الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكهرباء··· السلعة الأندر في العراق!

الكهرباء··· السلعة الأندر في العراق!
24 مايو 2008 01:36
مازالت قلة الكهرباء تمثل مشكلة في العراق، وثمة الكثير من اللوم الذي يلقى هنا وهناك، غير أن معظمه ينحى على المشتبه فيهم المعتادين، كثرة هجمات المتمردين، وقلة المهندسين والتقنيين المحنكين، والحال أن هناك عاملا آخر كبيرا -ويزداد كبرا- ربما لم تقرأوا عنه، وهو عامل يستطيع رئيسُ الوزراء نوري المالكي وموظفوه حله بسرعة في الواقع إن هم أرادوا، الخلاف القائم بين وزارتي النفط والكهرباء العراقيتين· خلال موجة برد قصيرة بالعراق، قضيتُ الصباح في استجواب الناس في شوارع الفلوجة، فسمعت في أحيان كثيرة كلاما، وإن اختلفت تفاصيله إلا أنه كان يصب في موضوعين رئيسيين: الارتياح لأن قوات التحالف تمكنت من طرد المتمردين من المدينة، والغضب بسبب عجز الحكومة، ومعها المساعدة الأميركية، عن تزويدهم بأكثر من ساعة أو ساعتين من الكهرباء كل يوم· والواقع أن عدد الساعات قد يختلف بين منطقة وأخرى من العراق، ولكن الشكوى نفسَها يمكن سماعها في كل مكان من البلاد تقريبا، فالكهرباء تظل سلعة نادرة على الرغم من أن أكثر من 6 مليارات دولار -معظمها أميركية- رصدت لتحسين الإمداد بالتيار الكهربائي، وحسب تقرير حديث للمفتش العام الخاص المكلف بإعادة الإعمار في العراق، فإن الإنتاج اليومي الأقصى تراجع من كمية مشجعة بلغت 5530 ميجاوات في الحادي عشر من يناير الماضي إلى نحو 4500 ميجاوات، أي أكثر بـ500 ميجاوات فقط تقريبا مما كان عليه الإنتاج بعيد الشروع في إعادة الاعمار قبل خمس سنوات قبل استكمال آلاف المشاريع المدعومة من قبل الولايات المتحدة، وحسب تقديرات وزارة الخارجية الأميركية، فإن الإنتاج الأقصى خلال الصيف قد يبلغ 11000 ميجاوات على الأقل· ولئن كانت أعمال التمرد تمثل بالطبع عاملا رئيسيا في ضعف الإنتاج، إلا أن صميم المشكلة يكمن في أن وزارتي النفط والكهرباء تتعايشان بصعوبة منذ إعادة تشكيلهما من قبل ''سلطة التحالف المؤقتة'' في 2003؛ فلكي تُشَغل محطات توليد الكهرباء، يجب على وزارة الكهرباء أن تتوسل وزارة النفط للحصول على أي كمية من الوقود تستطيع هــذه الأخيرة توفيرها، هـــذا في حين أنها تستطيع شراء الكمية التي تريدها من أماكـــن أخرى مثل الكويت، غير أن الإحسان أو الصدقة ليست من الأولويات بالنسبة لوزارة النفط العراقية، بل العكس· والحقيقة أن كل مداخيل الحكومة العراقية تقريبا تأتي من صادرات النفط التي بلغ مجموعها، حسب الحكومة العراقية 39,8 مليار دولار العام الماضي، لتشكل بذلك نحو 95% من مداخيلها، وبالتالي، فلا غرو أن يتصرف وزير النفط ''حسين الشهرستاني'' كما لو أن كل برميل نفط لا يصدَّر إلى الخارج هو مال ضائع، بيد أن هذا الموقف، والموافقة الضمنية لرئيس الوزراء ''المالكي''، يساهمان في تمديد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي مازالت تتخبط فيها البلاد، ذلك أن محطات توليد الكهرباء عبر كل أرجاء العراق تتوقف عن العمل بسبب الافتقار إلى الوقود، إذ تقدر وزارة الخارجية الأميركية أن 1500 ميجاوات من الطاقة، أو ثلث إنتاج البلاد الأقصى في يوم عادي، تكون غير متوفرة لأن وزارة الكهرباء لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الوقود، ونتيجة لذلك، فبينما تقوم وزارة النفط بنفخ خزينة الحكومة، فإن المستشفيات ومحطات ضخ المياه وأنظمة الصرف الصحي تشتغل بشكل متقطع أو لا تشتغل أصلا، والواقع أن تصلب وتشدد وزارة النفط يتعدى توفير الوقود، ذلك أنها ترفض أيضا المساهمة في تمويل أي مشاريع لا تساعد على تصدير مزيد من النفط الخام، وكما قال لي دبلوماسي أميركي في بغداد، فـ''إن وزارة النفط لا تنجز أي مشاريع في مجال الكهرباء، إنهم لا يعبأون''· والحقيقة أن الوزارتين ليستا الوحيدتين اللتين توجدان على خلاف، بل رئيسيهما أيضا، فوزير النفط ''الشهرستاني'' -مهندس كيميائي- عمل لفترة كمتخصص نووي، وأمضى سنوات في سجون ''صدام حسين'' ولكنه لم يكن يتوفر على أي تجربة في مجال النفط قبل تعيينه، غير أن لديه بالمقابل علاقات جيدة مع ''المجلس الأعلى للثورة الإسلامية''، الذي يعد الحزب الشيعي المهيمن في البلاد، أما وزير الكهرباء ''كريم حسن'' فيحمل شهادة دكتوراه في الهندسة الكهربائية، وقد تدرج في مناصــــب الوزارة، وهو ما يمنحه خبرة كبيرة، ولكنه لا يتوفر بالمقابــــل على نفــــوذ سياسي كبير· أما الجهود الرامية إلى تحقيق الانسجام والتوافق بين وزارتي الطاقة العراقيتين، فقد كانت قليلة ومتفرقة وبدون جدوى، فقد تم تشكيل ''خلية'' متعددة الأحزاب قبل عام تقريبا للعمل مع البنتاجون ووزارة الخارجية الأميركية على مخطط طاقي متكامل، غير أن المشروع مازال يراوح مكانه، إن العراق يزخر ببعض من أكبر احتياطات النفط المعروفة في العالم، ومع ذلك، فقد أنفق نحو مليار دولار على استيراد المنتوجات النفطية العام الماضي، والواقع أن تلك ليست المفارقة الوحيدة، ذلك أن العراقيين يعيشون اليوم النتائج السلبية لفشل الولايات المتحدة في استشراف وتوفير الوقود لوحدات توليد الكهرباء التي أنشأتها في المراحل الأولى من عملية إعادة الإعمار· غير أنه، ونظرا للصراع الداخلي البيروقراطي وهاجس عائدات التصدير، فإن حكومتهم هي اليوم للأسف على طريق مأسسة هذه المشكلات المرتبطة بمجال الطاقة وإدامتها· جلين زوربيت رئيس التحرير التنفيذي لمجلة آي· إي· إي· إي· سبيكتروم ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©