السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسيو الشرق الأوسط بين الإدراك الغربي··· والواقع

سياسيو الشرق الأوسط بين الإدراك الغربي··· والواقع
2 يناير 2008 02:37
مع سفر الرئيس الفرنسي ''نيكولا ساركوزي'' للأقصر لقضاء الكريسماس برفقة عارضة أزياء شهيرة، والتحسن الظاهر في الأوضاع في العراق، فإن عام 2008 يلوح وكأنه سيكون أكثر إشراقاً من عام ·2007 غير أن اغتيال بينظير بوتو -والذي يمكـــن أن يمثل بداية انزلاق قوة إسلامية نووية إلى هاوية الفوضى- أضفى طابعــاً جديـــاً على أخبار آخر نهاية العام التي تنحو عادة لأن تكون خفيفة· والحق، أنه كان سيصعــب علينــا أن نجد مثالاً يذكرنــا بالكيفيـــة التي تؤثر بها الأحـــداث التي تقع في مناطـــق بعيدة عنـــا على حياتنا، أفضل من ذلك الخاص باغتيال بوتو؛ كما كان سيصعب علينا أيضاً أن نجد شخصاً في العالم الإسلامي، يمكن أن يثير موته تعاطفنا ورثاءنا الصــادق مثل ''بوتو''· يمكنني أن أقول في هذا السياق: إن هناك عدداً كبيراً للغاية من الأساتذة والخبراء في العالم الناطق باللغة بالإنجليزية قد تعرفوا على ''بوتو'' عندما كانت في ''هارفارد''، أو قابلوهــا عندمــا كانــت تدرس في أكسفورد، أو التقوا بها لفترة طالت أو قصرت في آخر مرة زاروا فيها كراتشــي أو روالبندي؛ وإذا مــا كـــان أحد منا قد قرأ كم الثناء على شجاعتها وحماسها للممارســة السياســة في صحـف الأسبــوع الماضي، فإنه كـــان سيصعب عليـــه هــــو الآخــــر -حتى إذا ما افترضنــــا أنــــه كـــــان لا يعرف أي شيء آخر عنها- أن يدرك لماذا كانت هذه المرأة مكروهة إلى هذا الحد من قبل الكثيرين من مواطنيها· وإذا ما عدنا بنظرنا إلى الوراء، فسوف يتضح أمامنا أن ''بوتو'' تنتمي إلى ذلك الفصيل من الساسة الأجانب الذين ينالون الإعجاب في الغرب، ويتعرضون لكراهية قسم أو أكثر من مواطنيهم· على مستوى من المستويات، قد يكون واضحاً لنا السبب الذي يدعونا إلى الإعجاب بالنماذج المماثلة لـ''بوتو'' و''جورباتشوف'' من بين ساسة العالم، على الرغم من أن مثل هؤلاء الساسة كثيراً ما يكونون محلاً لكراهية بل واحتقار قطاع من مواطنيهم· هذا السبب يتمثل في سجاياهم ''الغربية'' ولغتهم الإنجليزية الممتازة، وتأثرهم ببعض أنماط الحياة الغربية، أو اهتمامهم بـ''العمل معنا''، أو قد يتمثل في جهودهم الرامية لدمقرطة أوطانهم كحالة ''بوتو''، علماً بأن هذه السجايا ذاتها هي التي تجعلهم عرضة لكراهية قصوى من مواطنيهم· للمزيد من التوضيح نقول إن أي باكستاني يؤمن بمعتقدات طالبان عن المرأة لابد أن يكره ''بوتو''؛ وإن أي روسي يتعلق بأمجاد الاتحاد السوفييتي السابق كان لابد أن يحتقر ''جورباتشوف''، وإن أي مصري يرغب في إزالة إسرائيل من الخريطـــــة، كـــان لابد أن يستاء من ''أنور السادات'' باعتبــاره الرجـــل الذي صنع الســـلام معهـــم· بيد أن هنــاك أسباباً أخرى تدعو للاختــلاف في النظر والشعور تجاه شخصيات سياسية معينة بين الغرب، وبين مواطني هؤلاء الساسة، وخصوصاً عندما تكون تلك الشخصيات السياسية مرتبطة بموضوعات محلية لا نعرف نحن في الغرب عنها شيئاً، أو لا نكلف أنفسنا عناء معرفتها أو فهمها؛ فـ''بينظير بوتو''، وعلى الرغم من دفاعها البليغ والصادق عن الديمقراطية على صفحات ''الواشنطن بوست'' كان اسمها في باكستان مرتبطـــــاً بتهم فســاد قائمة منذ أمد طويل موجهـــة ضدها وضد زوجها، فضـــلاً عن أنهـــا كانـــت معروفــــة بأنها شجعت على ولادة ونمو حركة طالبـــــان ذاتها أثناء السنوات التي شغلت فيها منصب رئاسة الوزراء، بل ويقال إنها كانت تريد استثمار النجاح الذي حققته الحركة في حربها ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان، كأداة في الصراع الطويــــل الأمد مع جارتها الهند على السيادة الإقليمية· وبالنسبة للعديد من الباكستانيين، حتى هؤلاء الذين لم يكونوا يرغبون في رؤيتهــا وقد اغتيلت، فـــإن تلك الأخطـــاء لــم تكــن أخطاء غير ذات وزن، ولكنها كانت خطايا رهيبة، لا يمكن التسامح بشأنها، تجردها من الأهلية للحكــم· نحن بالطبع لم نكــن نعرف شيئاً عن هذه الجوانب في شخصية ''بوتو''، أو ربما ظننــــا أنها غير ذات شأن، وأن أهميتها لا ترقى إلى أهمية الخطاب الديمقراطي الذي تتبناه، والذي كنا نهتم به ونرى أنـــه يمثــل وجههـــا الوحيــد· مـــع ذلـــك فإنني لو أعطيت فرصة الاختيار بين ''بوتو'' وبين ''مشرف'' لقيادة باكستان فإنني سأختار ''بوتو''؛ ولكنني يجــــب في الوقت ذاتــه أن أقول إن الحكومات الغربية، قد أخطأت خطأً فادحاً عندمـــا توقعـــت الكثير من عودة ''بينظير بوتو'' إلى باكستان، كما أخطأت خطأً فادحا عندما استثمرت أكثر من اللازم في قيادتها، وهو ما يجب التنبه لـه في المستقبل عنــد التفكير في المصير المحتمل لبعض جيران ''بوتو''· ويجب أن نســـأل أنفسنا في هـــــذا السيـــاق، ما هي الفجــــوة بين الإدراك الغربي لشخصية ''حامـــد كرزاي'' كرجـــل لبق الحديـــث حسن النية ذي ميول ليبرالية، وبين إدراك المواطن الأفغاني العــادي له؟ حتى الآن تم التركيز فقط على المدى الذي يمكن أن يؤثر به اغتيال ''بوتو'' على مسار الأحداث في باكستــان، بيـــد أن أمنيتي لعـــام 2008 هي ألا يكون هذا الاغتيال نذيراً بما سيحدث خلال هـــذا العــام في أماكن أخرى· كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©