الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البطالة في جنوب أفريقيا...أسباب تاريخية

البطالة في جنوب أفريقيا...أسباب تاريخية
19 يوليو 2009 22:51
تتسبب الأزمة الاقتصادية في جنوب أفريقيا، وعلى غرار بلدان كثيرة، في نزيف الوظائف؛ غير أن مشكلة البطالة الأعمق التي تعانيها البلاد لا تقتصر على التسريحات والإقالات الأخيرة، وإنما يمثلها الأشخاص الكثيرون الذين لا يعملون ولم يسبق لهم أن عملوا في هذه البلدة الريفية المغبرة. ومؤخراً، كان «فيكيلي بريزنت» ، 25 عاماً، يتسكع داخل الكوخ الذي يقتسمه مع والدته لأنه ليس لديه عمل يذهب إليه. والأمر نفسه ينطبق على جارته التي كانت تكنس فناءها الخلفي، والشاب الذي يقود دراجته الهوائية في الحي، والمرأة التي تنتظر عملا على زاوية الطريق، والفتية الذين ينقبون عن أشياء ذات قيمة وسط مكبات القمامة. والواقع أن الأماكن مثل جوتسونج موجودة في كل جنوب أفريقيا حيث يبدو أن البطالة، التي تفوق اليوم 23 في المئة، باتت نمط حياة. فالبلاد التي تعد المحرك الاقتصادي لقارة أفريقيا، تشهد منذ فترة طويلة واحداً من أعلى معدلات البطالة في العالم، تركة صعبة من تركات عهد نظام التمييز العنصري «الأبارتايد» يعتبرها عدد من الخبراء الاقتصاديين سبب الفقر العنيد في جنوب أفريقيا. كما أنها تعد انعكاساً لفشل الحكومات الديمقراطية في توسيع الحرية الاقتصادية لتشمل الأغلبية السوداء التي نالت تحررها قبل 15 عاما ولكنها، مازالت تمثل أول مجموعة تعاني من البطالة. يقول بريزنت: «كنتُ أحلم بأن أصبح فنياً أو أعمل في مكتب للهندسة، ولكن ذلك كان في الماضي. أما اليوم، فكل ما أبحث عنه هو وظيفة، أي وظيفة». حتى الآن لا يوجد إجماع بشأن الحل؛ ولكن الخبراء يتفقون على أن البطالة مكلِّفة بالنسبة لجنوب أفريقيا التي تساعد على إعالة ربع السكان تقريباً عبر أكبر برنامج رفاه اجتماعي في العالم النامي. ويحذر البعض من أن البطالة المزمنة تمثل برميل بارود يهدد بنسف الاستقرار شبيه بالذي انفجر العام الماضي حين شنت مجموعة من الجنوب أفريقيين الفقراء موجة أعمال عنف ضد الأجانب الذين يتهمونهم بسرقة وظائفهم. وفي هذا السياق تقول آن بيرنشتاين، المديرة التنفيذية لمركز التنمية والمقاولة في جوهانسبرج: «الخطير أن البطالة تمثل هدراً فظيعاً للإمكانيات والطاقات البشرية. إن كل شخص عاطل يستطيع وينبغي أن يقوم بعمل منتج يحسّن حياته وينمي البلاد». الرئيس جاكوب زوما، وهو سياسي شعبوي انتُخب قبل بضعة أشهر بعد وعود انتخابية بتوزيع الثروات، تعهد بخلق نصف مليون وظيفة هذا العام، و3.5 مليون وظيفة أخرى بحلول 2014. غير أن الوظائف الموعودة ليست في الواقع سوى مناصب مؤقتة في قطاع الأشغال العامة لن تؤدي إلى مكاسب حقيقية بخصوص التوظيف؛ وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن جنوب أفريقيا تعاني اليوم من ركود بعد سنوات من النمو المضطرد، فإن الخبراء الاقتصاديين يقولون إن الحكومة ستواجه ما يكفي من الصعوبة للحفاظ على الوظائف، ناهيك عن خلق أخرى جديدة. في جوتسونج، وهي عبارة عن تجمع لبيوت وأكواخ، تثير الوعود أملا نادراً حيث تشير أحدث البيانات إلى أن أزيد من 41 في المئة من الناس هنا عاطلون عن العمل. ويقول بريزنت إن معظم الأشخاص الذين يعرفهم يعيشون بفضل المساعدات التي تقدمها لهم الدولة. وهو واحد من هؤلاء في الحقيقة: إذ في غياب مهارات يسوّقها، فإنه يتدبر أموره بفضل الـ120 دولارا التي تتلقاها والدته كل شهر كمنحة لكبار السن. والواقع أن بريرنت ليس سوى واحد من بين جيش من العاطلين، جيش كبير بكل المعايير تقريباً. ففي بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الفقيرة، يناهز معدل البطالة 8 في المئة، حسب تقرير لمنظمة العمل الدولية صدر مؤخراً، وإنْ كان معظم العاملين لديهم وظائف غير رسمية «ويكسبون» أقل من دولارين في اليوم. أما في البلدان متوسطة الدخل الأكثر شبها بجنوب أفريقيا مثل التشيلي وماليزيا، فإن المعدل هو أقل من نصف معدل جنوب أفريقيا. ولكن الخبراء الاقتصاديين يحذرون من أنه من غير الحكمة مقارنة سوق العمل في جنوب أفريقيا بأسواق أخرى لأن مشكلتها متجذرة في تاريخ لا يشبه تاريخ أي بلد آخر. ذلك أنه في عهد التمييز العنصري، عزلت الحكومة البيضاء السود في مدن خاصة بهم ومدارس مصممة ليظلوا أقل تعليما. كما كانت فرص السود في بدء مشاريع تجارية محدودة جداً. وفي هذا الإطار، تقول «مريم ألتمان»، المديرة التنفيذية لمركز الفقر والتوظيف والنمو بمجلس بحوث العلوم الإنسانية في بريتوريا: «حين نتحدث عن التوظيف، فإننا نتحدث عن شيء يقود إلى شيء آخر. وتلك عملية تاريخية»، مضيفة «هنا في جنوب أفريقيا، قاموا بإقصاء أغلبية السكان من العمل ومن العيش في الأماكن اللائقة». عندما انتهى الأبارتايد عام 1994، دخل عدد ضخم من العمال السود غير المهرة سوق العمل؛ غير أن قطاعي الزراعة والمناجم اللذين كانا قويين في يوم من الأيام، واللذين كانا يوفران معظم الوظائف في أماكن مثل جوتسونج، تقلصا وأصبحا ممكنين، مما حول الاقتصاد إلى اقتصاد يفضل العمال المهرة. واليوم، مازالت الكثير من مشاكل عهد الأبارتايد موجودة؛ فالمدن التي كان يسكنها السود ما زالت تتوفر على نظام نقل ضعيف ومدارس مزرية لا تعدّ الطلبة لسوق العمل: ففي 2007 مثلا، كان معدل النجاح في مرحلة التعليم الثانوي بالنسبة للسود، الذين يشكلون 80 في المئة من السكان، أعلى بقليل من نصف معدل الـ10 في المئة من البيض الذين يشكلون بقية السكان. كارن بروليارد –جنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©