السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاتحة الطايب: الترجمة ليست ترفا فكريا

فاتحة الطايب: الترجمة ليست ترفا فكريا
9 مارس 2011 19:33
الدكتورة فاتحة الطايب، أكاديمية مغربية معروفة، صدر لها قبل مدة قصيرة كتابها القيم: “الترجمة في زمن الآخر: ترجمات الرواية المغربية الى الفرنسية نموذجا”، كما أغنت المكتبة المغربية والعربية بالعديد من والأبحاث، إضافة إلى مشاركاتها الكثيرة في عدد من الملتقيات والمؤتمرات الأدبية المغربية والعربية. على هامش الإعلان عن جائزة المغرب السنوية للكتاب (فرع الترجمة) التقينا الدكتورة فاتحة الطايب وأجرينا معها هذا الحوار. ? كيف تقيمين جائزة المغرب السنوية للكتاب (فرع الترجمة)؟ ? تخصص وزارة الثقافة المغربية جائزة للترجمة، ضمن جائزة المغرب “الرمزية” السنوية للكتاب، حصل عليها في هذه الدورة (2010) الدكتور سعيد بنكراد عن ترجمته لكتاب “سيميائيات الأهواء: من حالات الأشياء إلى حالات النفس” للمؤلفين غريماس وفونتينيي. إلا أن هذه الجائزة الرمزية، التي تسعى في الظاهر إلى تشجيع عملية الترجمة عبر إدراج النص المترجم علانية في الحقل الثقافي وتثمين مجهودات المترجم، تم حجبها ـ مع ضآلتها وعدم كفايتها ـ في دورة 2009 وكذا في دورة 2003. مما أثار جدلا في الساحة الثقافية المغربية، طرح سؤال المعايير وعلاقة المؤسسة الرسمية بمجال حيوي مثل مجال الترجمة. خاصة أن تخصيص جوائز للنص المترجم، يندرج عالميا ضمن مظاهر الاعتراف بقيمة النص المترجم، وبدور الترجمة الفعال في اكتساب المعارف وتطوير الأنساق وتلاقح الثقافات. على سبيل المقارنة نشير، إلى تزايد المؤسسات والهيئات المانحة للجوائز في العالم الغربي منذ الثمانينيات من القرن العشرين، في تزامن مع الطفرة التي عرفتها دراسات الترجمة. ففي بلد كفرنسا مثلا، وصل الأمر إلى حد تخصيص جوائز للترجمة بين اللغة الفرنسية وكل لغة على حدة مثل جائزة أندريه جيد للترجمات الأدبية الفرنسية ـ الألمانية، وجائزة موريس إدغار كواندرو للترجمات الفرنسية للأدب الأمريكي، وجائزة للترجمات الفرنسية للأدب الروسي وهكذا، أما في العالم العربي، فإن الجوائز المخصصة للنص المترجم تبقى دون المستوى المطلوب بكثير، وهي تعكس بوضوح وضعية الترجمة في العالم العربي، وإن كنا نسجل في الألفية الثالثة حركية في هذا المجال من شأن السهر عليها وتلقيحها، تحفيز المترجمين العرب وتشجيعهم: نقصد بذلك الجائزة المخصصة لفرع الترجمة ضمن جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة رفاعة الطهطاوي للمجلس القومي المصري للترجمة، وجائزة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز العالمية للترجمة، ثم جائزة ابن خلدون ـ سنغور للترجمة التي تمنحها “المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم” بالتعاون مع المنظمة الدولية الفرنكفونية. متطلبات الساحة ? ما رأيك في واقع الترجمة في العالم العربي؟ ? إن نسبة الكتاب المترجم ـ على تزايدها النسبي ـ ضئيلة جدا في العالم العربي، وليس بإمكانها الاستجابة لمتطلبات الساحة الثقافية العربية الملحة. والحال، أن هناك علاقة وطيدة بين نسبة الترجمة إلى لغة بلد معين ونسبة النمو الثقافي والاقتصادي في هذا البلد، حيث تعتبر نسبة الترجمة (مع الحرص الشديد على الكيف) من العلامات الدالة على يقظة الفكر وقيام نهضة حقيقية. وإذا أردنا أن ندرك موقعنا وأن نعرف مدى المسافة التي تفصلنا عن الآخر، فما علينا سوى إجراء مقارنة بين نسبة الكتب المترجمة إلى العربية سنويا في مجموع البلدان العربية على كثرتها وحاجتها الماسة إلى اكتساب المعارف، ونسبة الكتب المترجمة في دول قوية منتجة للمعرفة مثل الولايات المتحدة وفرنسا واليابان، ففي حين لا تتعدى النسبة بضع مئات من الكتب في البلدان العربية، تقدر النسبة في اليابان وحدها بعشرات الآلاف. ومن المعلوم أن اليابان، التي ارتكزت نهضتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولا تزال على الترجمة، تأتي على رأس الدول المتقدمة التي تولي عناية خاصة بالترجمة، حيث تقف وراء الممارسة الترجمية إرادة سياسية واضحة، تتجلى في إنشاء مؤسسات للترجمة ورعايتها عبر التمويل الكافي، والاهتمام بأوضاع المترجمين، مع وضع استراتيجية اختيار محددة الأهداف زاوجت بعد تقدم اليابان الثقافي والعلمي بين الاطلاع على ثقافات الآخر، ونشر المعرفة اليابانية بواسطة ترجمتها إلى لغات مختلفة. بهذا نخلص، إلى أن أهم أسباب ضعف الترجمة في العالم العربي وضآلة نسبتها، شبه غياب الإرادة السياسية على مدى سنين طويلة، والتي من شأنها أن تجعل من الترجمة في العالم العربي نشاطا مؤسساتيا يحظى بدعم الدولة ضمن استراتيجية التنمية بدل كونه نشاطا فرديا عشوائيا. ? هلا فصلت القول في علاقة الإرادة السياسية بالترجمة؟ ? لنا في التراث العربي الإسلامي وكيفية تشكله خير مثال على مفهوم الإرادة السياسية في علاقتها بالترجمة، لنتذكر أساسا حلم المأمون وبيت الحكمة. المقصود إذن، أن تعي الحكومات العربية بأن الترجمة ضرورة حضارية وليست ترفا فكريا، خاصة في عصر الانفجار المعلوماتي المحتم للتواصل، وأن تدخل في برامجها التنموية بنودا خاصة بالترجمة إلى العربية (ومنها)، مع ما يتطلبه ذلك بداية من إعادة النظر في السياسات التعليمية القاصرة (حتى لا أقول الفاشلة)، وتأسيس البنية الأكاديمية اللازمة لتهيئة مترجمين أكفاء في مختلف حقول المعرفة قادرين بالفعل على رفع التحدي، ومن تخصيص ميزانية محترمة للترجمة إلى العربية بالموازاة مع تكوين لجان من مفكرين كبار ومترجمين متخصصين تسند لهم مهمة وضع قوائم الكتب التي يجب ترجمتها في مختلف المجالات، وفق استراتيجية وطنية/ قومية تحدد الأهداف في سبيل تدارك التأخر التاريخي ومسايرة الركب العالمي. وبالطبع ستشمل هذه الخطة، بالإضافة إلى سن قوانين واضحة تنظم عملية الترجمة بصفتها نشاطا مؤسساتيا، تخصيص جوائز لخلق جو من المنافسة الإيجابية وتشجيع المترجمين. المبادرات الرسمية ? وماذا عن المبادرات الرسمية الخليجية؟ ? تحدثنا عن “شبه” غياب الإرادة السياسية، لأننا نجد في الألفية الثالثة ـ على المستوى الرسمي ـ بعض محاولات تفعيل حركة الترجمة إلى العربية في بعض دول الخليج، يترجم هذه المحاولات في دولة الإمارات مثلا: ـ مشروع “كلمة” الذي أعلنت عنه “هيئة أبوظبي للثقافة والتراث” برعاية ودعم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي ترجم إلى الآن ما يفوق 300 كتاب من عشر لغات عالمية شرقية وغربية، بمعدل مائة كتاب في السنة من مختلف المجالات. وبرنامج “ترجم” (إلى العربية ومنها) الذي أطلقته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، والذي ترجم ما يناهز 600 كتاب مع إعطاء الأولوية لمجال الإدارة راهنا. إنها مبادرات هامة أكيد، لكنها جنينية وغير كافية، خاصة أن المسافة بيننا وبين الآخر على المستوى المعرفي والعلمي شاسعة جدا يحتاج ردمها إلى تكتل جهود كل الحكومات العربية والتنسيق الفعال بينها للنهوض بالمجال، في تلازم مع إعادة النظر في السياسات التعليمية وفي البنى الأكاديمية. فمنذ حملة نابليون على مصر إلى اليوم، والمقارنة القائمة بين الذات العربية والآخر المتفوق تظل في غير صالح هذه الذات.. صحيح أن تطورا كبيرا قد حدث، ولا أدل على ذلك على المستوى الأدبي من حصول محفوظ على جائزة نوبل في نوع كان يعد إلى عهد قريب ـ خطأ ـ نوعا غربيا، إلا أن النتائج لا تزال ضعيفة ومخيبة للآمال. وهنا لا بد من التذكير أن نجيب محفوظ حصل على الجائزة، عبر وساطة اللغة الفرنسية وليس العربية، وأن انتشاره العالمي كان بواسطة الترجمة. ? بهذا ننتقل للحديث عن مجال مواز، هو مجال “الترجمة من العربية الحديثة”، فمن إيجابيات عملية ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغات الغربية انتقال الذات العربية إلى موقع المرسل... ? أجل، يجرنا الحديث عن انتشار محفوظ عالميا، بواسطة الترجمة، إلى التطرق لموضوع الترجمة من العربية إلى اللغات الغربية تخصيصا، وهو موضوع كتابنا “الترجمة في زمن الآخر/ ترجمات الرواية المغربية إلى الفرنسية نموذجا” الصادر سنة 2010 عن المجلس القومي للترجمة بالقاهرة، والذي أكدنا فيه أن سؤال الترجمة إلى العربية ومنها، يقع في صلب الأسئلة التي تطرحها الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة على ذاتها وعلى الآخر. إذا نحن استحضرنا الحضور الضئيل للأدب العربي الحديث قبل حصول محفوظ على جائزة نوبل في الغرب تعميما وفي فرنسا، التي تتصدر قائمة الدول الأوروبية في ترجمتها للأعمال العربية الحديثة، وقارناه بحضوره المتزايد نسبيا في الغرب حاليا، سنستنتج بأن الحصول العربي على الجائزة سنة 1988 أدى إلى تغيير مسار الزمن الترجمي العربي الحديث. الاعتراف العربي ? يبقى أن نحدد في أي اتجاه تم هذا التغيير؟ ? من إيجابيات عملية ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغات الغربية انتقال الذات العربية إلى موقع المرسل، وانتزاعها بعض الاعتراف بتميز الكتابة العربية الحديثة. إلا أن عملية الترجمة من العربية، في ظل اختلال موازين القوى بين العالم العربي الإسلامي والغربي، عملية معقدة ومتشابكة الأبعاد يتداخل فيها الأدبي مع الثقافي العام والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والموروث التاريخي الممتد في الزمن من زاويتين: زاوية الآخر وزاوية الذات. لقد دشنت الجائزة التي نالها محفوظ بالفعل بداية تفعيل فك الحصار ثقافيا عن العالم العربي، الذي ظلت ثقافته لسنين طويلة حكرا على المستشرقين بمنطلقاتهم الإيديولوجية المشكوك فيها، وممثلة على مستوى الإبداع بالكتاب الفارسي الأصل “ألف ليلة وليلة”، إلا أنها ضربت حصارا جديدا على الأدب العربي الحديث يتمثل في تركيز دور النشر الغربية على الأسماء العربية الكبيرة ضمانا للربح، مع استثمارها، المتناقض مع الأهداف المعلن عنها، للصور النمطية تجاوبا مع أفق انتظار القارئ الغربي. في هذا الإطار نشير، إلى أن تصور الوسطاء الغربيين بمن فيهم المترجمون أنفسهم الذين ينطلقون من أهداف لصالح الأدب العربي من الناحية النظرية، تصور مشروط بالعلاقة التاريخية بين الغرب والشرق العربي الإسلامي، فما أسماه إدوارد سعيد بالشبكة العنكبوتية من العرقية، والتنميط الثقافي والإمبريالية السياسية والعقائدية، التي تقضي على إنسانية الإنسان وتأسر العربي أو المسلم، تأسر أيضا الأدب العربي الحديث المترجم إلى اللغات الغربية، وتحد من تأثيره الإيجابي فنيا. وهنا لا مناص من الاعتراف بالهوة العميقة التي حفرت منذ قرون بين العالمين العربي والغربي، وبصعوبة النضال ضد هذا الموروث الذي يشكل بحق عرقلة ضخمة في وجه توغل الكتاب العربي إجمالا في البلدان الغربية، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي تزداد تأزما بين الشرق الإسلامي، والغرب الذي يسير بعزم في اتجاه تضييق دائرة الآخر لكي لا تشمل سوى العربي/ المسلم. مما يعني، أن استفادة الأدب العربي تعميما من جائزة نوبل ـ التي تم اعتبارها في البداية بركة على العالم العربي بأسره ـ استفادة محدودة رغم أهميتها، ولا تتجاوز سوى في حدود ضيقة ولأسباب سياسية أو تجارية، أعمال كبار الروائيين المشارقة وعلى رأسهم المصريين يتصدرهم محفوظ نفسه، الذي لا تسلم ترجمات رواياته من تأثير النزعة الغرائبية والحسابات التجارية لدور النشر التي يخضع لها مع الأسف حتى بعض المترجمين العرب لهذا الأدب. بهذا نستنتج أن الجائزة محفز على انفتاح الآخر على الثقافة العربية الحديثة، يحده في الغرب: ـ ركام الموروثات من الصور السلبية حول العربي وثقافته. ـ راهن العلاقات السياسية المتأزمة بين الغرب والعرب، وفي هذا السياق نذكر بالتأثير السلبي لأحداث 11 سبتمبر على استقبال الأدب العربي في الغرب، حيث تراجع نشر ترجمات من العربية في مقابل تزايد الإقبال على الأقلام الغربية التي تتناول العالمين العربي والإسلامي. ـ رسوخ تقاليد أدبية في الوسط الثقافي الغربي. ـ إضافة إلى تكريس منطق المركزي مقابل الهامشي، بالنسبة للإنتاجات العربية. أما في العالم العربي، فيحده: ـ تخلف صناعة الكتاب. ـ الرغبة غير المتوازنة للظهور في مرآة الآخر. ـ تحول الكتابة العربية إلى كتابة من أجل الترجمة. ـ والتقاعس الرسمي إجمالا عن تشجيع التأليف والترجمة، حيث تتداخل عمليتا الكتابة والترجمة في اللغة الواحدة. بالنسبة لهذا العنصر الأخير الذي نود التوقف عنده لأهميته، نشير إلى أن عدم الاهتمام العربي الرسمي الجدي يعد مثبطا لبعض المشاريع الأوروبية الجادة في هذا المضمار، فتوقف مشروع “ذاكرة المتوسط” تحت إشراف مؤسسة ثقافية أوروبية بهولندا، الذي ترجم إلى لغات أوروبية عديدة ما يناهز الستين عملا سير ـ ذاتيا خلال ست سنوات، يعود في جزء كبير منه إلى عدم اهتمام المؤسسات العربية به. نعم، توجد محاولات في بعض دول الخليج مثل الإمارات، إلا أن هذه المحاولات لا تفي بالغرض حيث تظل محصورة في نطاق تعريفي ضيق بالأدب العربي، ليس هاجسه ترجمة الأعمال الأدبية وفق خطة مدروسة بعناية بقدر ما يتعلق الأمر بإعطاء فكرة عامة. نشير في هذا الصدد، إلى “هيئة أبوظبي للثقافة والتراث” التي تدعم بعض دور النشر في أوروبا لترجمة الأدب الإماراتي (دار “لسان” السويسرية كمثال)، وإلى برنامج “ترجم” الذي أطلقته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم سنة 2008 للترجمة من العربية واليها، وكذا مجهودات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي مول أنطولوجيا الشعر الإماراتي بالفرنسية في نفس السنة. أما بالنسبة لمشروع الترجمة الذي تبناه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وساهم في دعمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بصفته عضو شرف الاتحاد سنة 2009، فأقل ما يقال عنه إنه مخيب للآمال، ابتداء بعملية اختيار النصوص المراد ترجمتها إلى مجموعة من اللغات الغربية والشرقية وانتهاء بالنسبة التمثيلية الخاصة بكل بلد عربي، فعلى رأس القائمة نجد مصر بـ28 رواية وفي آخرها نجد السودان والإمارات برواية واحدة لكل بلد. أما بالنسبة للمغرب الذي اختيرت سبع روايات لتمثل إنتاجه، فمن الملاحظ ـ إذا استثنينا رواية “أيام الرماد” لعز الدين التازي ـ أنها تنقسم إلى روايات تمت ترجمتها سابقا إلى أكثر من لغة (الخبز الحافي، لعبة النسيان، مجنون الحكم...)، أو إلى روايات لا تمثل الإنتاج الروائي المغربي الجديد الذي من شأنه أن يعبر عن الحركية التي يعرفها المشهد الروائي المغربي المعاصر (المعلم علي). مما يفيد أن عملية الاختيار عملية متسرعة، لم تقم على دراسة دقيقة. ? إلى أي حد يجوز إذن، الحديث عن عالمية الأدب العربي الحديث في ظل هذا الوضع؟ ? في ظل هذا الوضع المؤسف حقا، لا يسعنا إلا أن نستغرب الحديث المتكرر عربيا عن عالمية الأدب العربي حيث صير الوهم الحلم حقيقة. شيء جميل ومشروع أن نحلم بالوصول إلى العالمية، لكن الحلم لا يجب أن يعمينا عن شروط تحقق ذلك وعن معايير العالمية. في هذا الصدد، يجب أولا التمييز بين عملية الانتشار أو الرواج العالمي الذي تساهم فيه الترجمة، وبين تحقيق العالمية التي هي محصلة هذا الانتشار. فإذا كان الأدب العربي، قد عرف في الآونة الأخيرة انتشارا على رقعة أوسع مما كان عليه الحال قبل 1988، فإن هذا لا يعني أن تفاعلا حقيقيا قد حدث بينه وبين قطاعات واسعة من القراء الغربيين، كما أنه لا يدل على أن الأدب العربي أصبح ظاهرة ذات تأثير عالمي على المستوى الفعلي. لأن الأدب العربي لم يصبح بعد جزءا من الحوار العام للنقد الأدبي على المستوى العالمي، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لأدب أمريكا اللاتينية الذي فرض نفسه بفعل الإبداعية الخلاقة لمنتجيه، والتي ساهمت الترجمة في إجلائها للقارئ الأجنبي عبر مراحل طويلة. مما يعني أن الطريق إلى العالمية، أمام أدب تحقق نضجه “حديثا” وبدأت ترجمته مؤخرا، إنما هو فعلا طريق طويل وشاق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©