الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المنكر بدأ مألوفاً.. وانتهى معروفاً!

31 مايو 2016 23:04
غضبت الأديبة والمحاضرة الأميركية العمياء والصماء هيلين كيلر «1880 - 1968م» عندما سألت صديقتها العائدة لتوها من نزهة: ماذا رأيت؟ فقالت الصديقة: لا شيء يذكر - فقالت كيلر: يا للعجب.. كل هذا وتقولين لا شيء يذكر؟ فما الذي يذكر إذن؟ أعمى البصر لا يرى شيئاً وأعمى القلب لا يرى شيئاً يذكر.. وقول الله تعالى (... فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، «سورة الحج: الآية 46»، ليس مجازاً، ولكن عمي القلوب حقيقة. وهناك عميان أبصار قلوبهم مبصرة، وهناك عميان قلوب لا يرون شيئاً، والذي لا يرى شيئاً يذكر مثله مثل الذي لا يرى شيئاً على الإطلاق، بل هو أضل سبيلاً. وعمى القلوب والبصائر أصبح في أمتنا العربية وباء لا نهاية له وداء لا دواء له، وأفضل تعريف للإنسان هو ذلك الذي يقول إن الإنسان حيوان يعتاد كل شيء. وآفة الإنسان العربي الاعتياد والتآلف وافتقاد البكارة العقلية والفكرية، وأن العرب من كل حديث يضحكون وهم سامدون، والسامد هو البليد المحاط بالمآسي من كل جانب، لكنه لا يحرّك ساكناً، ولا يرى شيئاً يذكر، والسمود والخمود والبلادة هي موت الأحياء. وموت الأحياء الأخطر هو موت وغياب الدهشة والذهول والامتعاض والاشمئزاز والاستنكار، وإنكار المنكر أن يصبح المنكر مألوفاً ثم يصبح مع التآلف معروفاً، ثم يصبح المعروف منكراً ثم يأمر الناس بالمنكر وينهون عن المعروف عندما تغيب أو تموت الدهشة. وأصدق مثال للمنكر الذي صار معروفاً بعد أن صار مألوفاً وأصبح الناس يأمرون به هو الإرهاب باسم الدين. فهذا منكر أصبح معروفاً، وهناك الملايين الذين يتعاطفون معه أو يأمرون به، وهناك منكر كثير جداً في أمتنا أصبح مألوفاً ثم صار معروفاً، ثم أصبح الناس يأمرون به ويفتخرون أيضاً به. ومنه الاستقواء بالأجنبي ودعوته صراحة للتدخل في شؤون الدول العربية والتجسس لحسابه والعمل بأجر في استخباراته تحت عناوين حقوق الإنسان وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. وأصبح للمنكر أسماء جميلة مثل النشطاء والحقوقيين والثوار والإسلام السياسي و«الإخوان»، وتم تسويق المنكر للعامة وللشعوب حتى صار معروفاً وعرفاً، فصار الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف عملاً شعبياً جماعياً عربياً وبكل الوسائل، خصوصاً وسائل الإعلام وأهمها مواقع ما يسمى التواصل الاجتماعي التي صارت منصة عربية معتمدة للأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. وتقول العرب: «ما زال الناس بخير ما تعجبوا من العجب»، أي أن الناس بخير إذا اندهشوا وتعجبوا واستنكروا بالحق، لا من خلال البيانات العربية المعروفة والمعدة سلفاً، والناس في شر مستطير إذا غابت أو ماتت الدهشة والذهول، وهو ما نعانيه الآن في الأمة العربية، التي يبدو الناس فيها سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. وغياب أو موت الدهشة رخصة وتوقيع على بياض للمنحرفين والشاذين والإرهابيين لكي يفعلوا ما يريدون، وغياب الدهشة يقتل الحياء. فمن أمن الدهشة والاستنكار والذهول من أفعاله المنكرة تمادى في إساءة الأدب والتصرف وأوغل في الانحراف والشذوذ وعاث في الأرض فساداً. وغياب أو موت الدهشة هو المسؤول عن شيوع القتل والدمار والخراب والشذوذ الفكري والجسدي وارتكاب الكبائر والمجاهرة بها وشيوع العزة بالإثم في أمتنا العربية وما نسميه ارتكاب الفظائع (بدم بارد). وهتاف (الله أكبر)، ونحن نمارس القتل وسفك الدماء وقطع الرقاب والحرق. هو المسؤول عن أن المجرمين والإرهابيين يفعلون ما يفعلون من منكرات وهم سامدون ويضحكون ولا يبكون. ونحن أيضاً نتابع الفظائع والمنكرات سامدين ضاحكين غير باكين ولا مندهشين ولا مستنكرين ولا مشمئزين. وكل الجرائم التي يرتكبها المجرمون في هذه الأمة ترمي إلى محاولة إدهاشنا، ولكننا لا نندهش أبداً، وكل الكذب والشائعات والأخبار (المفبركة) عبر وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية هدفها إدهاش بشر ماتت لديهم الدهشة. كلها محاولات لخطف أبصارنا وإثارة ذهولنا وسرقة الكاميرا والأضواء، ولا يوجد خبر واحد أو موضوع واحد على مواقع التواصل أو عبر وسائل الإعلام إلا ولا بد أن يكون كاذباً ومفبركاً ومزيفاً. فإذا اندلع حريق في (مكب قمامة)، تقرأ: حريق هائل، أو حريق مدمر، ولست أدري سبباً لوصفه بالهائل والمدمر سوى محاولة الإدهاش وخطف الأبصار وإثارة الذهول. فالصدق لا يثير الدهشة ولا يجلب الإعلانات، ولا يحقق الرواج للوسيلة الإعلامية، ونحن جميعاً نعيش حالة من الملل والسأم بحكم تكرار المآسي والفظائع في أمتنا العربية، لذلك نبحث عما يشدنا ويدهشنا، لكن كل حبوب الدهشة التي يستخدمها الإعلام والمواقع لا تحيي الميت فينا، وهو مركز الدهشة الذي تعرض لدمار شامل. وقد استمرأ الإعلام العربي والمواقع أسلوب المبالغة والإثارة والكذب والشائعات، وهذا الأسلوب المنكر بدأ مألوفاً ثم صار معروفاً، وأدى إلى خلق إجماع عربي أو أغلبية عربية مزيفة لا يعتمد عليها أبداً في قياس الاتجاهات الصحيحة للرأي العام، فلا يوجد اتجاه شعبي عربي نحو شيء. والإجماع العربي دائماً على باطل، لأنه إجماع مصنوع بحكم الآلة الإعلامية الرهيبة، خصوصاً لجماعة «الإخوان» ومن والاها من التنظيمات الإرهابية وأغبياء الناس، وما أكثرهم في أمتنا. وهناك فن إعلامي رهيب أتقنه «الإخوان» الذين تربوا وتدربوا في معامل الاستخبارات، وهو فن صناعة الكذب، وفن صناعة الشائعات وإجادة طبخة الكذب حتى يلتهمها الناس. والأكاذيب والشائعات طبخة فاسدة، لكن إعلام الإرهاب يضيف إليها مكسبات لون وطعم دينية إسلامية تجعلها طبخة شعبية مستساغة ولذيذة. وهذا الفن المدمر أتقنته أيضاً إيران التي تلتقي فكرياً وعضوياً وإرهابياً مع «الإخوان» حتى أن «الإخوان» رغم ادعائهم تمثيل الإسلام السُني هم في الحقيقة أحد أهم أذرع الأخطبوط الإيراني في المنطقة العربية، وحزب «الدعوة» العراقي هو النسخة الشيعية لجماعة «الإخوان» وكل مراجعه العليا هم هؤلاء الذين يسمونهم علماء «الإخوان» وقادتهم، والتُقية هي الاسم الديني للكذب والتلفيق والشائعات، وهو نفس المبدأ الذي يعتمده «الإخوان»، لكن عامة الناس في أمة العرب ما زالوا وسيظلون في غيبوبة بسبب المخدر الديني الذي يضيفه «الإخوان» و«الحوثيون» و«حزب الله» وجماعات الإرهاب التي تحركها جميعاً إيران إلى طبخة الكذب والتلفيق والشائعات. ولا يريد الناس في أمتنا أن يفيقوا، فبرق الإرهاب وإيران وأذرعها يخطف أبصارهم، وكلما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا، لذلك كله لا أصدق الإجماع العربي ولا الأغلبية العربية ولا الرأي العام العربي، بل وأسبح ضد تياره وراهنت على ذلك مئات المرات وكسبت الرهان. فالكتاب الأكثر مبيعاً لا أقرأه لأنه تافه وأبحث عن الكتب الأقل مبيعاً، والأفلام التي يُقال بلغة السينما إنها (مكسرة الدنيا) لا أشاهدها لأنها بالتأكيد سطحية وغبية، فالعقل الجمعي العربي تابع وإمعة وعاطل، والإجماع على باطل، والمنكر بدأ مألوفاً ثم انتهى في أمتنا معروفاً. * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©