الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضيافة الجبل الأخضر

ضيافة الجبل الأخضر
28 مايو 2008 02:52
وأنا أحدق في مشاهد الثلوج الكثيفة (بسيبيريا) عبر صور فوتوغرافيّة··· تلك الأراضي والمفازات الجليديّة التي يلفها غموض الأساطير والوقائع المرعبة، مُشَكلة في اتساعها الجغرافي 8% من مجمل مساحة الكوكب الأرضي··· وفيها تقع أكبر بحيرة في العالم (بيكال) المأهولة بالحيوانات النادرة وبالأساطير· يمكن للمتأمل كونَ السديم الجليدي المتجمد القاسي، أن يستحضر الطرف النقيض، إن صح التعبير، كونَ الصحارى بغموضها أيضا وسديمها وقسوتها، من رحم الصحارى الهائل، الربع الخالي، حتى الصحراء الكبرى وبقية أفرع العائلة الصحراويّة العملاقة على أرض البشر والحيوان· صحارى الجليد، وجليد الصحارى، تتحد صورها المروعة على نحو جمالي آسر، تتآلف وتتآخى حتى الذوبان الكامل، في المخيّلة التي تقرع صنوج الأمداء لتوحّد النقائض عبر فضاء صورها ومواكبها الاحتفالية التليدة، لينتهي الموكبُ بسعادة أو مذبحة· تتآخى وتتوّحد عائلات الكوكب الكبيرة، تسافر في الليالي المدلهمّة وفي الأحلام والتداعيات الهذيانيّة، لنشاهد ذلك العناق الصوفيَّ الغريب بين صحارى العالم الشاسعة على تباعدها وتناقضها الظاهري الصادم، في ما يشبه وحدةَ وجودٍ ولّم شمل متشِّظٍ بحنينه الأزلي، بين أطراف الطبيعة وأرجائها، إذا استحال ذلك على الانسان· يمكن أن نشاهد سفر الجبال وترحلها لتتآخى وتتحد مع جبال أخرى على ذلك النحو من النأي والحنان والقسوة··· الجبل الأخضر في عُمان مثلاً تلك القمم العالية، ذلك النشيد الطويل من الأزمان والنحيب، يتعانق ويتحد مع جبل من جبال صحارى الجليد السيبيريّة··· تلك الضيافة التي لا تسعى إلا لغاية الجمال ووحدة معانيه وأصقاعه· يمكن استدعاء كواكب أخرى خارج المدار الأرضي، لتتسع ساحة هذه الضيافة الخياليّة الواقعيّة كأنْ تحد بعض تلك الأجرام العظيمة الشأن والمقام، تترحل عبر أكوانها الأثيريّة ولغاتها، لتنجز حنين اللقاء والعناق· طبيعة الكوكب الأرضي، وتلك المعلقة في فراغ السماوات، وفق رؤيتنا المحدودة، لكل كوكب صحراؤه الرمليّة والجليديّة، جبال خضراء وجرداء فظة ومدمرة، لكنها تختزن كل ما هو سري وشعري ومتعال· ما أشبه جبال عُمان بجبال القمر، تلك التي وصل إليها العلم، وإذا لم يصلها ستقتحمها المخيلة التي لا حدود لها ولا تخوم· مخيّلة البشر الأوائل كانت أكثر ثراء واقتحاماً للعوالم المجهولة من الانسان المتأخر أو الحديث، الذي حُدَّ خياله وأُحرق بستان طبيعته الأصلية تلك التي توصله بجذور أسلافه الأوائل·· وأمعن هذا التدمير معْوله، حين تم فصل البشر عن الطبيعة التي حولها ''العقل'' المتغطرس أداة استعمال لمصالحه وغاياته، لنَهَمه وشراسته· كان بعض العلماء الانتربولوجيين الروس في الماضي، يطلقون على سكان سيبيريا، (أولاد الطبيعة الأصفى والأطهر بين فئات المجتمع) كان ذلك في الماضي، وكذلك بقية مناطق العالم المماثلة، قبل أن تدوس وتمحو وتبيد، أحذية الغزاة، وأطماعهم من كل صوب وصنف ولون·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©