السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في أوكرانيا.. مطلوب الهدوء والتروّي

17 مارس 2014 00:32
بات الأمر يتطلب عقولاً متيقظة للتعامل مع بوتين بعد أن عمد إلى تمزيق أوكرانيا. ويبدو أن لحظة مجابهته بتلك العقول باتت وشيكة. ورغم أن أوباما رحّب برئيس وزراء أوكرانيا «أرسيني ياتسينيوك» في البيت الأبيض، فإن بوتين واصل جهوده للسيطرة على شبه جزيرة القرم، ولا يزال يواصل تجاهله للرأي العام العالمي برمته حول هذه القضية. فقد تدفقت جحافل الجيش الروسي لاحتلال القرم وأعلن بوتين أنه بصدد إرسال المزيد من القوات لاحتلال شرق أوكرانيا بدعوى «حماية» الأوكرانيين ذوي الأصل الروسي. ولا شك أن الوضع في شبه جزيرة القرم معقد وخطير للغاية. ويوم الأحد (أمس)، وعلى مرأى من أعين الجنود الروس «الحماة»، صوت سكان القرم حول ما إذا كانوا يريدون الاستقلال أو الانضمام إلى روسيا. وعلى رغم أن الروس يشكلون 60 في المئة من سكان القرم، وهم الذين عرف عنهم ارتباطهم التاريخي مع روسيا، إلا أن الأقلية منهم فحسب تريد الاتحاد مع موسكو وفقاً لاستطلاعات رأي حديثة. ويبقى في حكم المؤكد أن يعمد أتباع موسكو في القرم إلى التلاعب بنتيجة الاستفتاء. ورغم تمسّك بوتين بمظاهر الشرعية الخادعة لهذا الاستفتاء أمام الغرب، فالمؤكد أن الغزو العسكري لشبه جزيرة القرم هو سلوك يختلف تماماً عن الشرعية. وفي عام 1994، اتفق قادة كل من روسيا والولايات المتحدة وأوروبا على احترام الحدود الجغرافية المعترف بها لدولة أوكرانيا المستقلة مقابل تسليم أوكرانيا لكافة أسلحتها النووية. وهناك أيضاً اتفاقية وقعتها روسيا مع أوكرانيا عام 1997 تقضي بالسماح للسفن الروسية بالرسوّ في موانئ القرم بشرط ألا يتجاوز الجنود الروس محيط حرم مرفأ مدينة «سيافاستبول» إلا بناء على موافقة مسبقة من الحكومة الأوكرانية في كييف. ويبدو واضحاً الآن وضوح الشمس أن الروس قد خرقوا نصوص هذه الاتفاقية بغزوهم لشبه الجزيرة. ومن المهم الآن البحث فيما يمكن أن يحدث بعد خسارة شبه جزيرة القرم (التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أوكرانيا منذ عام 1954)، وخاصة لو عمدت روسيا إلى غزو أراضي أوكرانيا ذاتها. صحيح أن سيطرة الروس على القرم لم تشهد إلا القليل من العنف، إلا أن الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا يمكن أن تترتب عليه معارك دموية من شأنها أن تزعزع الاستقرار في كافة الدول المجاورة لأوكرانيا. ويمكن لمثل هذا الفعل المتهوّر أن يفجّر أزمة من النوع القابل للتحول إلى تهديد عسكري واسع النطاق يمكنه أن يزعزع استقرار أوروبا برمتها. ولهذا السبب لابد أن يكون ردّ الفعل الأوروبي على غزو بوتين لهذه الأراضي قوياً إلى الحدّ الكافي لمنعه من ارتكاب مثل هذا الخطأ الاستراتيجي الجسيم. والآن، أصبحت العقوبات الاقتصادية وحظر سفر المسؤولين الروس على طاولة البحث. ولاشك أن بعض الخسائر ستلحق بالاستثمارات الغربية في روسيا، وسيتحمل عبأها الأوروبيون أكثر من غيرهم بسبب ارتباطهم القوي في قطاع الطاقة مع موسكو. ولكن.. ومن دون فرض هذه العقوبات، سيشعر بوتين بأنه قد تلقى الضوء الأخضر للعبث بما تبقى من أراضي أوكرانيا. وبعد فرض هذه العقوبات، يتحتم على واشنطن والاتحاد الأوروبي الالتزام التام بمساعدة أوكرانيا على تجنّب الإفلاس الاقتصادي. ولاشك أن هذا الإجراء سيكون مؤلماً بعد أن تبنّت أوكرانيا خلال السنوات الماضية سياسات اقتصادية تقوم على الفساد وسوء التخطيط وتعتمد على الغاز الروسي. وفي مقابل ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وزعماء الاتحاد الأوروبي الضغط على الأوكرانيين للاعتراف بحقوق السكان المتحدّرين من أصل روسي وضمان مستقبلهم في أوكرانيا. وتكمن إحدى أهم الأوراق السياسية التي يلعبها بوتين (إلى جانب القوة العسكرية) في استثارة المشاكل في أوكرانيا من خلال الإيحاء للسكان من أصل روسي بأن الأوكرانيين «الفاشستيين» يهددون مستقبلهم. ويتم بثّ مثل هذه الرسائل الخادعة دون انقطاع من القنوات التلفزيونية الروسية الحكومية، وهي الحجج التي يتخذها بوتين لغزو القطاع الشرقي من أوكرانيا. وكانت القوة المحركة للثورة الشعبية التي دامت لعدة أشهر وانتهت بعزل الرئيس فكتور يانوكوفيتش، تكمن في الاحتجاج على الفساد المستشري في البلاد. وقد كُتب لهذه الثورة أن تستقطب كافة الشرائح الإثنية التي تمثل الطيف السياسي لأوكرانيا. ولكن، مع اقتراب الثورة من نهايتها، اتضح أن المجموعات الحزبية المنتمية إلى الجناح اليميني لعبت الدور الأكبر في الحراك الثوري وخاصة خلال الأشهر الأخيرة. وفي الحكومة الأوكرانية الانتقالية، أصبح «ألكساندر سيتش» يحتل منصب نائب رئيس الوزراء، وهو عضو في «حزب سفوبودا الوطني». ويترأس هذا الحزب «أولي تياهنيبوك» الذي اشتهر بإطلاق مقولة في خطاب ألقاه عام 2004 عندما قال: «إن من يحكم أوكرانيا هي مافيا يهودية تابعة لموسكو». وتتفق كل المجموعات والأحزاب الأوكرانية على تمجيد الكفاح البطولي للمناضل «ستيبان بانديرا» الذي اشتهر بوطنيته الأوكرانية وبحربه التي خاضها ضد الاحتلال السوفييتي أثناء وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أنه كان في الوقت نفسه متهماً أيضاً بممالأة النازيين والتعاون معهم في قتل البولنديين واليهود. وإذا ما انتهى مصير شبه جزيرة القرم بين أيدي بوتين وراح يهدد بقية أراضي أوكرانيا، فإن مما لاشك فيه أن أحزاب ومجموعات اليمين الأكثر تطرفاً ستلجأ إلى اتخاذ إجراءات أكثر خطورة. وقد حدث هذا بالفعل عندما حاولت الحكومة الأوكرانية المؤقتة إسقاط اللغة الروسية من قائمة اللغات الأوكرانية الرسمية قبل أن تتراجع عن هذا القرار. ولاشك أن كل السياسات التي من شأنها أن تدفع الأوكرانيين ذوي الأصل الروسي إلى الشعور بالخطر، تعد مفيدة لبوتين في لعبته السياسية الخطيرة. وينبغي على الحكومات الأوروبية أن توجه النصح للحكومة الأوكرانية المؤقتة بعدم ارتكاب مثل هذه الأخطاء. ‎ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©