمراض الفتاكة ومشاكل الإرهاب قد أخذت طريقها عبر الحدود إلى الدول الغنية، فما نلاحظه اليوم من ظاهرة تهريب العشرات والمئات من الأفراد من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية ينذر الأخيرة بنقل الأمراض الناتجة عن الفقر إلى مجتمعاتهم. وهكذا سيظهر نوع جديد من القبائل الجرمانية القوطية البربرية التي أطاحت بروما الغنية في الماضي، ولكن هذه المرة ستكون قبائل الفقراء من نوع جديد يهدد العواصم والحضارات الغنية القائمة. د.محمد الدعمي أستاذ بجامعة ولاية أريزونا ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©